ثمة في الحياة أمور، لا يمكن أن تتغير، أولها: التغير، هذا الذي ما يفتأ يباركنا كل نهار بأمر جديد، ما أن يهل عمر، حتى تتبعه وفاة. ما إن يصرخ طفل، حتى يرحل عجوز. ما إن تشمخ نخلة، حتى تهب عاصفة. هذه سنة الحياة السائرة نحو فناء لا محيص عنه ولا محيد. ولأن البشر يدركون هذا، يعيشونه ويحسون به، تبصرهم في دروب الحياة يضغطون بوقع خطاهم على تربتها، عل خطواتهم تبقى أكثر، لكون الإنسان يعرف أن النسيان مصيره، وأن الكلمة الأقرب اشتقاقاً إلى اسمه في بعض الأقوال: النسيان. وتتنوع تركات الراحلين، ما يخلونه وراءهم، تنوعا ما بين البصمات والوصمات، ما بين ذكر شريف ومحامد على ألسنة الناس، وما بين لعائن تتلوها الأجيال تلو الأجيال، لغسل معرة هذا العار. يرحل رمضان، وليس هذا بفجأة، ولا غريب، ولا جديد. حين ندرك أن يوما مر هنا كان: «1 رمضان» ، أدركنا على البداهة أن رمضان رحل، أنه نقص، أنه يكمل حقائبه، يشد أحزمته ليمضي بعيدا في رحلة تمتد لأحد عشر شهرا أخرى. إن السؤال الذي ينبغي أن يكون على محك الرائي لمثل هذا: أي بصمة ترك لي رمضان، وأي بصمة تركت له، أي أمر فعله بي، وأي أمر عملته له. هل يصبح شوال مجرد ورقة تقويم خالية من توقيت السحور والتراويح ليس إلا، وهل القضية مجرد تاريخ يتلوه تاريخ، وتمضي الحياة، يسكت الشيوخ، ينام الممثلون، تبتلع غصصها الشاشات التي لم تطفأ إثر 30 يوماً من الطوفان، ينفض اكتظاظ مسجد الحي الذي لا يدري من أين خرج كل هؤلاء، ولا أين رحلوا، ربما يعود اللص لسرقته، المرتشي لرشوته، الموظف لتسيبه، الابن لعقوقه، الزوج لتفريطه، الزوجة لتبذيرها، ويمضي كل شيء كأنما الأمر سوى شرك برمضان، الشهر الذي يفرض طقسا معينا على الكل، مجللا بالعبادات والأمانة والطهر. حتى إذا ولى راحلاً، كانت هي في انتظاره في بهو مطار الزمان. *** والعيد.. يهبنا الفرح، في عالم تجلله الأحزان كما يقسم «تشومسكي». حيث يقول: «لا أمل على الإطلاق في مستقبل أفضل للبشرية»، كما يقول «المهدي المنجرة»، أستاذ علم المستقبليات الذي بز «هنتجتون»، لكن إغراء التغيير كان أكبر لبني قومي فعرف الغريب البعيد، ونسي القريب الفريد. العيد.. ضحكة الطفولة، جدة الملابس، طعم الحلوى، دمعة الجدة تتذكر الراحلين، تكبير إمام الحي، زرقة السماء، حتى في المساء، إذ في العيد لا ليل يذكر. العيد، يوم فرح مفروض على الكل، حتى أولئك الذين يضربون عن أفراحهم ومآكلهم، هذا اليوم يحرم عليهم أن يصوموه بأمر السماء، إن القضية تبدو مع عطاءات زكاة الفطر كما لو كانت مشاريع كبرى لتسوية العطاء، لنقية المجتمع من الحرمان، نفس الكمية، نفس الصنف على الأغلب، وجوب على الكل، الصغير والكبير، إنه يوم عطاء نادر فريد، قد لا يتكرر هذا الموسم لدى أمة أخرى. وللأسف فإن هذا العطاء في هذا اليوم، لا يوازي شيئا من فقر يطوق معاصم بعض المجتمعات المسلمة، في بلد مثل كينيا، والبلدان المجاورة لها، تقول التقارير إنه لا يتوفر لهم حتى وجبة واحدة في اليوم، وأن هنالك طفلا يموت كل ست ثوان من الجوع. إذن ماذا يمكن أن يكون مشروع العطاء الجبري الفرضي هذا، سوى تهيئة لعطاءات أكبر، تشريعاً مستمرا لمنح وفرح، لبهجة ومهجة، لسرور وحبور لا بد أن يعم كل شيء وكل مكان. إننا نحاول برغم ما يجري من تناقضات المرارة في لبنان، وما يجري من تناوشات الفتنة في فلسطين بين الإخوة الأعداء، وما يجري في العراق من تخوين الجار، وهدم الدار، ما يجري في دول الطاجيك والبشتون من قتل يومي، حد استمراء الدم، وإلف الموت. إننا برغم كل ذلك، لا بد أن نخترع فرحا مناسباً، يوازي شيئا من ذي الأحزان المتراكمة، لا بد أن نبسم للدامعين، ونضحك للمحزونين، ونقول للعالم: تبسم فليس المرء يولد باسما - يقول الأطباء: إن الإنسان يولد باكياً -. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 252 مسافة ثم الرسالة