لقد اولى ابو القاسم المجريطي عناية خاصة للتجارب العلمية الخاصة بالاحتراق والتفاعلات التي تنتج من ذلك. لذا كانت له نظريات علمية دقيقة جدا حول هذا الموضوع الحيوي, يتناقلها العلماء ليس فقط في بلاد الاندلس ولكن في جميع ارجاء المعمورة. يقول عبدالرزاق نوفل في كتابه (المسلمون والعلم الحديث): وقد اهتم ابو القاسم المجريطي اهتماما خاصا بتجارب الاحتراق والتفاعلات التي تنتج عن هذا الاحتراق، والتغيرات التي تتم على اوزانها. هذه التجارب التي كانت اساسا لكافة النظريات الكيميائية الخاصة بأوزان المواد وتغييرها بالاحتراق. اما عمر رضا كحالة فيقول في كتابه (العلوم البحتة في العصور الاسلامية) وقد نظر مؤلف رتبة الحكيم (ابو القاسم المجريطي) الى ناحية هامة من نواحي العمليات الكيميائية، وهي ملاحظة ما يطرأ على اوزان المواد الكيميائية التحليلية، ولو انه وفق الى ان التجربة في حيز محدود من الهواء، مع مراعاة التحوط للامور التي اشير اليها لكان من المؤكد ان يحصل على النتيجة التي حصل عليها لافوزيه بعده بنحو ستمائة سنة، وكانت من الاسباب القوية الرئيسية في شهرته العلمية. حاول الكثير من المهتمين بروائع الحضارة العربية والاسلامية العلمية ان يضعوا التجارب العلمية المتعلقة بالاحتراق والتفاعلات كما صورها العملاق ابو القاسم المجريطي ومن بينهم حابر الشكري الذي يقول في كتابه الكيمياء عند العرب (لقد وصف المجريطي تجربة اجراها بنفسه، واتخذها كل من بريستلي ولافوزيه أساسا للبحث بعد قرون عدة من اجرائها). وتلخص هذه التجربة بما يأتي: اخذت الزئبق الرجاج الخالي من الشوائب، ووضعته في قارورة زجاجية على شكل بيضة وادخلتها في وعاء يشبه اواني الطهي، اشعلت تحته نارا هادئة بعد ان غطيته، وتركته يسخن اربعين يوما وليلة مع مراعاة الا تزيد الحرارة على الحد الذي استطيع معه ان اضع يدي على الوعاء الخارجي، وبعد ذلك لاحظت ان الزئبق الذي كان وزنه في الاصل ربع رطل صار جميعه مسحوقا احمر ناعم الملمس، وان وزنه لم يتغير في هذه التجربة. يجب ان يزيد وزن الزئبق نتيجة لتفاعله مع الاوكسجين: زئبق+اوكسجين اوكسيد الزئبق الاحمر. ولكن يظهر ان قسما من الزئبق قد تبخر وربما بطرق الدفاة كان وزن هذا الجزء المتبخر يساوي وزن الاوكسجين الداخل في التفاعل ولو استطاع ابو القاسم المجريطي ضبط التجربة وادرك ذلك، لكانت من اروع التجارب الكيماوية. ولكن مع ذلك فانه وضع اساس الاتحاد الكيمياوي واستفاد بريستلي ولافوزيه وغيرهما من الباحثين في اظهار حقيقة كيمياوي كان ابو القاسم المجريطي قد وضع قواعدها قبلهم بقرون عدة.