تظهر مركبة قتال أمريكية بالعراق و بها العسكريون وهم يستخدمون حاسبا محمولا مثبتا داخلها ومرتبطا بالاقمار الصناعية ونظام تحديد المواقع ونظم المعلومات الجغرافية لتحديد الموقع فى أرض المعركة وتبادل المعلومات مع قيادتهم . عنصر الحسم ويقول جمال محمد غيطاس ان الكثيرون ممن تناولوا الحرب الأمريكي البريطاني علي العراق تحدثوا بشكل أو بآخر عن التفوق التكنولوجي الساحق للجيوش الغازية وأكدوا مرارا أن هذا التفوق يعتمد بشكل أساسي علي ما توصلت إليه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من تطور ومع ذلك لا تزال قضية( الحرب..كنولوجيا المعلومات والاتصالات) غير واضحة بالنسبة للكثيرين الأمر الذي يجعلها جديرة بالمناقشة ومن خلال متابعة ما نشر عن هذه القضية من واقع سير أحداث الحرب يمكن القول أنها ليست مقصورة فقط علي الجانب التكنولوجي والمعلوماتي في آلة الحرب الأمريكية والبريطانية ولكن تحمل جوانب أخري منها التأثير الاقتصادي الفوري للحرب علي صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عالميا وتأثير الغزو على سلوك مستخدمي الانترنت وكيف تحول الانترنت بفعل الغزو إلي ساحة أخرى للمواجهة وتأثير التكنولوجيا علي إعلام الحرب ثم أوضاع صناعة تكنولوجيا المعلومات في مرحلة ما بعد الحرب وفي مقدمتها النظر لعراق ما بعد الغزو باعتباره كعكة أمام صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عالميا. نظرة شاملة ومن هنا فإن الحصول علي نظرة بانورامية شاملة علي قضية تكنولوجيا المعلومات والحرب يتطلب التوقف عند كل جانب من هذه الجوانب ومحاولة استكشافه عن قرب قدر الإمكان وهو ما سنبدأه اليوم بتناول البعد الأول للقضية وهو دور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في آلة الحرب.علي المستوي النظري البحث يكمن مفتاح هذا الدور في كلمة واحدة هي(convergence)وهي لفظة إنجليزية معناها القاموسي( التلاحم أو الميل للتجمع في نقطة واحدة) لكنها علي المستوي التكنولوجي في مجال الاتصالات والمعلومات تعني تلاحم البرمجيات والحاسبات والكاميرات والخرائط الجغرافية وقواعد البيانات والشرائح الالكترونية والأقمار الصناعية ات ونظم الاتصالات وشبكات المعلومات وجميع أجهزة الاتصالات في نظام أو كيان معلوماتي عملاق يجعل المعلومات المسموعة والمرئية والمكتوبة والمسجلة علي شكل رسوم وخرائط وبيانات تتدفق بين جميع هذه الأشياء بلا انقطاع علي مدار الساعة واليوم بشكل فوري ولحظي وبمنتهى السهولة والسرعة وعبر عدد غير محدود من الأجهزة والمعدات لتكون أي معلومة متاحة لأي شخص يتاح له استخدام النظام في أي وقت وأي مكان ومن خلال أي جهاز وليكون أي جهاز أو معدة في أي نقطة من الكرة الأرضية قابلا لأن يصبح تحت السيطرة والتحكم والتوجيه والمتابعة والاستخدام من أي مكان علي الأرض. مفهوم التلاحم ومفهوم التلاحم بين صناعات البرمجيات والحاسبات والاتصالات والالكترونيات وغيرها لم يظهر من أجل خدمة الأغراض العسكرية فقط فعلي سبيل المثال ناقش المؤتمر الدولي للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الذي نظمته الاممالمتحدة بجنيف عام1999 التطبيقات المدنية المختلفةهذا المفهوم وهي بلا حصر والكثير منها تحقق فعليا علي أرض الواقع لكن الجيش الأمريكي توسع بشكل ساحق في توظيف مفهوم التلاحم عسكريا منذ فترة ليست قصيرة وطبقه علي الأسلحة والمعدات والخطط الحربية الاستراتيجية والعمليات الميدانية وتجلي ذلك عمليا فيما يطلق عليه العسكريون الأسلحة الذكية فائقة الدقة في التصويب والوصول للهدف ونظم القيادة والسيطرة الآلية وغيرها. كروز .. التطبيق العملي ولكي نتعرف علي التطبيق العملي لمفهوم التلاحم في هذه الحرب سنأخذ صواريخ كروز التي سقط المئات منها علي بغداد كمثال لتوضيح الدور الذي تلعبه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مساعدة هذا الصاروخ علي تأدية مهامه. هذا الصاروخ يفترض أنه ينطلق من موقع معين كسطح سفينة بعرض البحر أو طائرة تحلق في الجو ليتخذ طريقه الي هدف محدد داخل بغداد ولكي يصل لهدفه بدقة لابد أن( يعرف) الصاروخ طريقه جيدا خلال رحلته من نقطة الانطلاق إلي الوصول ولتحقيق ذلك يتعين تزويده بقدر من المعلومات والبيانات تجعله( يعرف) طريقه وإنجاز هذه المهمة يتطلب وجود شرائح الكترونية توضع داخل الصاروخ لكي تخزن عليها المعلومات والخرائط التي تحمل موقع الهدف وأوامر التوجيه وتحديد المسار وهنا تتدخل صناعة الالكترونيات ولعمل هذه المعلومات طبقا للأوامر المطلوبة لابد من برمجتها بشكل معين وهنا لابد من وجود برنامج معلومات متخصص يقوم بذلك ومن ثم لابد من أن تتدخل صناعة البرمجيات ولكي يعمل البرنامج علي الشريحة لابد من وجود عقل الكتروني دقيق يقوم بتشغيل البرنامج ومعالجة البيانات وهنا تتدخل صناعة المعالجات الدقيقة السائدة في تصنيع الحاسبات لأننا في الحقيقة نحتاج هنا إلي ما يشبه حاسب آلي دقيق محدد الوظيفة في رأس الصاروخ وإذا انطلق الصاروخ وهو محمل بكل هذه الإمكانات فهذا لا يكفي لتوظيف ما لديه من معرفة بشكل يتيح له الوصول بدقة للهدف لأنه لا يزال محتاجا لمن يحدد له مكانه بدقة في كل لحظة من لحظات رحلته الي الهدف لكي يعرف أنه في المسار السليم وهذا الأمر يتطلب أن يتعاون عقله الالكتروني الدقيق وما تحتويه ذاكرته من معلومات وخرائط مع طرف خارجي لديه القدرة علي تحديد المكان والطرف الخارجي هنا هو نوعية من الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض علي مدار الساعة وتستطيع تحديد موقع أي هدف يتحرك علي الأرض بطريقة لحظية والتي يمكن للصاروخ أن يكون علي اتصال دائم بها ويتلقي منها معلومات تحدد موقعه لحظة بلحظة حتي الوصول للهدف وهنا تكون صناعة الاتصالات وخطوط الاتصالات قد دخلت طرفا في المعادلة. ملاحظات وكما تابعنا جميعا فقد كانت هناك عشرات الصواريخ تطلق في وقت واحد من أماكن مختلفة علي أهداف متنوعة وربما في أماكن متقاربة داخل بغداد وفي مناطق أخري من العراق وهذا يعني أنه لابد من وجود نظام للسيطرة والتوجيه وتتبع هذه الأعداد من الصواريخ المصوبة في وقت واحد علي أهداف تتقارب جغرافيا ونظاما من هذا النوع يحتاج بطبيعة الحال إلي قواعد بيانات عملاقة خاصة بالأهداف المطلوب تدميرها ومسار كل صاروخ يجري إطلاقه ثم برمجيات ونظم معلومات في غاية التطور والتعقيد تستطيع توظيف محتوى قواعد البيانات في القيام بعدد لا حصر له من المعادلات وعمليات المضاهاة اللحظية بين البيانات الواردة من نظم تتبع الصواريخ والبيانات المخزنة عن هدف ومسار كل صاروخ لكي تتم متابعة وتوجيه كل الصواريخ لحظيا وهذا يتطلب بالطبع حاسبات خادمة فائقة الكفاءة وربما سوبر كمبيوتر لإدارة هذه العملية وهذه الحاسبات تستند بدورها لشبكة معلومات عالية السرعة والقوة تكون منفتحة تماما مع شبكات الاتصالات سواء الأرضية أو العاملة عبر الأقمار الصناعية وهنا تكون صناعة نظم المعلومات وبناء شبكات المعلومات وصناعة الحاسبات قد اصبحت هي الاخري طرفا في المعادلة وبهذا الشكل يكون الصاروخ كروز قد قدم نموذجا حيا لكيفية التوظيف العملي لمفهوم التلاحم في صناعة نظام رحب لتبادل المعلومات يوفر قدرا من المعرفة اللحظية لهذا الصاروخ الاصم فيجعله ذكيا حسب التعبير الرائج حاليا في التعرف علي هدفه والوصول إليه.هكذا شكل مفهوم التلاحم نقطة الارتكاز المحورية التي انطلق منها تفوق الاسلحة والمعدات والافراد والخطط الأمريكية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات فقد أوجد هذا المفهوم أو التوجه إطارا معلوماتيا مشتركا للتعارف والتعايش والاتصال بين المعدات والآلات الحربية والإنسان وبين الآلات وبعضها البعض أيضا فما أن تزود الآلة أو المعدة العسكرية بإمكانات معلوماتية كشريحة الكترونية محمل عليها برنامج معلومات وكاميرا دقيقة ثم بإمكانات الاتصال اللاسلكي أو الفضائي بشبكات الاتصالات والمعلومات حتي تصبح قادرة علي أن تكون طرفا في منظومة معلوماتية شاملة وتعمل كطرف يتفاعل مع الآخرين لحظيا بشرا أو آلات وفق مستوي من المعرفة يضفي علي تصرفاتها قدر من الذكاء في الحرب ويقول الأمريكيون أن هذا المستوي من الذكاء لم يكن متاحا لهم من قبل وغير متاح لأعدائهم حاليا ومن ثم ظهرت نظم المعلومات التي تتحكم في عمليات الإمداد والتموين وإدارة الصواريخ والسيطرة علي وسائل الدفاع الجوي وتبادل الأوامر والمعلومات بين القيادة والمستويات الأدني وظهرت مؤتمرات الفيديو الحية علي الساحة بشكل لم يكن معهودا من قبل وجرى تكثيف الاعتماد علي نظم معلومات متنوعة مثل نظم المعلومات الجغرافية ونظم ادارة الموارد ونظم البريد الالكتروني المؤمن وأصبح نظام تحديد المواقع العالمي من الأدوات التي لا غني عنها في أي معركة ودخلت الأقمار الصناعية كطرف فاعل في التفاصيل الدقيقة للقتال علي الأرض وغيرها. الاستراتيجية الخاصة وعلي أية حال فإن موجة التلاحم التي يجسدها الصاروخ كروز تمهد الطريق للحديث عن الاستراتيجية الخاصة بتوظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عسكريا وتعرف باستراتيجية( القوات المسلحة الممركزة شبكيا التي تخوض حربا شبكية) بمعني أن تكون القوات المسلحة الامريكية معتمدة بالكامل علي شبكة معلومات أساسية مركزية قوية قائمة علي مفهوم التلاحم يستخدمها الافراد والقيادات وايضا الأسلحة والمعدات في الوصول الي البيانات والمعلومات اللحظية التي تحتاجها بما يجعل الجيش الامريكي جيش المعلومات أو جيش المعرفة تماما كما يتحدث المدنيون عن مجتمع المعلومات ومجتمع المعرفة تقنية . طيران المستقبل