لقد امتاز أبو القاسم المجريطي بالدقة، وقوة الملاحظة بين علماء عصره في العالم العربي والإسلامي، لذا يرى أن المتخصص في فرع من فروع العلوم التطبيقية كالكيمياء مثلا، يلزمه الإلمام التام بالرياضيات، لأن الرياضيات تعتمد على التفكير المنطقي والاستنتاجات العلمية الدقيقة، والمعروف عبر التاريخ أن التطور في العلوم الرياضية يعتبر من المؤشرات القوية لتطور الحضارة الانسانية والاهتمام في تقدم التكنولوجيا. يقول عمر رضا كحالة في كتابه (العلوم البحتة في العصور الاسلامية) ومن الذين اشتغلوا بالكيمياء بالإضافة الى عمله الرائع بالرياضيات والفلك، المجريطي المتوفي سنة 398 هجرية (1008 ميلادية) وله في ميدان علم الكيمياء أعمال طيبة تدل على مبلغ عنايته بالأمور العلمية وتضلعه فيها، فلا يستطيع احد في المعمورة ان ينكر دور عالمنا الجليل ابو القاسم المجريطي في مجال علم الكيمياء، فله باع طويل في هذا الحقل العلمي الحيوي يعترف به الصديق والعدو في العالم. لقد حرر أبو القاسيم المجريطي علم الكيمياء في بلاد الأندلس من الخرافات والسحر والطلاسمات التي كانت مسيطرة عليها آنذاك، وقد حاول عالمنا العزيز بكل جدارة أن يبرز بإثباتات علمية أن هذا العلم علم شريف وهام، بل ضروري، وهو أحسن علم يصبو إليه طالب العلم، لذا بدأ أبو القاسم المجريطي يدعو وبقوة وإخلاص إلى دراسة علم الكيمياء دراسة علمية تعتمد على التجربة والاستقراء، والجدير بالذكر أن أبا القاسم المجريطي يرى وبوضوح متناه أن الرياضيات مادة علمية أساسية بل ضرورية لطالب علم الكيمياء بل لجميع العلوم التطبيقية. يقول أ. ج. هولميارد في كتابه (الكيمياء حتى عصر دالتون)، إن أبا القاسم المجريطي كان ينصح بوضوح طلابه بأن يتأنوا في دراسة النظرية الأساسية، ويدربوا انفسهم على إجراء التجارب المخبرية وأن يتعودوا على التفكير في المواد الكيميائية، وما يحصل بينها من تفاعل كيميائي، وما ينتج من هذا التفاعل من صور جديدة.