تزايدت ظاهرة الكتابة باللهجة العامية ( المحكية) في الكتابات الأدبية وخاصة السردية وبالأخص في مواقع التواصل الاجتماعي بشكل قد يراه بعض المهتمين أصبح يشكل خطرا على هوية اللغة العربية ، حيث إن اللغة -كما يرون- ليست فقط أداة للتخاطب والتواصل بل هي هوية دينية وقومية ..»الجسر الثقافي» استطلع آراء الأدباء والنقاد حول هذا الموضوع فكانت تلك الرؤى والأفكار. استخدام الأسهل يقول د.فالح العجمي إنه ليست هناك دعوات للكتابات السردية باللغة العامية، وإن كانت هناك بعض المدونات التي يستسهل الناس فيها الكتابة على سليقتهم وتدوين ما يقع على ألسنتهم في تبادل تفاعلي عفوي، فهي من باب استخدام الأسهل، وليس من أجل تعمد استخدام أسلوب لهجي أو اختيار أساليب اللهجة المحكية. ويقول «قبل كل شيء لا بد من ذكر الجنس الكتابي الذي يقصد ، حتى يتمكن القراء من تحديد آرائهم بدقة في صلاحية المستوى المستخدم، وتفاوت الدرجات الممكنة للمستويات الوارد استخدامها في كل نوع. كما أن هناك فرقاً بين أن يستعمل الكاتب لغة سهلة بسيطة قريبة من اللغة اليومية، خالية من التقعر، وبين أن يستخدم أساليب لهجية موغلة في المحلية، أو مستشرفة لقواعد لغة لم تستخدم في تواصل يومي، أو غير ذات مساس بالحياة المعاصرة. أما تحديد الأبعاد الثقافية والاجتماعية للكتابات السردية المستخدمة فيها لغة عامية، فهو متوقف على طبيعة كل كتابة، وعلى الكم المدرج من أساليب العامية في سياقات واقعية، أو أن تكون مقحمة من أجل الاستعراض أو التحدي أو الجاذبية. بعد اجتماعي ويقول الروائي محمد المزيني: «الكتابة بالعامية ليس اختيارا واعيا بل قدرة الكاتب لا تمكنه من الكتابة بغير هذه اللغة ولو تطورت أدواته اللغوية والسردية لكتب بلغة أفضل لذلك دائما نلاحظ أن هذه الكتابة على المواقع الإلكترونية بأقلام صغيرة وتتجه للشخصيات والحوارات مباشرة وعادة ما تكون مشحونة بالعواطف التلقائية التي يتفاعل معها المراهقون وبالأخص الإناث منهم لطبيعة التجربة الحياتية المعاشة . فهي بمثابة الفضفضة التي تلاقي استحساناً وتفاعلاً كبيراً منهن كما أنها وسيلة للتواصل بينهن . ويرى المزيني أن الكتابة بالعامية تضعف ما دامت حبيسة المواقع الإلكترونية , فهي مثل المشروب لا يمكن للسرد بالعامية أن ينتج إبداعا ولا يمكن مقارنته بالشعر الشعبي لأن الأخير قائم على تقنية العبارة الوصفية المختزلة بينما السرد يحتاج لاستخدام التوصيف المتمدد بلغة قادرة على التوصيل واللغة العامية السردية تشتمل على مفردات إما محرفة من اللغة العربية الفصحى أو مقتبسة من لغات أخرى لذلك تختلف البيئات والثقافات حولها , أما اللغة العربية الفصحى فهي للجميع دون استثناءات الغازية سريعا ما تتبخر . ويضيف « ليس ثمة بعد ثقافي بقدر ما هو بعد اجتماعي محض , فالحاجة الى التعبير عن المعانات بالثرثرة تجد لها طريقا ملائما عبر المواقع والمنتديات «, وبما أن المجتمع ليس لديه أدوات توجيهية كافية لملمة الانتثار العاطفي وتوجيهه بما يليق به يلجأ المراهق إلى هذه المواقع ناقلا معاناته الخاصة باستخدام الحكي فهي ليست بالمعنى روايات بقدر ما هي حكايات وجلسة انس بين أطراف مجهولة ومتفاعلة في وقت واحد . محدود جدا أما الأديبة هناء حجازي فتقول»لا أعتقد أن الأمر وصل لحد الظاهرة أو حد أن نتحدث بالعموم عن عدد كبير يمارس الكتابة بالعامية، أعتقد أن عدد الذين يكتبون السرد بالعامية محدود جدا، لذلك قد يكون السبب لديهم خاص جدا، أو ربما رغبة في التميز، وهو في هذه الحدود يصبح أمرا مقبولا لأنه غير شائع. لو أن الكلام الذي نتكلمه فيما بيننا يوميا ونمارس به حياتنا أثر على الفصحى أو أضعفها يمكن للكتابة العامية أن تضعف الفصحى، ليس أمرا مستبعدا فقط، بل هو مستحيل، لو كانت الفصحى ستتأثر لتأثرت بالشعر العامي الشائع فعلا والذي يحظى بقراء ومتابعين، لا يمكن أن يضعف الفصحى سوى إصرارنا على تجميدها ورفضنا لأن نطورها بتطور العصر. الفكره والمنهج ويقول الروائي عبد الحفيظ الشمري: «من الممكن أن نجعل الفكرة هي المنهج، والمضمون، وقد نستحضر اللغة بكامل قواعدها، وجيوشها البلاغية، ومحسناتها اللفظية إلى أي عمل أو نص أدبي، ومن الوارد جداً أن نستحضر الحكاية ونجعلها هي المتكأ، فمن باب أولى أن لا يطغى أمر على آخر، فالتوازن مطلوب، وتساوق الفنون والتجارب في منجز النص الأدبي ضرورة لا بد منها.. فلا تجدي المناحة والخوف على اللغة، أو محاولات الإغراق في استحضارها، من أجل أن نجعلها لبوساً لأي فكرة نريد أن ندشنها في منجزنا الإبداعي على وجه التحديد. فاللغة السليمة والمناسبة لأي مقال هي ضرورة، والتفكير بالعامية أو المحكي أمر وارد لكن الخشية من أن تتحول هذه اللغة المحكية إلى نموذج ثابت قد يفقد اللغة العربية فنها ورونقها. فحينما تستحضر اللغة العربية في أي نص ستجد أن هناك فرصة مناسبة لتجميل النص وبث روح الجمال فيه شريطة أن تكون الفكرة واضحة، وعناصر العمل مكتملة فاللغة وحدها قد لا تكون محققة لشرطية النجاح والتميز للعمل. لغة وسطى فيما يؤكد الروائي صلاح القرشي أنه لا يقف من استعمال العامية في الحوار موقفاً متعصباً و لكنه لا يرى استخدامها في النّص، ويضيف: إذا أوغلنا في استخدام العامية فسنهبط ببنية النّص، وسيؤدي استخدام العامية في السرد إلى ابتذال السرد وإخراجه من كونه نصاً أدبياً إلى أن يصبح أدباً شعبياً. بخلاف توظيفه في الحوار حيث يخدم بيئة النّص. وحول دور وسائل التواصل الحديثة كالفيس بوك في شيوع استخدام العامية يقول الأنصاري: لقد بدأنا نفقد الكثير من التحليق اللغوي نتيجة لاستخدام الوسائل الحديثة، وأخذنا نصل إلى لغة وسطى بين اللغة الفصحى واللهجة العامية المحكية. إضافة أو ضعف ويقول الروائي محمد النجيمي: عند النظر لهذه المسألة فيجب أن نأخذ أمرين في الاعتبار. أولهما له علاقة بالتوظيف الجيد والمبرر للهجة العامية في حوار في عمل سردي أو في ثنايا قصيدة حديثة. نجد هذا في عدد من أعمال نجيب محفوظ حيث يزيد الحوار باللهجة العامية من توثيق الصلة وجدانياً بين القارئ وبين النص الذي أمامه ويزيده واقعية وهو مما يضيف لقيمة العمل الفنية عند المتلقي. كما نجد اللهجة العامية أو أبيات شعر باللهجة العامية أو أمثالا شعبية تتسلل لقصائد فصيحة لشعراء مجيدين على امتداد العالم العربي، حيث يتم تظفيرها داخل النص بطريقة توسع أفق التلقي وتحلق بالنص وبقارئه في أجواء من التشويق والدهشة والحلم. ويضيف: ثاني هذه الأمور هو استخدام العامية إما في كتابة قطعة أدبية كاملة حيث نجد أنفسنا أمام نصوص جميلة ومحلقة وفي ذات الوقت قد نجد أنفسنا أمام نص ضعيف وهذا عائد في كلتا الحالتين لأدوات وقدرات الكاتب؛ وإما من جانب آخر يتم استخدام العامية دون غرض واضح ضمن نص فصيح ودون أن تكون له وظيفة دلالية أو جمالية وهذا يعود في الغالب حسب متابعتي لبعض التجارب وبعض الإصدارات لضعف في قدرات الكاتب اللغوية وقصور في معارفه وفهمه للغة ولفنيات التعاطي مع جنس أدبي معين.