الذهب يتجه نحو أفضل أسبوع في عام مع تصاعد الصراع الروسي الأوكراني    المنتخب السعودي من دون لاعبو الهلال في بطولة الكونكاكاف    "الجمارك" في منفذ الحديثة تحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة "كبتاجون    خطيب المسجد الحرام: ما نجده في وسائل التواصل الاجتماعي مِمَّا يُفسد العلاقات ويقطع حِبَال الوُدِّ    استنهاض العزم والايجابية    الملافظ سعد والسعادة كرم    المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    فرصة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    لبنان يغرق في «الحفرة».. والدمار بمليارات الدولارات    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «آثارنا حضارة تدلّ علينا»    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    «السقوط المفاجئ»    أرصدة مشبوهة !    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    إطلالة على الزمن القديم    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    فعل لا رد فعل    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    «إِلْهِي الكلب بعظمة»!    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المرور»: الجوال يتصدّر مسببات الحوادث بالمدينة    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    «المسيار» والوجبات السريعة    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"القارورة" ليست رواية حرب رغم تأثيرها على الأحداث
في أول حوار بعد القارورة.. يوسف المحيميد ل اليوم:
نشر في اليوم يوم 16 - 08 - 2004

من يقرأ رواية "القارورة" للروائي يوسف المحيميد لابد ان يشعر بمدى الحرفية التي اكتسبها في الكتابة السردية .. وأيضا يشعر بأنه كتبها بمتعة لتكون منجزا سرديا يضاف الى مسيرته الروائية .ويوسف الذي يعيش الان فرحة إصدار رواية "القارورة" .. يحدثنا بحب عن روايته وعن بعض ملامحها وعن هموم روائية أخرى ، مؤمناً بلغة التحدي في الكتابة السردية وبأن الروائي متأمل بالدرجة الأولى، ومستشرف للآتي.
@ في البداية وقبل أن نذهب إلى القارورة كيف تنظر لفخاخ الرائحة كتجربة روائية وكتابية؟
* ربما لا يحق لي أن أتحدث عن عمل روائي تحدّث عنه الآخرون بما يكفي ويفيض، ولكن إن شئت رأيي كقارئ، أو قل كقارئ يمتلك حسّاً نقدياً ما، أظن أنها رواية ناجحة في المنطقة الكتابية التي لعبت داخلها، بمعنى أنها قدّمت شخوصا هامشيين مستلبين، لا يملكون من أمرهم شيئاً، العالم المحيط بكل كائناته، بشراً وحيوانات ونباتات تآمر ضدهم، العالم سحق إنسانيتهم سواء كان هذا العالم مدينة صحراوية أو الصحراء نفسها، أو الغابات والبحر والنهر، بل حتى على مستوى الزمن، سواء قبل نصف قرن أو الآن، بمعنى أن القسوة والإيذاء الجسدي والنفسي لا تتغير تبعاً للمكان أو الزمان. الرواية أظن أنها نجحت في التشويق والمتعة وجذب أنفاس القارئ حتى الفصل الأخير، وكذلك على مستوى اللغة، التي تتصاعد أو تخبو تبعاً للحدث والمشهد والشخصية. هناك ملاحظات وصلتني حول الرواية سواء مكتوبة أو شفهية، منها أن عدد صفحات الرواية يعد قليلا قياساً بعالمها وتنوع فضاءاتها، وهناك مثلا من وجد أن شخصية ما جاءت عابرة، رغم قوتها كشخصية ثانوية، أذكر شخصية خيرية التي أحبها البعض رغم المرور عليها سريعا. أقول بهذا الصدد أن من الصعب إن ينساق الروائي خلف شخصية ما، تاركاً شخصيته الرئيسية أو بطل روايته، لذلك لابد من التخلي والتوقف عن غواية شخصية عارضة حتى لو كانت مغرية، وإلا لتشظى السرد وانفلت عنانه.
@ ألا ترى أن العنوان القارورة قد يحتمل اللبس فالقارورة لها دلالتها المتابينة. كيف رصدت ردة الفعل المتلقي حول هذا العنوان المراوغ؟
* طبعاً ردّة الفعل الطبيعية لا تخلو من الطرفة، فهي تتبع حتماً شخصية المتلقي، فهناك من يربط بين القارورة والعطر، والعبق والرائحة الزكية التي تملأ المكان، وهناك من أحال القارورة إلى المفهوم الديني، بمعنى المرأة، استنادا إلى الرفق بالقوارير، وهناك على النقيض من أوحت له القارورة بالشراب وما شابه. ومع ذلك فالنص يحمل دلالات أعمق من ذلك بكثير، ولا يمكن اختزاله بمثل هذه الرؤية، بل أثق في أن قراءة الرواية تكشف عن تفاصيل متنوعة وعميقة. لكن الكثير من ردود الفعل الأولى التي وصلتني أكدت على جمال وغواية وغموض العنوان.
@ بمناسبة الغواية.. هل أقول : إن شخصية توفيق في فخاخ الرائحة مارست غوايتها حتى كادت تغيب طراد البطل الرئيسي في الرواية؟
ليس الأمر بهذا الشكل، بل ارتبط بمرحلة البحث التي تسبق الرواية، بمعنى أن شخصية كشخصية توفيق وهو رجل سوداني رقيق، كانت أبعد قليلا عن ذاكرتي ووعيي من شخصية طراد البدوي، والنهر أكثر غربة بالنسبة لي من الصحراء، هذا الأمر هو ما جعلني أتقصى أكثر، وأبحث كثيراً جداً في تاريخ الرق في السودان، ووثائقه، هذا البحث المكتبي والشفاهي حقق حضوراً لافتاً لشخصية توفيق كاد يعصف ببطل الرواية. بمعنى أن خوفي من ألا تسعفني المخيلة بما يلزم عن شخصية سوداني رقيق، جعلني أكثر حرصاً ودأباً في البحث والاستقصاء.
@ فاتحة الرواية كانت هذه الجملة في صباح بارد من أواخرفبراير1991م كانت السماء بيضاء وصافية هذا توثيق للزمن ، وقد تكررأيضا في كثير من مقاطع الرواية. هل كانت هناك قصدية من الروائي يوسف لهذا الامر؟
* نعم، أردت أن أربط أحداث الرواية بزمن محدد، وهو زمن حرب الخليج الثانية، والتكرار هو تنظيم الحدث قبيل وأثناء الحرب. أنا أعتقد أن فضاء أي رواية وأحداثها وشخصياتها هو ما يفرض تخصيص المكان وتحديد الزمان، أو تعميمهما، بمعنى أن لكل رواية أسلوب كتابتها المناسب، وفي القارورة كان تحديد الزمن أمراً حتمياً نظراً لأثر الحرب -التي تتحفز في الخفاء- على الشخصية الرئيسية. أي أن حدوث الحرب ساهم بكل تفاصيل الوقائع والأحداث. ولكن لم تكن رواية حرب بالمعنى الشائع، لأنني أرى أن الحرب وآثارها الاجتماعية والسياسية مهمة على مستوى التحكم في مصير الشخصية فحسب. لا أن تتحوّل الرواية إلى تقرير حربي يومي.
@ في "القارورة" خفف يوسف المحيميد من اللغة.. ولجأ الى السرد الحكائي المشوق. هل هذا يعني أن اللغة الشعرية لم تعد هي الرهان على نجاح العمل الروائي المحلي؟
* أنا أتساءل بدوري، هل يمكن أن تنجح رواية فقط لأنها تتكئ على لغة شعرية؟ وهل تنجح رواية فقط لأن كاتبها اتخذ الحكاية أساساً لها؟ وهل تنجح رواية لأنها تفرغت لأسلوب التحليل النفسي للشخصية؟ وهل.. وهل؟ أقول بكل ثقة:لا! الرواية تعتمد على قدرة الروائي وبراعته في توظيف الحكي جيداً، وفي استثمار جماليات اللغة عند الحاجة، وفي تحليل الموقف والشخصية كلما لزم الأمر. سأضطر إلى الاستفاضة قليلا في الإجابة عن هذا السؤال ولتعذرني أنت والقارئ، ففي الثمانينات الميلادية ساد اعتقاد أن اللغة الشعرية هي أساس القص، وأن العموم في القص هو من جماليات النص الحديث، بمعنى أن مجرد ظهور الحكاية في القصة، أو اسم شخصية أو مكان هو مما يجعل هذه القصة قصة تقليدية وسطحية و..و..إلخ, هذا الأمر جعل بعضا ممن لا يقيم الجملة، ولا يفرّق بين الفاعل والمفعول، ولا تخلو قصته من جيش من الأخطاء والفوضى، يقتحم هذا النمط من القص، فظهرت خزعبلات قصصية وغموض مخلّ بسبب قصر التمكين من لغة القص لدى هذا البعض. وما أخشاه الآن هو الترويج للحكاية في الرواية، بعيداً عن امتلاك أدوات الحكي وبراعة السرد التي تتكئ على خبرة ومعارف متعددّة وموهبة في قود الحكاية.
مثلا حكاية اغتصاب قد تبدو خبراً صحفياً سخيفاً، لكنها تتحوّل إلى رواية بالغة الجمال على يد كويتزي بعنوان الخزي. وحكاية المولود الذي مات لحظة المخاض هي حكاية ساذجة ومكررة، لكنها تتحوّل إلى حدث إنساني مأساوي مذهل بقلم الروائية مي التلمساني في دنيازاد. ما أردت قوله: إن هناك حكايات تبدو أكثر من عادية ومألوفة، لكنها تصبح روايات ناجحة أو فاشلة تبعاً للروائي وقدراته.
@ منيرة الساهي الانثى المثقفة تتعرض للخديعة من رجل بسيط جدا. هل الرواية تطرح هشاشة نموذج المثقفة لدينا؟
* لا، ليست المسألة بهذا الشكل تحديداً، وإنما تطرح هشاشة الواقع والحياة، وسهولة تزوير الحقائق وتلفيقها، إضافة إلى أن الخبرات لدى المرأة المثقفة، والتي هي دودة كتب في الرواية، تخسر أمام خبرات الحياة لدى الرجل البسيط، فضلا عن ظروف الحرب التي تبرّر كل شيء، وأن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
@ علي الدحٌال هذه الشخصية التي مارست الخديعة باقتدار مع الجميع. كيف قبضت على هذا النموذج الفهلوي وهو نموذج مفقود في الرواية المحلية؟
* يا إلهي! بصراحة أعتقد أنك اختزلت هذه الشخصية بمفردة بالغة الدقة الفهلوي، الذي يتكلم في جميع الموضوعات، ويوهم الآخرين بمعرفته بكل شيء، وأنه حجة في كل جوانب الحياة، وهو لا يعرف منها سوى السطح. لقد أرهقني هذا الرجل، فبقدر ماكان محيّراً لي، بخداعه واستهتاره، بقدر ما أحببته واستمتعت بتكوين ملامحه وعبثه وخبثه اللذيذ! أظن أننا بحاجة إلى المزيد من رصد مثل هذه الشخصيات، وقد حاولت في (القارورة) الاشتغال على العديد من الشخصيات، منهم الفهلوي كالدّحال، ومنهم اللامبالي أو المذعن كشخصية الأب، أو الشخصية القلقة والنزقة التي لا ترضى بأي شيء، كشخصية الابن المتديّن. ربما نجح بعضها كونه عنصرا رئيسياً في الرواية.
@ هل نقول: إن الرواية تتجه إلى رصد الصراع الطبقي.. وأن خديعة الدحٌال لمنيرة هي إفراز لهذا الصراع الصامت؟
* بالضبط، هي محاولة رصد تمايز طبقي، وليس صراعاً، سواء تمثل ذلك عبر التمايز الوظيفي أو المناطقي أو الجنسي أو ما شابه. فكما تعلم أن أي مجتمع يحتوي على خليط وتمايز فئوي، إذ تجد أن عناصر القوّة تتباين وتتمايز تبعاً للموقف وللأطراف، بمعنى أن التمايز الجنسي قد يتفوّق على الطبقي في موقف، وقد يخسر في موقف آخر، وأحياناً التمايز المناطقي والقرب من المركز يهزم الطرف.. وهكذا.
@ في الرواية حضرت رائحة الحرب وكان هناك تماس بين الغزو العراقي للكويت وخديعة علي الدحٌال لمنيرة الساهي. ما دلالة هذا الربط بين الحادثتين؟
* لا أحب أن أقول ما لم تقله القارورة! ولكن لا بأس من بعض التوضيح، فالعلاقة لها ما يبررها، فثمة علاقة بين المرأة والمدينة، فكلتاهما تتعرضان إلى خديعة، وثمة علاقة بين حربين، إحداهما شخصية صغيرة، وأخرى دولية كبيرة، ثمة خطوط متشابهة بين فوضى التخطيط، أو تلقائية الخطة، وبين الغزو العراقي، أو الغزو الدحّالي! أريد أن أقول: إن الحروب هي في النهاية مجرّد خدع كبرى، وشتات وفوضى ومقابر جماعية، أما في حرب العراق فكلنا عشنا ما يحدث من عشوائية، فصدام لم يكن يعرف ما يريد، قال إنه سيحرّر الكويت وأنه جاء لنجدة المعارضة الكويتية، ثم أكد أن الكويت المحافظة العراقية التاسعة عشرة، ثم.. ثم.. إلخ. كذلك الدحّال بدأ بلعبة المحادثة الليلية، ثم الحبّ، ثم التزوير والتلفيق، وانتهى في المحكمة.
@ في كل مرة كانت منيرة الساهي تكشف شيئا من خديعة علي الدحٌال وهذا ما أكسب الرواية قدرا كبيرا من التشويق. لعبة التشويق كيف كتبها يوسف بهذه البراعة؟
* في فخاخ الرائحة كان التشويق يعتمد على الإخفاء والتأجيل، فثمّة سرّ مخبوء لم أصرّح به، بغرض استدراج القارئ حتى الفصل الأخير. أما في القارورة فكان التشويق ومتعة السرد قد اعتمدا على التصريح أولا عن الحادثة والأزمة، ثم بدأ الكشف شيئاً فشيئاً، كل فصل من فصول الرواية يقدم جرعة من الحقيقة، بما يعني تنامي السرد، الذي يتبعه بالضرورة تنامي الحدث والشخصية.
@ أسرة الساهي كشخصيات تمثل أطيافا متعددة على المستوى الفكري والنفسي.. هذه التعددية هل كانت مقصودة.. وهل ترميز لما يجب أن يكون عليه المجتمع ؟
* بالطبع كانت مقصودة، وهي بالضرورة طبيعية جداً، أقصد أن تنوّع الفكر والوعي والطبائع تختلف من شخص لآخر. والأسرة تمثل شريحة من المجتمع، بل هي مجتمع مصغّر، وتنوّعها الفكري والنفسي والخلقي هو تنوّع لهذا المجتمع. وقد كنت أشير بطريقة أو بأخرى إلى ضرورة التعايش بين هذه الأطياف، رغم اختلاف الرؤى والأفكار، فالحوار فيما بينها ليس لإقناع إحداها بواسطة الأخرى، أي أن الحوار لا يعني البحث والوصول إلى فكرة موحدة ومشتركة، أبداً بل لتكريس التنوّع وإثرائه، وعدم مصادرة فكر لآخر، وإنما احترامه، بأن يتعايش معه ويطوره أو يتطوّر به.
@ ما قبل النهاية في رواية القارورة كانت هناك تنبؤات لمنيرة الساهي وهي تهذي بما سيكون لها في المستقبل. كنت أرى هذا التنبؤ يمثل نهاية الرواية.. هل أرهقتك خيارات النهاية في الرواية ؟
* ما الأمر يا طامي؟ هل كنت معي لحظة الكتابة؟ يبدو أن حساسيتك عالية جداً تجاه الكتابة الروائية؟ بالضبط كنت مرهقاً أمام بداية الرواية ونهايتها، وهو أمر أوليه أهمية كبرى، وأتفق معك أن فصل الاستشراف والتنبؤ، وهو الفصل ما قبل الأخير كان مناسباً لوضع نقطة النهاية، لكنك لاحظت أن الفصل الأخير، الذي تلاه مباشرة، كان عبارة عن صفحتين لا أكثر، وهي العودة إلى الزمن الآني للبطلة، وإحراق الورقة التي حققت لها الخلاص من البطل، ثمّة ترميز للمقص أولا، وللحرق الذي التهم اسم البطل والأب والقاضي، حتى هي، إذ ارتعشت أمام لحظة الموت. هذا الفصل الأخير المكثف كان لابد منه، وهو كما أرى الطوبة الأخيرة التي أقفلت بها البناء الروائي.
@ كتابة اللحظة الراهنة في الرواية المحلية نادرة جدا.. كيف تعلل هذه الندرة ..وهل على الروائي المحلي أن يكتب تجربته الاولى روائيا بذاكرة ماضوية ويتدرج حتى يصل الى كتابة اللحظة الراهنة.؟
أتصور أن الأمر يعتمد على ماهية اللحظة الراهنة في سؤالك، فلو كانت الآن أو مما يحدث الآن في هذه اللحظة، فأظن أن الروائي هو متأمل بالدرجة الأولى، ومستشرف للآتي، بالتالي من الصعب أن تكتب عن الحرب أو عن الحب وأن تعيشه، لا بد من فاصل زمني مناسب، كي تتأمل حياتك أو حياة شخوصك عن بعد، أما إذا كنت تعني بالذاكرة الماضوية هو ما يكتبه بعض الأصدقاء الروائيين من تأمل عالم قروي قبل عشرات السنين وترميز للشخصيات وللأحداث، فربما يعود ذلك إلى وعي الروائي، وتردّده إزاء الآني، بعالمه وهزائمه ومدينته وشخوصه، حذرا من الرقيب في المقام الأول، وعدم ثقة بالأدوات أحياناً، فالرواية أكثر الفنون مشاغبة- كما تعرف- وهي مما يجلب القلق للمتلقي وللروائي على حد سواء. فأن تتطرّق للحظة الراهنة بأحداثها ومسمياتها فذلك مما يجلب الأذى.
@ لك مشروعك السردي في الكتابة عن روايات للفتيان. هل تحدثنا عن هذه التجربة؟
* لقد أحببت الكتابة للطفل في مرحلة مبكرة، وصدر لي العديد من قصص الأطفال، وبعد دخولي إلى فضاء الرواية، والنص السردي الطويل، استهوتني الكتابة للفتيان والفتيات، بمعنى التخلص من شروط وأعباء مراحل الطفولة المبكرة والمتوسطة، وضرورة الالتزام بقاموس الطفل اللغوي، فكانت مشاغبة الفتيان والفتيات أكثر حرّية، من هنا بدأت مشروع حكايات نجدية التي صدر منها قبل أيام القصة الأولى، وعنوانها سرّ بيت الموت، وهي قصص تراهن على المكان والغرائب والدهشة، بمعنى أنها تتكئ على لذة السرد ومتعة القارئ، فضلا عما أقدّمه فيها من رؤى وأفكار، ولديّ الكثير من القصص في هذا السياق، وهي بالمناسبة- تعد قصصاً طويلة، أو روايات قصيرة. هذا النمط من الكتابة ليس موجوداً إطلاقاً على المستوى المحلي، لهذا السبب، ولإيماني بأهمية قراءة الأطفال والشباب، وللجانب المتعوي الذي يصاحبني لحظة الكتابة، دخلت إلى هذا النمط من الكتابة. ما أود قوله في هذا الصدد: إنني لا أتفق أبداً مع ما يطرح لدينا من كتابات للشباب في الداخل، يقوم بها أخوة عرب، لأنها تراهن على التسلية فحسب، دون أن تقدّم الرؤية الجديدة، ودون أن تذكي جانب المغامرة والكشف عن المحجوب لدى القارئ الشاب، ودون أن تترك أثراً ما في نفسه.
@ الآن كيف ينظر الناشر العربي للروائي المحلي.. وهل تم تجاوز الاستنزاف لجيب الروائي إلى التعامل مع إبداعه الروائي.. يوسف المحيميد كيف يرى هذه العلاقة بين المبدع المحلي والناشر العربي؟
* لماذا لا نسأل كيف ينظر الروائي المحلي إلى نفسه؟ أظن أن المأزق الذي يتعرض له الروائي الخليجي عموماً، هو في سذاجة تعامله مع الناشر، واستعجاله النشر حتى لو دفع للناشر ما دفع. أنا أتساءل: لماذا لا يعتبر الروائي لعبة النشر مجرّد لعبة موازية للعبة الكتابة؟ بمعنى أن الناشر الذي يرفض نصي الروائي ليس على صواب دائماً، والتاريخ الأدبي في العالم كشف مثل ذلك، روايات يعتذر عنها الناشرون، وما يلبث أن يقبل بها ناشر صغير، ويطبعها، فتحقق له المجد كناشر. من هنا أرى أن على الروائي أن يعرض روايته على ناشر وآخر وثالث، ولو لم يجد لها من يحتفي بها ويتبنى إصدارها، فليذهب بها إلى الجحيم! ليمزقها ويكتب رواية أخرى. أليس التحدّي والصبر والتحمّل من صفات الروائي، كيف إذن يركض إلى حسابه البنكي كي ينقذ نصه من الإهمال؟ ثم يا أخي هل من المعقول أن تصرف وقتاً طويلا تبحث وتنقب وتتقصى، مثلك مثل أي باحث، ثم تصرف وقتا آخر في الكتابة والمراجعة، ويأتي من يقول لك أيضاً ساهم بالدفع لطباعة كتابك، أظن أن تلك كوميديا سوداء حقا.
بالنسبة لي شخصياً يعامل الناشر رواياتي بطريقة طبيعية ومحترمة، وهي أن يقرأ الرواية، أو يحيلها إلى لجنة قراءة، التي تصادق على جودتها، ثم يتبنى طباعتها بعد توقيع العقد بيننا، وأظن أن هناك بعض الروائيين المحليين قد وصلوا إلى مثل هذه المرحلة، وهي مرحلة مهمة في تاريخ الروائي، والكاتب.. عموماً، لعل من أهم فوائدها شعور الروائي بأهمية ما يكتب، عبر ترحيب الناشرين به، وليس ترحيب جيبه فحسب.
غلاف القارورة
غلاف فخاخ الرائحة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.