وزير الخارجية يصل لباريس للمشاركة في اجتماع تطوير مشروع العلا    صندوق الاستثمارات العامة يعلن إتمام بيع 100 مليون سهم في stc    "محمد الحبيب العقارية" تدخل موسوعة جينيس بأكبر صبَّةٍ خرسانيةٍ في العالم    "دار وإعمار" و"NHC" توقعان اتفاقية لتطوير مراكز تجارية في ضاحية خزام لتعزيز جودة الحياة    ا"هيئة الإحصاء": معدل التضخم في المملكة يصل إلى 1.9 % في أكتوبر 2024    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    ماجد الجبيلي يحتفل بزفافه في أجواء مبهجة وحضور مميز من الأهل والأصدقاء    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    رينارد: سنقاتل من أجل المولد.. وغياب الدوسري مؤثر    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    رقمنة الثقافة    الوطن    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    عصابات النسَّابة    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    صحة العالم تُناقش في المملكة    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 تصل إلى لبنان    أسرة العيسائي تحتفل بزفاف فهد ونوف    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    استعادة التنوع الأحيائي    تعزيز المهنية بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.. وزير البلديات يكرم المطورين العقاريين المتميزين    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    لاعبو الأندية السعودية يهيمنون على الأفضلية القارية    «جان باترسون» رئيسة قطاع الرياضة في نيوم ل(البلاد): فخورة بعودة الفرج للأخضر.. ونسعى للصعود ل «روشن»    المالكي مديرا للحسابات المستقلة    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    بوبوفيتش يحذر من «الأخضر»    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    التقنيات المالية ودورها في تشكيل الاقتصاد الرقمي    قراءة في نظام الطوارئ الجديد    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    «الشرقية تبدع» و«إثراء» يستطلعان تحديات عصر الرقمنة    «الحصن» تحدي السينمائيين..    السيادة الرقمية وحجب حسابات التواصل    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    ترامب يختار مديرة للمخابرات الوطنية ومدعيا عاما    المنتخب يخسر الفرج    رينارد: سنقاتل لنضمن التأهل    أجواء شتوية    الذاكرة.. وحاسة الشم    السعودية تواصل جهودها لتنمية قطاع المياه واستدامته محلياً ودولياً    أمير المدينة يتفقد محافظتي ينبع والحناكية    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    محافظ الطائف يرأس إجتماع المجلس المحلي للتنمية والتطوير    نائب أمير جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنا كائن نهاري ولا أكتب ليلاً أبداً
أجرب التعبير عن نفسي بلغتي التي أعيش بها حياتي.. عبدون ل اليوم
نشر في اليوم يوم 18 - 10 - 2004

عبدالله السالم يتخفى وراء اسم مستعار هو "عبدون" غامر وكتب تجاربه السردية باللهجة العامية، حيث كانت تجربة مختلفة في المنجز الروائي. وأيا كانت القناعات بجدوى هذه التجربة التي قد تتنامى وقد تشكل في يومٍ ما ظاهرة في المشهد الثقافي.. إلا أننا وبكل الحياد نقدم عبدالله السالم في هذا الحوار ل "اليوم" ليتحدث عن تجربته وعن قناعاته بما قدمه من روايات وأعمال سردية.
انطباعات القراء - عبدون
@ في البداية لابد أن يكون السؤال من "عبدون"؟
أطالع في انطباعات القراء والقارئات وأجد أن عبدون هو في النهاية هذه الانطباعات والآثار، قطرة المطر تنزل في كل الأحوال، فإذا كانت محظوظة تلقفتها أرض طيبة فسقتها وأنبتت وأزهرت.
أحس بأن تلك الكتابات التي أكتب.. البسيطة.. الغيبية كسرد الأحلام المستعصي.. عبّرت عن ذاتٍ كانت غنية مرحة مغامرة شجاعة.. ثم طمرها في واقع الحياة شيء ما.. جرح مكين غائر لئيم.. لا أعرف ماهو على وجه التحديد.. لكن يبدو أن تلك الذات ظلّت في اللاوعي الذي غذى تلك الكتابات.. حرةً صامدة.
عاشق اللغة العربية
@ في تجربتك السردية اخترت العامية نمطاً للكتابة.. ولابد أن هناك من يسأل لماذا اخترت هذا النموذج؟
أنا عاشق اللغة العربية الأول.. وفي كل مكان أحل فيه أضايق من حولي أحياناً لكثرة تدقيقي على الأخطاء النحوية التي تقع.. من مذيعٍ أحمق في احدى القنوات.. أو متفاصحٍ رعديد.. وتجدني أصلح الخطأ الذي أسمعه فوراً وبصوت مرتفع.. وأنا متضايق قرفان.. ولا يعادل ذلك إلا من يخطئ في لحن أغنية ما أمامي.. أو يكسر بيتاً في قصيدةٍ عمودية.
لكني تأملت كثيراً في حياة امرئ القيس.. وعنترة.. كذلك قيس بن الملوّح.. وأبي الطيب.. وتأملت في آثارهم الخالدة.. وتيقنت تماماً أن لا أحد سيبلغ القمم التي بلغوها بهذه اللغة الجامدة الركيكة التي لدينا حالياً.. اللغة العربية الموجودة هي أحد مظاهر الجمود والتخلف التي نعيشها في كل مناحي حياتنا الأخرى من قرون.. العامية النجدية ربما ليست الحل.. لكن من قال ان لدي حلاً؟ أنا فقط أجرب.. اجرب أن أعبر عن نفسي بلغتي التي أعيش بها حياتي.. وأطمح إلى أن تتطور لغتي حقاً.. ولكن بدون قوالب وهمية جاهزة.
مع "الصويّان"
@ بقولك "اللغة العربية اليوم جامدة" هل من توضيح لهذه العبارة؟
تدخل لغات العالم المتحضر حولنا يومياً مفردات إضافية إلى معاجمها.. وتختصر كلمات وتعتمد مصطلحات جديدة.. لذلك هي باقية حية.. على الألسن مثلما هي على الورق.. وهذا الأمر لا يحدث مع اللغة العربية.. بل حرص مخرّبوها ومنذ بداية عصور انحطاط الدولة الإسلامية على القتال في سبيل توقف اللغة عند المتنبي وأبى تمام.. وساهمت النخبوية في استمرار استخدامها بصورتها المتجمدة والتوجه بها لفئةٍ معيّنة يرضيها هذا التميز.. ثم أجهزت عليها أفكار القومية العربية ومثقفي مصر أوائل القرن الماضي.. وأصبح من أهم أهداف اللغة العربية توحيد الوطن العربي المزعوم.. وواقع الأمر أنه لا هذه اللغة العربية الموحّدة نجحت في الحياة ولا الوطن العربي..
في بداية مشوار عبدون منذ قرابة السنوات الثلاث جمعت بعض النصوص وذهبت بها معي لاصطياد د. الصويّان.. وهو رمز الأدب الشعبي الأكبر عندي في ذلك الوقت.. لعرض تجربتي عليه وطلب المشورة والتوجيه.. وتقابلنا "وقّافي" في الممر المؤدي لمكتبه لمدة لا تتجاوز الربع ساعة.. حاولت استغلال ذلك الوقت في الحديث بحماس عن الكتابة بالعامية ودوافعي وأفكاري حول ذلك.. وأنصت إلي بتململ قبل أن يصدمني في نهاية اللقاء بأن رمز العامية الأكبر هذا لم ينجز رسائله وأبحاثه ومعجمه الشهير في اللهجة العامية إلا خدمةً لتوثيق تراثٍ محدد مضى وانتهى.. لكنه لا يفهم لماذا أريد أن نستمر في التعبير والكتابة بهذه اللهجات الآن.. وكأن التطور الطبيعي للغة في جزيرة العرب توقف عند تاريخٍ ما معيّن من القرن الماضي.. بدأت بعده وبعد إتمام معاجم "الصويّان" العودة للغة المعلّقات وكتبة القرون الماضية.. ليتك لم تأت يا دكتور إذن إلا بعد خمسين أو مائة سنة من الآن لتخلدني في معجمك الفاخر.
المتلقى والناقد
@ أصدرت عددا من التجارب السردية كيف وجدت ردة الفعل لدى المتلقي والناقد؟
كتاب "الحب مهوب لعبة" هو الذي يستأثر بمعظم ردود الفعل من القراء الكرام، وهي ردود فعل إيجابية غالباً ومما يمكن تلخيصه بأن الكتاب ممتع ببساطته وقربه للقلب.. لا أحد من القراء يناقش القيمة الفنية أو الثقل الفكري أو غير ذلك.. برأيي ربما لأنها أشياء نسبية.. الكتاب إما يحدث بينك وبينه ألفة فتقرؤه.. أو تركنه في الركن البعيد الهادئ من مكتبتك.. هذا إذا كنت اشتريته أصلاً..
أنا في الأساس كاتب إنترنت متخف يستمتع بردود القراء المباشرة وغير المباشرة.. العلنية والسرية.. الهدايا والمكائد.. الدعوات والأحقاد.. وكاتب الإنترنت هذا الذي دفعه تشجيع قرائه لنشر كتاباته في كتب.. لازال يتعامل مع الأمور كما كانت في عالمه الخفي الافتراضي. الصحافة والصحفيون والنقاد والمتخصصون والكبار الذين ينبغي إهداؤهم نسخاً هي عوالم جديدة عليّ.. وهي عوالم يغلب عليها الافتعال والكثير من تضييع الوقت والمجاملات وبصراحة لست مؤهلاً بعد للتحدث عنها.. ربما بعد فترة..
الفصحى والمحلية
@ هذا التوجه في الكتابة ألا تخشى أن يجعلك مؤطرا في دائرة الإقليمية الضيقة؟
أنا سأتساءل هل لو كان مسلسل "طاش ماطاش" يتحدث مايدعى بالفصحى، هل كان يحقق هذه الشهرة على مستوى الوطن العربي التي يتمتع بها الآن؟
تجربة الكتابة في النت
@ "عبدون" نتاج التجربة الإنترنتية هل تحدثنا عن ملامح وطقوس الكتابة "النتية" وملامح تجربة عبدون من خلالها؟
أتفق مبدئياً مع حكاية أن الكتابة في منتديات الإنترنت مثل التمثيل على المسرح.. من ناحية ردود أفعال المتلقّين المباشرة.. ولو أن هذا الموضوع تلخبطه عوامل أخرى في النت.. حيث ان ردود الذين يكتبون عابرة وهم قراء عابرون.. وإنما زملاؤك الكتاب الآخرون.. يبقى لديك عدد قراء أو زوار النص.. وهي دلالة أقرب لولا صمتها وكآبتها.. لكن الدلالة الأهم في نظري للكتابة الموجودة على النت تأتي على المدى البعيد.. فهي أسهل توفراً للقارئ في أي وقت.. وكثيراً ما أعجبني نص لكاتب ما.. فكنت أستطيع الوصول إلى جميع كتاباته السابقة في هذا الموقع.. بمجرد الضغط بالمؤشر على اسمه ليظهر لي ملف متكامل بها.. لذلك أعرف أن كتاباتي الموجودة في موقعٍ ما على النت أكثر دواماً وتوفراً للقارئ من أي صحيفةٍ ترمى أو كتابٍ ينفد من الأسواق.. وسهولة إرسال البريد الإلكتروني وتلقيه والرد عليه سهّلت التواصل كثيرا بين المهتمين والقراء وكتّابهم.. حتى للتعليق على الكتب المنشورة ورقيا. يكفي أن يكون العنوان الإلكتروني موجوداً هناك ليتم التواصل السهل.
طقوس الكتابة.. تستطيع القول: إنني أتبع خطة لعب خمسة واحد أربعة.. لكتابة نص ما.. فأنا أدير الفكرة وأوجد لها الروابط والمنافذ والقفلات والمخارج في رأسي أولاً.. وقد تلعب فكرة ما في رأسي زمناً طويلاً.. الحقيقة أن ذلك يعتمد على الطلوع والنزول.. ففي فترات طلوعي أو حماسي للكتابة أقضي أوقات تفكير أقل من الناحية المبدئية.. لأنني أكون متحمساً للإنجاز.. ولو أنها موجودة دائماً حكاية الموازنة بين تأملات العقل الواعي في الفكرة.. وبين ترك المجال للعقل الباطن ليلعب بها قليلاً.. وقد يكون من الحلول التي ألجأ إليها لفكرةٍ ما هو تعمد تجاهلها ومحاولة نسيانها.. لأنني أعرف أنها ستعود متألقةً كاملة من جديد ولو بعد حين.. ثم أختم فترة الرأس حال إحساسي بنضج الفكرة.. فأطرحها ذات ليلةٍ عاصفة على الورق في وقت قصير.. في كتابةٍ سريعةٍ جداً.. فوضوية صاخبة.. - الحقيقة أنني كائن نهاري ولا أكتب ليلاً أبداً.. ولكن العاصفة أوقع ليلاً.. لا أذكر أنني تجاوزت في عملية الكتابة حاجز النصف ساعة.. مهما طال النص.. فالنص مكتوب في رأسي وأنا فقط أكتبه بأقل قدر من التأني لئلا تصطادني الكلمات وألاعيب اللغة.. قد أكتب على فترتين لكن غالباً يتباعد ويفشل.. وأحياناً تفشل الفكرة من فترة الرأس.. وأحياناً بعد إنزالها على الورق.. على طول تحسها لو بايخة أو تعاني من خللا ما غير واضح.. غالباً في هذه الحالات أرميها.. فأنا لا أحب الترقيع.. ولا أظن أنه يأتي بنتيجة.. بعد فترة الكتابة العاصفة هذه.. تأتي الفترة الطويلة الأخيرة.. في تشييك النص.. أنا اشيّك النص بسخافة.. يعني على أشياء غيري ممكن يعتبرها ما تسوى.. يعني مثلاً شيل النقطة.. لا لاحطها.. ولا تدري شيلها بس أحسن.. وأوسوس في الإيقاع بالذات.. مرات أقول بطئ أوله سريع آخره.. مرات فيه فترات ملل بس ما أعرف وين بالضبط.. مرات سريع لاهث تلزمه جمل تهدئه شوي.. وأحاول معالجته وبأقل قدر من التغييرات عن إنزاله الأول من رأسي.. وعموماً لو النص ناجح من مرحلته الأولى لما نزلته على الورق.. يسهل "تزبيطه"...
من أبرز ملامح تجربتي الحميمية.. استخدام ضمير المتكلم غالباً والسرد البسيط غير المتكلف.. وفي مجال أسماء الأماكن الحقيقية وبعض الأسماء فقد تعرضت لبعض الحرج أحياناً.. رغم أنني لا أروي قصصاً حقيقية.. أنا فقط ضحية ضمير المتكلم.. وبعض التشابهات اللا مقصودة.
لابد من الصلح مع الشعبي
@ رغم إصدارك العديد من الأعمال السردية إلا أن هناك قطيعة من المشهد الثقافي مع نتاجك السردي.. بماذا تفسر هذه القطيعة؟
النوع الشائع لدينا محلياً في النظرة إلى الثقافة والمثقفين هو نوع: "اخس يالمثقف".. من زاوية السخرية والتندر.. والاستهانة المتوارثة لدينا بأي اطلاع معرفي خارج نطاق العلم الشرعي والموروث الشعبي ومايدور في إطارهما.. وهو ما أدى بطبقة المثقفين "الغلابة" إلى النأي بكتبهم وصنيماتهم الثقافية المستوردة بعيداً عن الروح والأدوات الحضارية الشعبية.. واستمر التشكك والعداء المر بينهما.. حتى عندما وجه الشعر الشعبي صفعته المدوية على قفا هذا الاتجاه الثقافي الضعيف المنزوي لدينا.. وتسيّد الساحة وانتشر وصارت له تراكمية ووجود حقيقي.. لم يبد في الأفق صلح بينهما.. رغم أن عوامل الفرقة والاختلاف بينهما لم يقم بتوضيحها أحد.. غير ترهات الحفاظ على اللغة.. تلك الترهات الغبية التي قتلت اللغة وحاصرتها وأبعدتها عن مسايرة العصر وفرصة العودة إلى الحياة..
بالنسبة لعبدون فالنظرة إلى المثقفين تأخذ نظرة: اخس يالمثقف من جهة أخرى.. حيث نقد انتفاخ المثقفين بالأوهام وانزوائهم وخوفهم من مرونة لغتهم وقدرتها على استيعاب جميع التيارات.. نقد جمودهم وتوقفهم شبه الكامل عند تقديس تيارات معينة عفى عليها الزمن والمشي في حواشي لغة الآخرين.
برأيي أي اتجاه شعبي ناجح هو بعبع حضاري مخيف يذكّر كهنة الثقافة لدينا بانتصار الشعر الشعبي وسيطرة الفضائيات العامية.. في المقابل لابد للاتجاهات الشعبية في الأدب من الرعاية الثقافية وربطها بالتيارات العالمية حولنا ونقدها وتوجيهها بسعة الأفق اللازمة.. ولا أرى لحركتنا الأدبية الثقافية أي وهج أو تميز بدون الصلح مع الشعبيين.. ومما لا داعي للتأكيد عليه أن هذه الجدران المتهالكة الصدئة للثقافات النخبوية المغرورة المنعزلة الموجودة لدينا بدأت في الانهيار.. إنهيار سيكون كافياً شافياً.. وجميلاً.
التجارب المحلية
@ كيف تجد التجارب الروائية المحلية وأي الأسماء التي ترى فيها التميز في الكتابة الروائية؟
روائيونا - لكي نكون منصفين- مظلومون في بلدهم.. تعرف منع الروايات اللي بشكل واسع هذا حتى انه يكاد لا يوجد روائي نجا من المنع.. وأحس من أخطر تبعات ذلك أن الكاتب صار يتلقى ردود الأفعال على روايته أو قصصه من الصحفيين والنقاد أكثر مما هو من القراء.. أنا أقصد بالطبع الروائيين الجادين الذين يحاولون أن يقولوا شيئاً.. لكن هناك من ينسق ويشذب نصوصه بالطبع على مقاس الرقابة الضيق ويضمن الفسح.. وليس كل مايفسح ضحل بالطبع.. وليس كل مامنع يستحق الاهتمام.
ذات مرة كنت أتمشى في شارع المعارض بالبحرين ورأيت عبده خال.. كما تخيلته.. جاء في زفة من ضوضاء كورسيدا بيضاء قديمة مزحومة بالنحاف السمر المبتسمين.. وكانوا قد أكرموه بالمقعد الأمامي المجاور للسائق بينما تزاحم البقية أربعة أو خمسة في الخلف.. توقفت السيارة بموازاتي ونزل عبده خال قاصداً البقالة.. أبيض في أبيض وكان يمسك بغترته خوفاً أن تطير بينما كنت أخشى عليه هو أن يطيره الهواء لضآلته الشديدة.. وخطر في بالي قد يكون هنا ليتابع كتبه في مكتبات البحرين.. وخفت عليه أن يذهب للاطلاع عليها على الأرفف أن تقع عليه لكبر حجمها وصغره فتقتله كما قتلت الجاحظ من قبله.. واحدة من اثنتين يا عبده.. إما أن تتغذى أكثر وتتمرن وتسمن قليلاً.. أو أن تصغّر حجم كتبك.. للنجاة من مصيرك المحتوم.
في كل حال الحمدلله لدينا القصيبي الضخم في كل أموره.. لحفظ "توازننا" الثقافي.. ورغم أن صورة الروائي السفير والوزير ليست بمثل جاذبية صورة الروائي الغلبان التي يمثلها عبده خال.. إلا أن القصيبي هو الروائي والقاص المحلي الوحيد الذي قرأت له كثيراً.. والقصيبي هو كيان استثنائي بلا شك.. مزعج أحياناً بتكامله.. حتى في لقاءاته الإعلامية.. كم تمنيت أن يرتبك.. أو يخطئ.. ليبدو أكثر إنسانيةً وجمالاً. ثالث الثلاثة لابد أن يكون تركي الحمد.. الكاتب ذي الشخصية الجذابة.. الحنون.. المتهور في كل الأحوال.. تركي الحمد ملأ فراغ رواية قلب الجزيرة العربية.. ووضع الرواية كفن لدينا.. أمام الأعين.. وشجّع على أخذها بجدية.
أرسلت لتركي الحمد بمساعدة أصدقاء مشتركين مجموعة "رايحين جدة يبويا".. ثم وصلني أنه قرأ منها ماقرأ.. وأثنى عليه.. ووصفه بالأسلوب الجديد وتمنى لي الاستمرار والتوفيق.. معروف عن تركي الحمد لدى قرائه سماحته وتواصله معهم بكل ود ونفس طيبة.. وهذا محور آخر مهم مفقود غالباً لدينا.. وربما للطبيعة النفسية لمجتمعنا دور فيها.
لغة (الشات)
@ هل هناك نوايا بالتخلي عن الكتابة بالسرد العامي إلى الكتابة بالفصيح؟
بالنسبة للسرد العامي والسرد الفصيح، الفصيح تعني الواضح.. وفي رأيي أن الوضوح يتجلى في لغة التواصل اليومي أكثر منها في لغة النخب والصالونات.. لذلك أعتبر أن لغة تواصلنا اليومي هي أفصح لغة تصلنا بالآخرين.. ثم يأتي بعد ذلك التقنع والتلغوي للوصول إلى من لا يفهم لغتنا.
اللغة النحوية مع ذلك هي أمر واقع وحل وسط ترتضيه الأغلبية للتعبير الأدبي.. لذلك لابد منها للوصول إلى قراء أكثر.. مثلها مثل الإنجليزية مثلاً.. أو حتى لغة ال "تشات" ذات الأصل الإنجليزي المكسّر.. التي تجمع الصيني مع المكسيكي مع البرتغالي في مجموعة من الاختصارات والاصطلاحات المتعارف عليها.. أنا متأكد أن من سيكتب بلغة التشات العالمية (هذه روايةً جيدة) سيحقق انتشاراً أكبر بكثير من انتشاره بأي لغة أخرى عريقة.
استخدام اللغة هذا موضوع مخادع ويجب التفكير فيه بشيء من التفتح.. قصتي الطويلة المنشورة "جن ثالث" هي قصة مبنية على أسطورة جاوية قديمة.. وتجري على الأراضي الإندونيسية في غالبها.. وقد فكرت بجد في المبادرة للتعاون مع دار نشر اندونيسية لنشرها بلغة الباهاسا الإندونيسية.. سأكون بذلك قد توجهت بروايتي إلى مايزيد على ال220 مليون قارئ محتمل.. وهو ما يزيد على عدد القراء العرب المحتملين بكثير.
فكرة لن تتكرر
@ من ذاكرة طفولية ممتلئة بالحكايات..وتتميز بالتقاط التفاصيل الصغيرة خصوصا على مستوى الحارة.. هل تستثمر هذه الذاكرة الحية في تسجيل عمل روائي بديل للفلاشات التي تبدع في كتابتها؟
سؤالك عن الرواية.. فئة النص تحددها طبيعة الفكرة.. والأمزجة والظروف بالطبع.. رواية "جن ثالث" هي قصة طويلة في 120 صفحة كتبتها على الورق مرةً واحدة في ليلة من ليالي رمضان الطويلة.. ولم تتكرر لدي فكرة تستلزم مثل هذا الطول بعدها.. وقد لا تتكرر مثل تلك الفكرة أبداً..
الكتابة للتلفزيون
@ هناك حس كوميدي فيما تكتب.. إضافة إلى إتقان الشخصيات للحوار.. هل فكرت في تحويل هذه اللقطات إلى الكتابة التلفزيونية.. وبالتحديد لماذا لا تتعاون مع فريق طاش ما طاش؟
بالنسبة للكتابة التلفزيونية: طاش ما طاش هو عمل أقل مايقال عنه انه عمل "في نزول".. ومنته من زمان.. ومن الواضح أن السدحان والقصبي خائفان من إيقافه ثم العجز عن تجاوزه بعمل آخر.. يذكّرني استمرار طاش الأزلي هذا باستمرار عرض حلقات نور وهداية مثلاً- بعد وفاة الشيخ الطنطاوي- لعدة سنوات تخليداً لذكراه.. هذا طاش ما طاش أجمل عمل محلي مر علينا.. أسر أبطاله و المشتغلين عليه ربما أكثر حتى من أسر المشاهدين.. وصاروا يعيدون ويزيدون فيه.. ويبدو وكأنهم لن يتوقفوا إلا بقرار وزاري.
أنا أكيد ممكن أدخل مجال الكتابة للتلفزيون.. لكن بطريقتي وبعمل يكون على مسئوليتي الكاملة.. لكن حالياً أنا غير مهيأ لأي عمل منظم يشترك فيه آخرون.. ربما في المستقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.