يعتبر العام الدراسي الجديد من اجمل واهم الايام بالنسبة للاطفال الذين يمضونها في الاستعداد والتحضير لهذه المناسبة، يجتمعون من جديد مع زملائهم في المدرسة بالفرح والسعادة، الا اطفال الاسيرة الفلسطينية قاهرة السعدي، فان حياتهم تختلف عن باقي اطفال العالم، والسنة الدراسية الجديدة بالنسبة لهم ليست كباقي اطفال فلسطين، كما تقول الطفلة (ساندي): (لحظات من الحزن والالم، تتفتح فيها الجراح في غياب والدتنا القسري والمستمر للسنة الخامسة على التوالي، فكل اطفال العالم يرافقون امهاتهم للمتاجر لشراء الملابس ومستلزمات العام الدراسي الجديد، اما والدتنا فانها مكبلة بالقيود، اسيرة خلف قضبان القهر، لا نعرف كيف اصبح شكلها، ولا نعلم عنها سوى القليل، فمن اين ستأتي الفرحة والبهجة). وبينما كان اقرانها في المدرسة يتحدثون بفرح وبهجة عن ملابس العام الجديد، جلست الصغيرة (ساندي) التي لم تتجاوز الثالثة عشرة في ركن بعيد من الصف تحمل صورة والدتها وتبكي بحسرة ومرارة انعكست على جميع اقرانها الذين التفوا حولها رغم صغر سنهم، يؤازرونها ويستمعون لها وهي تقول: (منذ اعتقال والدتي لا نشعر بأي سعادة وفرح، انني واشقائي الثلاثة محمد 9 سنوات، ورأفت 8 سنوات، وزينة 6 سنوات، في حالة حزن وبكاء دائم، وكلما جاءت مناسبة او عيد نتحسر كثيرا على هذا المصير المؤلم الذي سببه الاحتلال، فأي قانون او شريعة تجيز هذا الظلم، وبأي حق نشرد ونحرم طفولتنا وحنان الامومة، كانت امي ترعانا وتدرسنا وتوفر لنا كافة مستلزماتنا، وعندما يأتي العيد تشتري لنا اجمل الملابس وتجهز لنا الكعك والحلويات، ولكن ها هو العيد يمضي تلو العيد، ووالدتنا ما زالت مقيدة، فالى متى؟). وساندي التي تتحدث بلسان يفوق عمرها لن تنسى تفاصيل اعتقال والدتها قاهرة السعدي، وتشردها واشقائها، التي تعتبر امتدادا لمأساة الطفولة التي عاشتها الوالدة التي ولدت يتيمة وقضت بعض سنوات حياتها في ملجأ حتى تزوجت بقريبها ناصر السعدي من مخيم جنين، واذا كانت الظروف فرضت عليها حياة التشرد والمعاناة، فان ممارسات الاحتلال فرضت على اطفالها نفس الظروف، وتقول ساندي: (في 5/8/2001م اعتقلت قوات الاحتلال والدي، وبعد ذلك بيوم اعتقلوا والدتي، حيث داهموا المنزل الذي كنا نعيش فيه في رام الله وفتشوه وهاجموها وقيدوها واقتادوها الى السجن، اما نحن فلم نجد من يرعانا وفرضوا علينا الاقامة في نفس الملجأ الذي عاشت فيه والدتي لفترة ستة شهور كانت اقسى لحظات العمر، وفيما امضى والدي عشرين شهرا رهن الاعتقال فان والدتي تعرضت للتعذيب والعزل والتحقيق فترة طويلة حتى نقلوها الى سجن الرملة، حيث ما زالت تنتظر حكما قاسيا). وتقول محامية قاهرة ان النيابة العسكرية تطالب المحكمة بمحاكمتها 4 مؤبدات و58 عاما بتهمة الانتماء لكتائب شهداء الاقصى والقيام بفعاليات لصالحها وبسبب اصرار النيابة على موقفها فان المحامية تبذل جهدا مضاعفا للتأجيل ومحاولة تخفيف الحكم الذي يعني تدمير حياتها وحياة اطفالها الى الابد. ظلال هذه الصورة الرهيبة تفرض نفسها على حياة اسرة قاهرة السعدي التي فقدت بعد الوالدة منزلها الذي هدمته قوات الاحتلال خلال مجزرة مخيم جنين في ابريل من العام 2004، ولكن البيت كما تقول ساندي ليس مهما، فمن الممن ان نعيش في خيمة، ولكن بوجود امي التي تمثل الحياة والمستقبل والامل، ولكن كلما اقتربت المحكمة، نشعر بالخوف، حتى اننا اصبحنا نعيش في دوامة رعب وانتظار وقلق على مصير امي التي يفنى شبابها وزهرة مستقبلها خلف القضبان بذريعة الامن الاسرائيلي الذي يسلبنا الحياة ويحولها الى جحيم، فعندما ننهض صباحا، نتمزق حزنا لان كل الاطفال تجهزهم امهاتهم للمدارس وتعد لهم امهاتهم فطورهم وغداءهم الا نحن فلا ام لنا تمنحنا الدفء والقوة والحنان وبهجة الطفولة. لا يكاد يمضي يوم دون ان تنهض ساندي من نومها تصرخ من هول كوابيس الخوف التي تؤرق المعتقلات في سجن الرملة، ورغم احتفاظها بكل صور والدتها ومحاولتها رسم صور جديدة من مخيلتها فان ساندي تبدي تأثرها الشديد بذلك، وتقول: (لا يكتفي الاحتلال بحرماننا من والدتنا، بل ما زلنا محرومين من زيارتها منذ ثلاثة اعوام، حتى ان اشقائي الصغار نسوا معالم وجهها، فأي ظلم اكبر من هذا وأي عقوبة اكبر من ذلك).