لقد قاد أبو القاسم المجريطي الحركة الفكرية في الأندلس، فكانت له الريادة في حقل الكيمياء التي مرت بفترة من الزمن سادتها الخرافات والشعوذة، ولكن أبا القاسم المجريطي حرره من هذه الأفكار الخرافية في بلاد الأندلس مقتديا بأستاذيه جابر بن حيان والرازي. لذا نجد أن أبا القاسم المجريطي يرى أن الإلمام بعلم الكيمياء ضروري لمن ادعى العلم. يقول عبد الرزاق نوفل في كتابه (المسلمون والعلم الحديث) نقلا عن أبي القاسم المجريطي: لا يجوز لأي رجل يدعي العلم إذا لم يكن ملما بالكيمياء.. وطالب الكيمياء يجب أن تتوافر فيه شروط معينة لا ينجح بدونها، إذ يلزمه أن يثقف أولا في الرياضيات بقراءة إقليدس والخوارزمي وفي الفلك بقراءة المجسطي لبطليموس وفي العلوم الطبيعية بقراءة ارسطو، ثم ينتقل إلى كتب جابر بن حيان والرازي ليتفهمهما، وبعد أن يكون قد اكتسب المبادىء الأساسية للعلوم الطبيعية يجب عليه أن يدرب يديه على إجراء التجارب المخبرية، وعينيه على ملاحظة المواد الكيماوية وتفاعلاتها وعقله على التفكير فيها. لقد اشتغل أبو القاسم المجريطي على قدم وساق ليلا ونهارا حتى تمكن من بلورة أهمية العلوم الرياضية أمام طلابه، وأنها هي العمود الفقري للعلوم الطبيعية ومنها بل على رأسها علم الكيمياء. كما أنه لم يهمل فكرة أن العلوم البحتة والتطبيقية يتمم بعضها بعضا. يقول علي أحمد الشحات في كتابه (مكانة العلم والعلماء في الإسلام): دعا علماء العرب إلى إتقان العلوم المتصلة بعلم الكيمياء, ومن أشهر هؤلاء عالم الكيمياء العربي (المجريطي) ومن الأقوال التي تؤثر عنه أنه يجب على من يريد الاشتغال بعلم الكيمياء أن يلم أولا بالرياضيات والعلوم الأخرى، ومتى وقف على أصولها، أخذ يدرب يديه على الأعمال المعملية، وبصره على قوة الملاحظة، وعقله على التفكير في العمليات والمواد الكيميائية.