من المفاجأة أن يحدث سباق ببين السيناتور نورم كولمان الذي يقود تحقيق مجلس الشيوخ في قضية فساد برنامج الأممالمتحدة النفط مقابل الغذاء، وبين السيد بول فولكر الذي يقود تحقيقاً تجريه الأممالمتحدة في الادعاءات الموجهة ضدها. ولكن ليس من المفاجأة قيام موظفي كل تحقيق بالبحث عن نفس المستندات والتحدث إلى نفس الأشخاص. كما أنه أقل من المفاجأة أن يكون للأمم المتحدة مدخلاً أفضل إلى مستنداتها وموظفيها. يقول السيد فولكر أنه يكره الدخول في هذه المسألة،أو أن يقوم برفع الحصانة الدبلوماسية عن أي شخص ما لم ينتهي التحقيق معه. وفي واقع الأمر يتهم السيناتور كولمان، السيد فولكر بإخفاء معلومات عن مجلس الشيوخ. لم يقدم فولكر أي تفسير عن الشك لدرجة أنه لا ينوي القيام بأكبر تحقيق موسع أو كشف النقاب في نهاية المطاف عن وثائق أو نشر تقرير نهائي للعامة، حسب وعده، في حين يجب منحه وقتاً معقولاً يتمكن خلاله من جمع المعلومات. ومن المؤكد أنه من السابق لأوانه صرف النظر عن تحقيق السيد فولكر كلية ً أو المطالبة باستقالة كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة، مثلما فعل كولمان الأسبوع الماضي إذ أن هذا يبدو لنا مثل قيام الأممالمتحدة بالنقد من أجل الحصول على كسب سياسي لا من أجل النقد البناء. كما أنه يكون خداعاً أن نصور برنامج النفط مقابل الغذاء على أنه مال رشوة لصدام حسين ونتجاهل في نفس الوقت الثروات الضخمة التي جناها من خلال التجارة غير مشروعة التي لم تكن تمت بصلة لا من قريب ولا من بعيد بالأممالمتحدة. فمعظم البلايين التي جمعها صدام حسين من أجل الأسلحة والقصور خلال فترة التسعينات أتت - في ظل العقوبات الاقتصادية - من تجارة النفط وبعض السلع مع دول مثل الأردن و تركيا و سوريا. وكانت الولاياتالمتحدة على علم بهذه التجارة ولكنها إما غضت الطرف عنها، كما كان الحال مع الأردن، أو أنها فعلت القليل أو لاشيء على الإطلاق لمنعها. لقد أكد برنامج النفط مقابل الغذاء على الأقل أن معظم عائدات العراق من مبيعات النفط الرسمية كانت تستخدم لشراء الطعام و المؤن الإنسانية الأخرى للشعب العراقي. فإذا كان الكونجرس يرغب في وضع تفسير لقدرة صدام حسين على دفع مبالغ لأسر الشهداء الفلسطينيين، فإنه يكون من المعقول جداً أن نحقق لماذا وكيف كانت تجارة غير الأممالمتحدة مباحة ؟إن أهمية التحقيق في الأممالمتحدة تقع في الإمساك بمسؤولين كبار ربما يكونوا مرتشين، بصرف النظر عن مدى الجريمة وأقاربهم. و كذلك، على وجه الخصوص، في الكشف عن طبيعة العلاقة بين نجل السيد كوفي عنان وشركة سويسرية مؤجرة للرقابة على متطلبات برنامج النفط مقابل الغذاء. كما توجد أيضاً قضية العواقب: فلو أن السيد فولكر وجد دليلاً على الفساد أو على عدم الأهلية الجنائية، فلن يكون من الواضح ماذا يحدث بعد ذلك. هل ستقوم الولاياتالمتحدة بتوجيه تهم جنائية ضد موظفي الأممالمتحدة ممن لديهم حصانة دبلوماسية ويعملون في هيئتها في نيويورك ؟يبدو ذلك غير محتمل. أم أن بلادهم ستفعل هذا ؟ حتى هذا يبدو أقل احتمالاً. ولا تزال المهمة الأكثر أهميةً، هي مهمة السيد فولكر : فلكي تحتفظ الأممالمتحدة بمصداقيتها فإنها بحاجة لتنفيذ المهام الموكلة إليها مع حتمية بقاء نزاهتها أمر لا ريب فيه. إن الفشل في تحمل المسؤولية سيجعل المنظمة عرضة للنقد بطبيعة أشد رهبة من سواها. * عن الواشنطن بوست