زار أحد الأثرياء مصرفا فقال له الموظف: * تفضل يا سيد أجلس على الكرسي. فاستاء الثري من لهجة الموظف وقال له: * أتعرف من أنا؟ أنا الثري فلان. فسارع الموظف إلى القول: * حسن يا سيدي.. تفضل اجلس على كرسيين. هذا الموظف أراد أن يعبر عن رأيه بان الانسان هو الانسان سواء كان ثريا أو لم يكن، وأن هذا الثراء لن يمنحه ما هو بحاجة اليه، فهو لن يجلس على كرسيين في وقت واحد، ولن يأكل فوق طاقته، ولن يلبس ثوبين معا، أو حذاءين معا،فهو يكتسب أهميته من عمله وليس من ثرائه، بل إن هذا الثراء قد يكون وبالا عليه إذا أساء استخدامه، وظن أنه بهذا الثراء يستطيع ان يتخطى الرقاب، وأن يدوس على من يعترض طريقه، وان يبيح لنفسه ماهو غير مباح لغيره. اثرياء كثيرون تكسبهم الثروة لين الجانب، وحسن الخلق، والاحساس بحاجات الآخرين، مما يدفعهم إلى الاعمال الخيرية، بشتى انواعها، ومختلف مجالاتها، انطلاقا من الايمان بأن هذه الثروة أمانة لا يليق التفريط فيها، او إساءة استخدامها، بل لابد من استخدامها في مجالاتها المشروعة، فهى رزق من الله يمكن ان يسترده في أي لحظة، وكم من ثري أصبح معدما، وكم من فقير أغناه الله من فضله، فالغنى والفقر حالتان يتعرض لهما العقلاء من الناس دون أن تتركا في نفوسهم، ما تنحرف به عن جادة الصواب، او ما تضل به عن طريق الخير، او تنصرف به عن دروب الصلاح، فالصواب والخير والصلاح امور لاعلاقة لها بالغنى أو الفقر، فالسلوك السوي يتجسد عند الغني والفقير، وكذلك السلوك السيىء يمكن أن نراه لدى الغني أو الفقير، اما الذين يعتقدون ان ثراءهم هو ضمان حب الناس لهم وتقربهم منهم، وهو ضمان نجاحهم في علاقتهم مع الآخرين، فلاشك أنهم بحاجة إلى اعادة النظر فيما يعتقدون، فالاخلاق الحسنة والمعاملة الطيبة، والسلوك المستقيم كل ذلك هو وسيلة النجاح المؤكدة في العلاقة مع الآخرين وكسب مودتهم، وما لم يكن المال وسيلة الى التقرب من الله، فلا خير في ذلك المال، ولا فائدة ترجى من ورائه. بقى أن نعرف حجم السخرية التي أراد الموظف أن يظهرها لذلك الثري عندما قال له: * حسن يا سيدي.. تفضل اجلس على كرسيين!