كشهرين طويلين من العشق كانت فترة إجازتي في بيروت. بيروت التي غنتها فيروز والصبوحة ووديع الصافي ورفع زكي ناصيف صوته بها عاليا "راجع، راجع يتعمر راجع لبنان"، وغنتها ماجدة الرومي في "ست الدنيا يا بيروت". بيروت التي صدح بها عاليا أحمد قعبور "بيروت يا بيروت يا قصة صندوق فرجة كبير". بيروت كبحر هذه الأيام. مهرجانات وأمسيات وحفلات وتسوق مجلات وجرائد على الأرصفة. صور معلقة على الجدران لزعماء الأحزاب ومرشحي البلديات. تجد صورة رفيق الحريري وغير بعيد عنها صورة نانسي عجرم!. صور كثيرة على الجدران تقرأ من خلالها بيروت، تعطيك إشارات لحقيقة هذه المدينة التي أحبها أدونيس ذات يوم وأسماها مدينة البدايات، ليعود في مسرح المدينية ويهجوها هجاء المحب عندما يقسو على حبيبته غيرة عليها ورفقا بها. بيروت اليوم تضج بالعوالم والحيوات. عوالم هنا تختلف عن العوالم. لكل عالم ذويه وتفاصيله وجمالياته، كما لكل عالم قبحه. تذهب لحي السلم أو الأوزاعي فتقرأ الفقر والبؤس وتلمسه بيدك كما لم يكن في مكان آخر. وتذهب لشارع فاردان ووسط البلد، فتلمس الثراء الفاحش وكأن المدينة لم تطأها أقدام المحتل الإسرائيلي. المثقف المسلم تراه مع رفيقه المسيحي في مقهى الومبي بشارع الحمرا يحتسيان القهوة بانتظار مجئ بول شاؤول أو علي حرب ولا ضير، فالجميع لبنانيون. بيروت تجدها كقوس قزح، رغم جرحها تزهو بألوانها كعروس يتأملها السياح العابرون لبضعة أيام ليعودوا بعدها لوطنهم. أشياء كثيرة نحملها كسعوديين من بيروت. نحمل علب بقلاوة الحلاب والبحصلي. وقهوة الرفاعي. والملابس الجميلة من فاردان وabc نحمل ذكريات السهر. لكن أجمل شيء لم نحمله معنا وهو "قوس قزح" بيروت. تعددها وتنوعها. تعايشها وقبول كل طرف بالآخر، التناقض المقبول والاختلاف المشروع. بيروت ليست مجرد سهرة في مقهى على الروشة، بيروت هي كل هذا التنوع المتجاور.