تلعب الدراما دوراً بالغاً في الحياة الفكرية والثقافية للشعوب فهي تجسد الواقع وترصد ملامح التغيرات والتحولات الإنسانية وصراع الإنسان مع الذات والآخر أيا كان هذا الآخر والدراما السعودية التي بدأت على استحياء في الستينيات استطاعت مع تنامي البث الإذاعي والمرئي أن تحقق لها موقعاً على خارطة اهتمامات المتلقي، كما حققت أخيراً بعض النجاحات على الساحة العربية، هذه الدراما أضحت في عصر الصورة المرئية من الأهمية بمكان لا يمكن تجاهله في الواقع الثقافي ولذا خصصنا هذه الحلقة لها ضمن مشروعنا الذي يتناول واقع الحركة الثقافية.. الراهن والمستقبل.. لقد حاولنا أن يتضمن هذا المحور آراء مجموعة كبيرة من العاملين في هذا الحقل من مؤلفين ولكن ظروف السفر والإجازات حالت دون هذا التحقق مع تقديرنا البالغ للمشاركين معنا في هذا المحور: خيارات محدودة المخرج عامر الحمود.. حقق خلال السنوات الأخيرة العديد من النجاحات، واكتسبت أعماله صفات الأعمال التي تسعى لعبور الجسر المحلي بهدف الوصول إلى المشاهد الخليجي والعربي، ومع أنه عندما ينظر لواقع الدراما السعودية من الداخل، ويلامس كمخرج ما تواجهها من عقبات، يرى أنها رغم كل شيء بخير ويقول الحمود: الدراما السعودية بخير رغم العقبات التي تواجهها، والتي أعتقد أنها سوف تستمر معها لزمن طويل، أنا أتحدث بحكم عملي كمخرج، عن الممثل المحلي وإمكانياته، فهذا ما يهمني في المقام الأول، فالظروف الاجتماعية جعلت الكثير من الذين تتوفر لديهم قدرات تمثيلية جيدة يعزفون عن الاستمرار في هذا المجال، ومع مرور الوقت أصبحنا نواجه مشكلة فيما يتعلق بقدرات الممثل المحلي، صحيح أن الأمور تغيرت بنسبة ما، وأصبح لدينا الآن عدد جيد من الممثلين الجيدين، لكنهم قلة في مقابل الرغبة في زيادة الإنتاج، وأعتقد أننا لو توسعنا أكثر في الإنتاج ستبرز هذه المشكلة بشكل واضح، وستجد الممثل الواحد مرتبط بعدة أعمال، وبهذا لن تكون أمام المخرج خيارات جيدة، والسؤال المهم الذي يواجهنا دائماً هو عن إمكانيات الممثلين السعوديين، وهل هي تؤهلنا للتقدم والخروج من هذه القوقعة أم لا؟ ويضيف الحمود قائلاً: قد نستطيع أن نوظف الإمكانيات المالية التي نملكها، لكن في المقابل لا نملك العنصر البشري الجيد، أنا أحياناً أبحث عن شخصية بمواصفات معنية لدور معين ولا أجدها، ولا تكون أمامي خيارات تجعلني أصل إلى النتيجة التي أطمح إليها كمخرج، ورغم ذلك أجد من ينتقدني عندما ألجأ لممثل غير محلي في عمل محلي، فهل هذا يعقل، أعتقد أننا في حاجة إلى أن ننمي إمكانيات الممثلين السعوديين، وأن نفتح أبواباً جديدة للدخول إلى هذا المجال بدون خوف، وأن نشعرهم بأن العمل الفني يمكن أن يضمن لهم حياة مستقرة، ونساعدهم على ذلك، نحتاج إلى أن نزرع الثقة في الفنانين الشباب، وأن يكون العمل الفني حرفة لأنه حتى الآن لم يزل مجرد هواية هي الاستثناء في حياة الفنانين السعوديين، وبذلك ستزيد مساحة الإنتاج الدرامي لدينا، وتزيد مساحة حضورنا على خريطة الدراما العربية بشكل عام. مقارنة غير منطقية أما الفنان ناصر القصبي , فيرى أن وضع الدراما السعودية في مقارنة مع دول أخرى لها تاريخها الطويل في هذا المجال, ليس منطقيا , ومع ذلك هو متفائل بقدرة الدراما السعودية على تجاوز الأفق المحلي, ويقول القصبي: نحن دائما نضع الدراما السعودية أمام مقارنة بدول أخرى لها تاريخ طويل في الدراما , وهذه مقارنة ليست منطقية فنحن في المملكة كما هو معروف للجميع يحكمنا الكثير من العادات والتقاليد, ونظرة المجتمع للممثل لدينا تختلف عن أي دولة أخرى, لكن رغم ذلك استطعنا أن نكسر هذا الحاجز إلى درجة كبيرة , واستطعنا أن نرسخ لدى نسبة كبيرة من المجتمع فكرة أن يكون لدينا ممثل, وكيف أن هذا الأمر يخدم قضايانا الاجتماعية ويناقشها, وهذه من وجهة نظري كانت الخطوة الأولى على طريق التأسيس لمنظومة الدراما المحلية وقد تجاوزناها بالقدر الذي جعلنا نقدم أعمالا ناجحة تجد المشاهد الذي يتابعها, يحرص على الجلوس أمام الشاشة لرؤيتها , ومشاهدتها بشكل جدي لأنها تلامس الواقع الذي يعيشه بشكل جدي واعتقد أن هذا ما حققناه من خلال دراما (طاش ما طاش) التي يعد استمرارها دليلا على تطور وعي المجتمع تجاه الأعمال المحلية التي تمثله بالدرجة الأولى, وتعد اقرب إليه من غيرها من الأعمال التي يشاهدها دون أن يجد فيها نفسه , أو يجد في أحداثها معالجة للقضايا التي تهمه وتهم مجتمعه. لذلك أرى أن الدراما السعودية تخطو بشكل جيد إلى الأمام وتحاول تجاوز العقبات التي تواجهها بالهدوء المناسب لطبيعة المجتمع وهذا دليل (عافية) الدراما المحلية ودليل على انها تسير في الطريق الصحيح, فقط ما تحتاجه منا هو الصبر عليها, حتى تستوي على نار هادئة. وحول رؤيته لمستقبل العمل الدرامي المحلي, وما يحتاجه ليكون أكثر فاعلية, يقول القصبي: الدراما لدينا واجهت الكثير من الصعوبات ومع مرور الوقت تغلبت على الكثير منها, ووصلت إلى وضعها الحالي, لكن بقيت مشكلات أخرى, تحتاج لوقت أطول حتى تجتازها وكما قلت لك: نحن في حاجة لمزيد من الصبر ولابد أن ننظر للموضوع بعيدا عن المقارنات مع دول أخرى لأن مجتمعنا له خصوصيته وطبيعته ونظرته للفن والتمثيل, لكن المهم في هذا كله, اننا نشعر بعد هذه المرحلة التي قطعناها , بان الدراما لدينا تتقدم في الاتجاه الصحي, وان مكاسبها اليوم افضل من الأمس وغدا ستكون افضل من اليوم. إجازات تفرغ من جانبه يرى الفنان يوسف الجراح ان الدراما السعودية رغم ما حققته من مكاسب خلال السنوات الماضية ما زالت تدور في فلك محدد حيث يقول الجراح: مع اننا الآن أصبحنا نشاهد أعمالا لممثلين ومخرجين ومنتجين سعوديين على الكثير من الفضائيات العربية, إلا إننا مازلنا ندور في محور محدود جدا , فالممثل داخل المجتمع السعودي ما زالت النظرة إليه دونية وهذا غير مبرر في هذا الوقت بالذات مع التقدم العلمي والتكنولوجي وانتشار وسائل الإعلام المختلفة , وهذه النظرة الدونية من المجتمع السعودي لطبيعة الممثل, أدت إلى مشكلة كبيرة تعاني منها الدراما السعودية الآن, وهي غياب العنصر البشري , لدرجة أنه يمكن أن اعد لك كل الممثلين السعوديين على الأصابع ناهيك عن العناصر التي تساهم في صنع العمل الدرامي من مخرجين وفنيين وما إلى ذلك من العاملين في هذا المجال, فنحن لدينا نقص في الكثير من الجوانب التي يتأسس عليها بناء أعمال درامية جيدة, لذلك تتم الاستعانة بعناصر من الخارج لتغطية هذا النقص الموجود وهذا يبرز بشكل واضح في العناصر الفنية. وحول ما يطمح إليه لتفعيل دور الدراما السعودية, ما يراه عائقا أمام خطواتها , يقول الجراح:بالنسبة لي وللكثيرين غيري من الممثلين السعوديين, يبقى التمثيل عملا اضافيا مع انه كل شيء في حياتنا, ومن غير المعقول ان يكون الشيء الذي تحبه وتجيده هو العمل الثانوي في حياتك, لكن أمام هذا الواقع اصبح الفن بالنسبة لنا شيئا إضافيا, ولكل منا وظيفة أخرى يعيش منها, لأنه ليس من المعقول أن يضحي واحد منا بعمله ومصدر رزق أولاده من أجل المشاركة في عمل هنا أو هناك خاصة إذا كانت المشاركة تتطلب سفراً، والحصول على إجازة من مكان عمله، وخصوصا إذا كان المردود من هذا العمل لا يحقق للفنان الحياة الكريمة التي يريدها إذا ما فكر في التفرغ للتمثيل، وأعتقد أنه لو أجريت دراسة توفر للفنانين السعوديين الذين يعملون في وظائف خارج الإطار الفني فرصة الحصول على إجازات تفرغ للمشاركة في أعمال خارجية أو محلية بدون تعرضهم لمساءلة من قبل جهات عملهم سيكون الأمر مختلفا، وسوف يتمكن الفنان السعودي من التواجد عربياً، والانتشار بشكل أوسع، مما يحقق للدراما السعودية المزيد من الحضور ويمكنها من المنافسة على نطاق أوسع. غياب المخرجين والمؤلفين وإذا كان الحديث عن قلة أعداد الممثلين، وعدم وجود خيارات حقيقية أمام المخرجين، في الدراما السعودية هو الأبرز إلا أن المخرج عبد الخالق الغانم .. يطرح الموضوع من زاوية أخرى، ويشير أيضا إلى ندرة المخرجين والمؤلفين ويقول الغانم، مشكلة الدراما السعودية في اعتقادي هي عدم وجود المخرج والمؤلف الذي يفهم النواحي الاجتماعية، والمشاكل الحياتية، وطبيعتها داخل المجتمع السعودي، وهذا ما نجحت فيه دراما (طاش ما طاش) التي سبق وأن تعرضت للكثير من المضايقات ، وتم وقف العديد من حلقاتها مع أنها كانت مجازة رقابياً. وعن تصوراته لكيفية تفعيل الدراما السعودية، وتوسيع دائرة حضورها، يقول الغانم: رغم أن هناك الكثير من الأمور التي تشكل عائقا أمام العمل الدرامي، لدينا إلا أننا استطعنا محليا أن نحقق حضوراً جيداً ونتغلب على تلك المشاكل التي يمكن أن تواجهنا، لكننا مازلنا نعمل في مساحة صغيرة تفرضها خصوصية المجتمع، ومع أن هذه المساحة صغيرة إلا أننا ننتزعها من بين كل تلك العقبات التي تواجه طبيعة عملنا، ولذلك، وفي ظل هذه الظروف، أرى أن ما حققته الدراما السعودية حتى الآن، يعد إنجازاً يقدر لها وللعاملين فيها، لأنه يعكس إصرار الفنان السعودي على الانتصار على كل الظروف المحيطة به. الربح المادي وعن رؤيته الشخصية لواقع الدراما المحلية يقول الفنان ابراهيم الحساوي: الدراما المحلية وان كانت نشطة في الآونة الأخيرة، إلا انه للأسف الشديد يلاحظ أن الكثير مما يعرض من أعمال محلية لا يعكس واقعنا الاجتماعي، هذا إذا ما استثنينا بعض الأعمال المشتغل عليها بجد واخلاص من قبل بعض مؤسسات الإنتاج الفني والتي لا يرضيها أن يخرج العمل للمشاهد بمستوى ضعيف يأتي في مقدمة هذه الأعمال المسلسل الأشهر (طاش ما طاش) الذي لامس في الكثير من أجزائه العديد من المشاكل الاجتماعية والهموم الإنسانية المشتركة، أرض هناك بعض من مؤسسات الإنتاج الفني التي تحرص دائما على الرقي والنهوض بالدراما المحلية لتنافس بقية الأعمال الخليجية والعربية، وهذه المؤسسات تعد على رؤوس الأصابع، في المقابل هناك مؤسسات فنية لا يهمها إلا الربح المادي، وذلك من خلال الأعمال رديئة المستوى سواء على مستوى النص أو التمثيل أو الإنتاج أو الإخراج، ومن المؤسف أن مثل هذه الأعمال تجد فرصتها في العرض. وعن الأحلام والتطلعات يستطرد: أحلامي وتطلعاتي لا تختلف عن أحلام وتطلعات بقية زملائي الفنانين، من إنشاء معهد يعمل على حماية حقوقنا ورعايتنا ويهتم بصقل المواهب الشابة، والنظر في تفريغ الفنان سواء كان كاتبا أو ممثلا أو مخرجا حتى يتمكن من أداء مهمته على الوجه الأكمل، وإيجاد قناة خاصة للدراما تهتم بعرض الجيد من الأعمال المحلية والعمل على توزيع أعمالنا المحلية في جميع القنوات الفضائية الخليجية والعربية. أما على مستوى الإنتاج فإنني أتطلع إلى أن يكون إنتاجنا الدرامي أكثر مصداقية على جميع المستويات وأن يقترب من الهم الإنساني وينقل الصورة الحقيقية. تطور بطيء الفنان أحمد الحسن أدى عدة أدوار في مسلسلات خليجية ومحلية أهمها كما يقول (خالتي وعمتي) مع خالد النفيسي وعبد الإمام عبد الله ومسلسل (أنا حر) من إخراج يوسف حمودة ويطمح إلى أي يؤدي أدواراً محلية وهو على استعداد أن يقدم أية أدوار تناط له، يقول إن واقع الدراما في المملكة متطور، وقد مر بمراحل مهمة، ويشير في هذا الجانب إلى أن هناك عدة شركات إنتاج ساهمت في هذا التطوير هذه الشركات أثرت حركة الدراما وأوصلتها للخليجية ومن ثم العربية. وعلى الرغم من التطور البطيء في السنوات الماضية إلا أن الحسن يرى أن الدراما في السنوات الأخيرة بدأت تظهر بشكل بارز وقوي وتنتشر وتفرض نفسها في مقابل الدراما المطروحة على الساحة العربية، وذكر في هذا المجال أسماء مثل عامر الحمود ومحمد حمزة ود. ليلى الهلالي وهي أسماء عمل معها الحسن في عدة أعمال، وهو عندما يذكر هذه الأسماء لا يتجاهل الأسماء الأخرى بل أنه عرفها عن قرب. وفيما إذا كان يعتقد أن الدراما قطعت شوطاً كبيراً أو مازالت في البداية قال أن الشوط الذي قطعته كبيراً إلا أنها وبحسب أغلبية العاملين في هذا المجال وليس الحسن فقط تحتاج إلى نصوص أكثر .. ويضيف قائلا إن أهم ما نحتاجه عمق الطرح للواقع الاجتماعي في المملكة. ويعود الحسن للحديث عن الدراما ولكن من جانب آخر وهو حركة الدراما في المنطقة الشرقية إذ يقول أنها لا تساير الحركة المتعاظمة في المناطق الأخرى كالرياضوجدة .. ويعلل الحسن هذا التأخر بجشع بعض المنتجين الذين لا يهمهم سوى توفير المال فلا فنيين على مستوى عال ولا فنانين حرفيين الأمر الذي أدى إلى انخفاض مستوى الأداء فيما يقدم من أعمال. ويؤكد الحسن أن وزارة الثقافة الإعلام تدعم هذه المؤسسات إلا أنها توفر هذا الدعم لصالحها. وفضلا عن ذلك يرى الحسن أن هذه الشركات تمارس الشللية في شكلها المقيت مشيراً إلى أن هذه الممارسة تخدم بشكل كبير أهدافها المادية لأنها تجلب ممثلين مقربين لهم وبعضهم يتقاضى أجوراً زهيدة، خاصة وأن بعضهم بعيدون عن التمثيل في الأساس. وعن تطلعاته يقول الحسن: أتمنى أن ألقى فرصتي مع المنتجين السعوديين .. فما دام أن شركات الإنتاج تتوفر لديها كل المقومات وتلقى الدعم من وزارة الإعلام فإنه آن الأوان لكي تقوم هذه الشركات بدورها في دعم الممثل الجاد وتتناسى الربح المادي من أجل تطوير حركة الدراما والسير بها نحو آفاق أرحب. ناصر القصبي عبدالخالق الغانم