«الجوير».. موهبة الأخضر تهدد «جلال»    ابتسامة ووعيد «يطل».. من يفرح الليلة    رينارد وكاساس.. من يسعد كل الناس    رئيس الشورى اليمني: نثمن الدعم السعودي المستمر لليمن    الأردن تدين حرق قوات الاحتلال الإسرائيلي مستشفى كمال عدوان    مكي آل سالم يشعل ليل مكة بأمسية أدبية استثنائية    جازان تتوج بطلات المملكة في اختراق الضاحية ضمن فعاليات الشتاء    مدرب ليفربول لا يهتم بالتوقعات العالية لفريقه في الدوري الإنجليزي    الرويلي يرأس اجتماع اللجنة العسكرية السعودية التركية المشتركة    وزير المالية اليمني ل«عكاظ» الدعم السعودي يعزز الاستقرار المالي لبلادنا    البرلمان العربي يدين حرق كيان الاحتلال لمستشفى بقطاع غزة    رئيس هيئة الأركان العامة يلتقي وزير دفاع تركيا    رينارد: مباراة العراق حاسمة ومهمة للتقدم في البطولة    لخدمة أكثر من (28) مليون هوية رقمية.. منصة «أبشر» حلول رقمية تسابق الزمن    "جلوب سوكر" .. رونالدو يحصد جائزة "الهداف التاريخي"    البيت الأبيض: المؤشرات تؤكد أن الطائرة الأذربيجانية سقطت بصاروخ روسي    القبض على أطراف مشاجرة جماعية في تبوك    مدرب قطر يفسر توديع كأس الخليج    «سلمان للإغاثة» يوزع 526 حقيبة إيوائية في أفغانستان    ضبط 3 مواطنين في نجران لترويجهم (53) كجم "حشيش"    وزير «الشؤون الإسلامية»: المملكة تواصل نشر قيم الإسلام السمحة    خطيب الحرم: التعصب مرض كريه يزدري المخالف    دار الملاحظة الأجتماعية بجازان تشارك في مبادرة "التنشئة التربويه بين الواقع والمأمول "    الذهب يستقر وسط التوترات الجيوسياسية ويتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية    الفرصة لا تزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    مآل قيمة معارف الإخباريين والقُصّاص    الصندوق السعودي للتنمية يموّل مستشفى الملك سلمان التخصصي في زامبيا    مهرجان الرياض للمسرح يبدع ويختتم دورته الثانية ويعلن أسماء الفائزين    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    اجتثاث الفساد بسيف «النزاهة»    سورية الجديدة.. من الفوضى إلى الدولة    عبقرية النص.. «المولد» أنموذجاً    مطاعن جدع يقرأ صورة البدر الشعرية بأحدث الألوان    أميّة الذكاء الاصطناعي.. تحدٍّ صامت يهدد مجتمعاتنا    إحالة 5 ممارسين صحيين إلى الجهات المختصة    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    «كليتك».. كيف تحميها؟    3 أطعمة تسبب التسمم عند حفظها في الثلاجة    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    ليندا الفيصل.. إبداع فني متعدد المجالات    122 ألف مستفيد مولهم «التنمية الاجتماعي» في 2024    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    رفاهية الاختيار    5 مشاريع مياه تدخل حيز التشغيل لخدمة صبيا و44 قرية تابعة لها    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    حرس الحدود بجازان يدشن حملة ومعرض السلامة البحرية    اختتام دورات جمعية الإعاقة السمعية في جازان لهذا العام بالمكياج    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    حلاوةُ ولاةِ الأمر    46.5% نموا بصادرات المعادن السعودية    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    التخييم في العلا يستقطب الزوار والأهالي    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شخصيات سكنت ذاكرة المتلقي
الشخصية الروائية في الرواية المحلية
نشر في اليوم يوم 28 - 06 - 2004

هي شخصيات ورقية ولكنها تجسدت لتعيش بيننا نشعر بها ونحس بوجودها تتنفس وتمارس حياتها فراسكولينكوف في "الجريمة والعقاب"، وربنسون كوروزو، ودون كيشوت، وآناكارنينا، وسي السيد في ثلاثية نجيب محفوظ، والسوادي في "الموت يمر من هنا" لعبده.. وغيرها من الشخصيات التي أبدعتها الرواية العالمية والعربية. هذه الشخصيات صنعها المبدع في عالم الرواية وجسدها المتلقي في العالم المعيشي لتتنفس وتمارس حياتها.
ولأننا نؤمن بدور المتلقي الكبير كونه الشريك الرئيس في العملية الابداعية فقد توجهنا إليه في هذا المحور نحفز فيه الذاكرة ونتساءل عن الشخصية الروائية في الرواية المحلية التي استطاعت أن تسكن ذاكرته وتعيش معه ويكون لها حضورها في وجدانه، لنتمكن من خلال ذلك أن نرصد لمدى ابداع ونهوض هذه الرواية وتاثيرها في المتلقي الذي يجب محاورته والانصات له والتجادل معه في عمق النتاج الادبي الذي يزخر به مشهدنا الثقافي .. كانت هذه النافذة تجلب الضوء الذي تكتنزه رؤى المتلقي الواعي .
ميثاء
في البداية قال فيصل الرويس: نعم أنها سيدة الأمكنة في تصوري كمتلقي للعمل . كانت ضميرا يجسد هموم الأرض وما يعتمل على سطحها من امكنه تتغير وتبقى ميثاء بضميرها الناطق تحمل هموم المكان والرواية بتوازن دقيق جداً .
كانت ضحية التسارع الإنساني على نهب كل ماهو ثمين حتى وأن كان ذا قيمة رمزية فقدت مقومها الثقافي الذي يعطيها قوة محسوسة تمنحها الإستمرارية .
ميثاء السقوط, وتلاشي القيم الإنسانية التى شكلت ملامح سكان الصحراء , ميثاء نتيجة تشاؤمية لنهم الإنسان على إمتصاص خيرات الأرض ووضع الحفر لكي تسقط وتفقد صفة الكرامة وتتلاشى خصوصيتها بايدي ابنائها .
وبعيداً عن القراءات التى استهدفت شكلانية الرواية في التناول المحلي ( كقراءة الدكتور عالي القرشي الذي وصفها بالعجين للأمكنة والأزمنه ) أرى ان التقديم النقدي للعمل المحلي يتسم بصرامة تتكئ على محاور غير مؤثرة تشتت رؤية المتلقى الجمالية في اتجاهات هامشية . بعد سياق مقنع ومتحذلق يقدم الناقد على حساب العمل المنقود . وانصح المتلقي عبر هذه الصفحة بعدم تناول القراءات المحلية للأعمال المحلية بجدية . كونها لا تستطيع التداخل مع العمل المحلي بأفق بعيد وعميق يحتوى الزمان السردي _ زمن الكتاب والكتابة _ وجهد الروائي في رؤية شمولية تتسم بإستهداف الجمال .
سلمى
اما عبدالهادي سعد فاكد ان :سلمى عجوز الثمانين في رواية (سلمى) .. هي من سكنت مخيلتي ولم استطع الإنفكاك من التفكير بها ، بنى القصيبى هذه الشخصية اعتمادا على منهج كبار السن ، من الاستماع إلى الراديو بطريقه تجعلك تشعر ان العالم قد حدث فيه شئ مريع ، ولكنه هنا ، استبدل شخصية الرجل والذى كان هو المفترض ان يكون فى الرواية بالمرأة الكبيرة السن ، لإن المتعارف عليه قديما ان الرجال هم الذين يكونون اكثر اهتماما بالأخبار واما المرأة فهى تستمع معه ولكن تنصت اكثر الى زوجها وتؤمن بما يقوله لها ، لإن المرأة هنا اكثر تأثرا بما يحدث حولها من أحداث جسام وخصوصا ان الرواية تتبعت تسلسل الوقائع التى حدثت فى الوطن العربي ، شدني أنها مؤمنه بالوطن العربي ، لا تصدق ما يقال لها ، لذلك فهى تتهم الراديو بأنه يكذب ..
كم تخيلت انه بإيمانها بالوطن ، انها تستطيع ان توحد الكيان العربى ، وخصوصا انها تؤمن ان التاريخ هو الوقت الحالي ، لذلك تناثر دمها على السرير على الرغم من انه لا يوجد بها اى جرح ، اثر علىّ الى درجة أنني تخيلت ان هذا الدم رسم الوطن العربى من المحيط الى الخليج ولكن يبقى السؤال هل التاريخ هو المسؤول عن موت العجوز وتناثر دمها بدون جرح .. سأعيد قراءة الرواية لعلى اجد لهذا السؤال إجابه .....
الغريب
هذه الرؤية التي طلبتها وهي محيرة لان الشخصيات التي تسكن الذاكرة كثيرة ساحاول التركيز على احدى شخصيات عبده خال.
يحيى الغريب
بهرتني الشخصية وعاشت معي اياماً ولاتزال تلح علي بحضورها المكثف . اجد عبده خال كروائي يملك ريشة فنان عندما يرسم شخصياته بابعادها
يجعلك ببساطة شخصياته ومحليتها تمتزج معها حد التعايش
وبالقراءة تكتسب شخصياته حميمية خاصة لدى القاريء لايستطيع صدها بل يزداد شوقا وتعلقا بها بحيث تسكن الذاكرة بنهاية الرواية يحيى الغريب بخروجه من قريته ذاك الخروج المفجع والذي اعتبره سلبا لطفولته رحلة التيه التي عاشها والاستغلال النفسي والبدني الذي وقع عليه. براءة الحب وحب البراءة وكيف قتل عشقه. وقمة الوجع اللهفة المتبادلة بينه وبين والدته للقيا وخروجهما كلاهما في اتجاه معاكس للقاء الاخر
يحيى
ويؤكد خالد الصامطي:ان بعضُ الشخصيات الروائية تجبرنا على الوقوف كثيراً أمامها و تجسيدها دونَ أن نشعر, نجدُ أنفسنا منساقينَ لترجمةِ تفاصيلها المقروءة إلى صور, ترافقنا في المستقبلِ ككلمةِ لازمة كلّما أطلّ من أفقِ الأحداث موقفٌ يجلبها.
سأوردُ هنا نموذجاً لإحداها:
شخصيّةٌ كانت -منذُ قراءتي للرواية- ولازالت تحتّلُ حيّزاً مرموقاً في ذاكرتي لا لشيءٍ سوى أنني تعاطفتُ معها بشكلٍ مبالغ, فأسلوب وخيال كاتبها يحتّمُ علينا فكرةَ التعايش معها, ومحاولة تحقيق وجودها الوهمي, حزنتُ لتراجيدية حياتها, و قد تجاوزَ الأمر إلى رسمها على الورق بملامح محددة تتطابقُ مع ما عكستهُ في داخلي ومجريات حياتها في الرواية, كردّةِ فعلٍ للتعاطف مع قضيةٍ إنسانيةٍ مكتملة بكلّ ما يؤهلها لأن تكونَ كذلك, تلكَ الشخصية كانت: "يحيى الغريب" في رواية "مدن تأكل العشب" للمتألّق الروائي: عبده خال, فمعاناة "يحيى" الجسدية والفكرية و جرعات الحرمان التي حُقن بها منذُ الصغر وحتّى النهايةِ الشاسعةِ كالأفق, وغربته التي شكّلت تغيراً كلّياً في حياتهِ كلّ ذلكَ كانَ كفيلاً في بروزهِ كشخصيةٍ تتقلّدُ وسامَ البقاء في أذهان القرّاء, وتبقى لتخطونا كلّما أطلّت قضايا البشريّة البائسة, وعبثية جرائمٍ لم يرتّب لارتكابها, على الذاكرة بامتدادها, تبقى لتُززحَ النسيان في حضرةِ الحبِّ, الحنين, الظلم, وضعف النفس.
كانَ يحيى أنموذجاً متقناً حلّ محل مصطلح "الضياع", تلاطمت بهِ أمواجُ الفقد, ونبذتهُ في معتركِ التشتت ليواجهه كالوحيد, ويستنشقَ حياةً وفكراً جديدين ومعقدين, ومع الزمن يقتنعُ بتغيّير طموحٍ يائسٍ في مهدهِ, إلى رغبةٍ مغلوطة ساقها له الزمان.
طراد
اما محمد بن عيسى فيقول:
حسناً يا طراد !
هل كُنتَ تَظن أن انطلاقتك حُرّاً في صحرائك تستمر؟! لا يا طراد فأنتَ واهمٌ لا شك !
فها أنتَ في ومضاتٍ ترى فيها أبعاد لوحة حياتك وأنتَ تقتعدُ كرسيّاً في صالة الانتظار حتى يقلك الباصُ إلى أي جحيمٍ ينسيك زحمة المدينة التي خنقتك . التي تتغنّى بها رغم كل شيء فتقول إن طلوع النور في فجرها هو أحلى الأوقات وأنها " تكون مثل وجه شابة تطرد النعاس عن عينيها "، وها أنتَ تواري سوءَتك/أذنك المقطوعة بشماغك . فما انء كنتَ أميناً مع سيدك حتى ركلكَ خارجاً لأنك لم تكن سوى حارس بوّابة يُكدّرُ بأمانةٍ ساذجة على زوار سيدته أجواءهم ، وها أنتَ عاملٌ يهدر عمره في صنع الشاي والقهوةِ،يسخر الموظفون من أذنك المقطوعة ، أو يحاولون عرقلتك وأنتَ تحمل الشاي والقهوة إليهم ، فتسقط على وجهك فيضحكون منك ، وها أنتَ قبل دخولك الوزارة من خلال مواقف سياراتها ، تزاحِمُ العُمال الهنود والبنغال في تنظيف السيارات ، تقنعُ نفسك ألا عيبَ في ذلك .ترسمُ ملامحَ هذه اللوحة أو ترتَسِمُ بنفسها أمامك . يسحقكَ شعور الفراغ مكان أذنك التي افترسها السرحانُ ساعةَ كنتَ ذئباً مهزوماً ..يهزمك أمير قافلة الحجاج التي أغرتُما عليها فدفنكما إلا رأسيكما أحياءً ، مُرغمَين في هجير صحراء النفوذ ، هذا السرحانُ نفسه الذي كنتَ تُشرِكُهُ طعامك.. تنزلُ دمعتك وتغالبُ خروجها لئلا يلتفت لك الذئب وهو يمزّقُ وجه صاحبك " نهار" .. يسحقك شعورك بالتفاهة كإنسانٍ وأنتَ تقتعدُ ذلك الكرسي.
ترى ابنك اللقيط الذي خلعت القططُ عينه طفلاً مُلقىً أمام مسجدٍ في كرتونِ موز ، إذء تخلّيتَ عنه وعن أمه قبل عشرين عاماً ، ولم تتزوجها بعد أن جعلتك تدركُ معنى أن تقاربَ الأنثى وكيف يُجَلِّي ذلك جوهرك كرجل . نعم رغم ذلك تركتهما لاسباب تَنكَّبءتَها هي وسِرءتَ عليها أنتَ غير مكترثٍ ببكاء الأم وانتفاخ بطنها وراءك فتعود لتتزوجها وتنسب الابن لاسمك .كلا ، لن تعود فمن قبلُ لم تسمعء أيضاً بكاءَ أمّكَ العجوز البدوية " خزنة "التي تخزنُ أسرارَ البرِّ والقبائل ، وتبكي ضياعَ أبنائها وشتاتهم .
تصادف ابنك مرّة ثانية وأنَتَ تهربُ من جحيمٍ إلى جحيم، يَمُرُّ أمامكٍ في مَحَطَّةٍ عابرةٍ ناسياً مَلّفه الأخضر بجانب كرسيك ، والملف يحوي محاضرَ وصور وسنٍّ صغيرةٍ صفراء توثّقُ ضياعَهُ وهوَّيته التي حرمتهُ منها ...
خاتم
وتقول كوثر الزهيري: جذبتني شخصية خاتم منذ حدث ولادتها وانتظارها..من فرط حبي لأسلوب رجاء عالم المتميز..سكنت ذاك البيت الذي تتصاعد منه ابخرة الأحراز المختومة بالسر..غضبت وحزنت لغضب أم خاتم حين تبنى الصبي الأسود رب الدار ومثلها ما رضيت ان يقاسم خاتم ثدي أمها وأن كلف ذلك السيد ان يرحل به الى ثدي أخته في المدينة..
وكأن "خاتم" ولدت على يدي..أي مشهد تلك الولادة والمخاض وتفجر العنبر الأسود على خرق المخاض المتكرر للسيدة أم خاتم
كل ما عرفته في البداية ان خاتم طفلة مثل أخواتها الا ان شيئا سريا كان يصاحب نشأتها وكلما كبرت بشعرها الأحمر ووجهها المنمش كبر تعلقي بها..
يحضرني مشهد شفتي الطفلة المحمرتين الى ازرقاق وهما ينهلان بنهم من ثدي الأم وأراها -صدقا- كنت أعيش مع خاتم وأهجس بها..حتى انني حلمت بها وهي تحبو..
ما فهمت مشهد حمامها الغرائبي المليء بالطقوس ولا ذهابها للصلاة في الحرم مع ابيها..كما داخلني الشك في ان تكون مثلية الهوى حين استنفرتها أجساد الصبايا في أحراش مكة الخفية..
كانت خاتم تقودني..تفتح لي ابواب الدهشة بها ومنها..وكانت عشرتها الغريبة مع اخيها وابن عبدتها متطرفي الغرابة في تناقض رائع رغم انهما يحبانها الاثنان بذات الشدة مع اختلاف التصرف وردود الأفعال..
خاتم تمت حرة وتجاوزت كل ما فرض على الفتيات امثالها فقد دخلت مجالس الرجال وتعلمت على يد شيخ ضرير في الحرم وهربت وكذبت كانت مثال التمرد الفاتن بكبرياء وتصميم بارعة في اخفاء الخوف مقدمة بقوة طاقة الحب لديها وكأنها لا تملك الا ان تندفع وراء اهوائها..
علاقتها والموسيقى منذ الطبل الأول الى احتضانها للعود كحبيب في الوصال يؤجج المشاعر ويترك الروح ظمأى ومداعباتها لزرياب قاتلة الرقة..سحرية في تأملاتها..
كلما مررت بموقف قلت لنفسي ماذا ستفعلين الآن يا خاتم بعد لتسكنيني أكثر..سيطرت علي تماما..روحها المتمردة القوية التي منحت للجوهر في دكان الصائغ بعدا آخر فباح الدر باسراره ..بدت لي خارج الزمان..تأمر فتطاع بلا أمر..حتى في خوفها قوية لا تنكسر عينيها ولا تبتعد عن غايتها..
في وقفتها تتامل في الناس في مكة الخلفية مشاعر حقيقية وعالية الانسانية بل بها من الرقي والصدق الكثير..مشهد المسحر والحجرة التي شجت رأسها آلمتني انا
تأملها ايضا في المسجد المهجور..طريقة وصف رجاء عالم لحركة يدها ولمستها وتسللها كأنما تروي رجاء القصة لنتمثل الشخصيات حول البطلة والبطلة ذاتها كما المكان فكأننا نشاهد فيلم سينما او نسترجع حلم جميل وساحر ومخيف..
هل تعلم كيف يكون الشيء جميل وساحر ومخيف ينازعك من نفسك ولا تملك منه فكاكا هكذا اتت شخصية خاتم ساطية على الروح والقلب ليس انني تمنيت ان اكون هي لكنني لا شك متأكدة انها حقيقة ..أكاد أجزم أن خاتم حقيقة ولولا انها او انه قتل في نهاية الرواية لراودتني رغبة البحث عنها في أزقة مكة لكن رجاء قتلتها فأراحتني او هكذا اعتقدت حتى عدت اقراها كل حين ووجدت انني اعشقها..
ما همني كثيرا ان اكتشف انها صبي في الآخر ولا اجتهدت في تفسير لم ارادت لها رجاء ان تكون صبيا مخبوءا ولا مبررات ابيها وامها اللذان تواطئا منذ البدء على اخفاء المعلومة واستمرا يشكوان ان لا صبي لهما..
لو لم تكن خاتم كل هذا المزيج من ذكورة وانوثة ..لولا تخبطها الداخلي غير الصريح لكن الواضح لما احببتها ربما..
خاتم شخصية تحب لذاتها بمعزل عن اي شيء آخر..ذكرتني أحيانا بشخصية عكسها تماما في الطرح هي شخصية الفتاة التي ارغمها اهلها على تمثيل دور الصبي لدرجة لف ثدييها وتزويجها كذكر لابنة عمها في رواية ليلة القدر للطاهر بن جلون والتي ابهرتني في حينها الا ان خاتم اتت لتمحو الشخوص من حولها وتصيبني بالعشق لها..
وهكذا احيانا لا نملك الا الوقوع في غرام الشخوص والتعامل معهم على انهم حقيقة ملموسة وربما كانوا كذلك ومروا هنا التفت لهم البعض فمنحوهم اسرار تواريخهم وكان البعض اكثر حذرا فلم يقع في مسغبة الفتنة بالروايات والحكايات..
صالح
ويرى عبدالله العنزي ان الكتابة عن الشخصيات المميزة في الرواية المحلية أجدها صعبة بعض الشيء لافتقار الروايات المحلية للشخصيات التي ترسخ في الذاكرة وتحفر لنفسها مكانا مميزا فيها . وللأسف أن الروايات السعودية والتي بدأت تحتل مكانة الشعر عند القاريء والمتلقي وأخذت حيزا أكبر من ذلك الذي أخذه الشعر ورغم إقبال الكثير من الأدباء والمثقفين السعوديين على الرواية وإسرافهم بكتابتها خاصة في السنوات الخمس الأخيرة إلا إنها عجزت عن أن تنجب تلك الشخصية المميزة والراسخة بذاكرة القاريء السعودي كما هو الحال مع راسكو لينكوف عند القاريء الروسي أو جان فالجان عن القاريء الفرنسي أو كما هو الحال مع شخصية أحمد عبد الجواد عند القاريء المصري.
لكن رغم قصور شخصيات الرواية المحلية و عجزها عن الوصول إلى مستوى تلك الشخصيات التي ذكرتها في الرواية العالمية والعربية إلا انه تظل هناك بعض الشخصيات المحلية والتي فاقت أخواتها وزميلاتها , واحتلت مكانة لم تحتلها شخصية محلية غيرها في الذاكرة.
ظلت شخصية صالح التركي أحد أبطال رواية عبده خال "الطين" تحتل المكانة الأبرز بين الشخصيات المحلية ولا أذكر شخصية أخرى رسخت في ذاكرتي وظلت تزور مخيلتي واستحضرها وأتجاذب أطراف الحوار معها كما حصل مع هذه الشخصية . ورغم كل المتناقضات والتي وضعها عبده خال في هذه الشخصية إلا أنها ظلت أكثر الشخصيات المحلية التي أعجبت بها .
حقيقة لم أحب صالح التركي كما أني لم أكرهه بل ظللت في موقف حياد تجاهه ولو أنني كثيرا ما تعاطفت معه خاصة مع نهايته المأساوية على يد زوجته التي أرادت أن تريحه من العذاب الذي وضعته فيه تصرفاته الرعناء وخطواتها غير المتزنة وثقته العمياء بصديقه الذي بادل إحسانه بالأسى وجعل جزاء معروفه معه بان نصبه أميرا على القرية قطع لسانه لكي لا يفتضح سره.
كثيرا ما فكرت بصالح التركي وأحببت طموحه الذي يتجاوز حدود قريته الصغيرة ويتسع ليتجاوزها ويصل به إلى حدود العاصمة لكن هذا الطموح وهذه الأمان الكبيرة تغتالها عقول أهل القرية المتحجرة والرافضة لأي تطور وترى كل تقدم في الحياة بدعة يكفر بها الدين والتقاليد ويتبرأن من فاعلها ومتبعها . هذه العقول المتحجرة كانت سببا لأنانية صالح واهتمامه بنفسه فقط وحرصه على تحقيق مصالحه وأهدافه دون النظر في مصالح الأخرين والتي قد تتعارض مع مصلحته حتى وإن كان صاحب المصلحه أقرب الناس إليه كما حصل مع ابنه يوم أصيب بالمرض وهم بحرقه حيا من أجل ألا تخسر تجارته .
ما لا يعجبني بصالح التركي تهوره دون مبرر وتوقعاته التي كثيرا ما تخطئ وتحميله للأخرين أسباب فشله وانتكاساته .
هذه هي الشخصية المحلية التي تحتل جزاء من ذاكرتي وتتزاحم بعض الأحيان مع بعض الشخصيات العالمية لكنها بلا شك لا تتفوق عليها.
البروفسور
محمد باخيل يقول: العصفورية , كانت من نوادر هذا الزمان الذي كثرت فيه الأمثلة المتقاربة وأشباه القصص والروايات المستنسخة من مثيلاتها . لن ادعي أني مررت بها عجلاً وجلاً ! . كانت الضحكات تتوالى عندي ويتبعها العجب ثم السخط الشديد على القدرة الرهيبة لتوظيف أكثر من شخصية تاريخية سياسية بصورة رمزية داخل صورة رجل واحد وبأنماط مختلفة ثم خلق شخصية تلعب دوراً سياسياً تارة ثم هي رمز معاناة وألم وتوجه عام..
البروفسور العجيب في رائعة الأدب العربي (العصفورية) هذه الصورة التي رسمها كاتبها بطريقة بارعة وعبأها سخرية من الشارع العام وهو يتحدث منهم وعنهم ! , توقفت معها مراراً ...
كانت بلا مواربة . أو تورية أعجوبة بين القصص , وأسلوب القصيبي الذي يشدك ويحفزك على المتابعة ورمي إفراط المجتمع في الجدية خلف ظهرك ! .
شخصية البروفسور حاولت فك رموزها . وسبر أغوارها , رغم وضوحها إلا أن شعرة اللغز الوحيدة لم افلح بإمساكها وخيط الفكرة الذهبية لم أتوصل إليه .. سأقول صدقاً أني عشت داخل لعبة الكنز وخرجت فاشلاً فشلاً ذريعاً غير أني اكتسبت شيئاً من البهجة وكثيراً من الضحكة افتقدها منذ زمن ! , ولن أنسى السخرية (التي تشبعت بها) من الواقع وتاريخ القرن الأخير من البطولات الزائفة . حتى ما عادت للشعارات المزيفة أي قيمة بجانب كم الضحك عليها ومحاكمتها بسخرية في مستشفى المجانين (العصفورية) الذي أدخلني إياه غازي القصيبي ! أو اعتقد اني كنت احد المحلفين بها ! . استفقت بعد مضي أيام من خروجي من (عنبر المجانين) الذي حبسني فيه البروفسور ! , عدت إلى الوعي بالواقع . تميزت من الحنق , تباً للعصفورية كانت جرعة قوية مريبة ومخيفة من فن الجنون!.
ابو شلاخ
وترى خلود الحارثي: من أكثر الشخصيات التي بقيت عالقة بذهني في رواياتنا المحلية شخصية "أبو شلاخ البرمائي" وهو بطل رواية لغازي القصيبي تحمل نفس الاسم ..
"أبو شلاخ البرمائي" اسم الشهرة ليعقوب المفصخ وسُمي به لكثرة شلخه -كذبه- الذي كان يمارسه في البر والبحر (برمائي).
وهذا الشلخ لم يكن سوى محاولة لتفسير ما حدث ويحدث بطريقة الكذب الذي يحمل جزءا من حقيقة ما ،وأمنيات لم ولن تتحقق ،وأحلام يقظة وغير يقظة .
وظف أبو شلاخ كل ما يعرفه خدمة لأفكاره وأمانيه،وهذا يشمل جميع مجالات الحياة من سياسة واجتماع واقتصاد وثقافة وفن وحب و.. ..
لم يكن شلخه إلا محاولة لكشف المجتمع بطريقة ساخرة وفكاهية تعلق بالذهن سريعاً ولا تغادره بسهولة وربما لا تغادره أبداً .
تحدث عن السياسة كثيراً من الحروب العالمية للصراع العربي/ الإسرائيلي ودور أمريكا فيه ،إلى الصراع العربي /العربي ..
وعن الاقتصاد من البترول ومد "خطوط التابلين" ، إلى الشيوعية والرأسمالية ،إلى شركة "أم سبعة" ومجالاتها المتعددة من بيع لبن العصفور لبيض الصعو ل"التدوير"- شراء السيارات وبيعها - لمزارع الجراد ،والأشجار العائلية وغيرها..
كما تتطرق للعنصرية والعصبية والصراع بين اللغة الفصيحة واللهجات العامية .
أكثر ما وفق فيه أبو شلاخ هو اختياره لأصدقائه ..فكل واحد منهم يختص بعلم أو فن يستغله أو يستثمره على أكمل وجه من "طبيبان لنحيتان لتمرين أبو الحش ......".
ربما ننعت الرواية بالكذب المتصل لكن النقاد قالوا قديماً: "أعذب الشعر أكذبه" والشعر كان ديوانهم والرواية اليوم هي ديواننا كما يرى الدكتور جابر عصفور .واعتقد أن كذباً يقدم لنا الحقيقة ليس إلا مجازاً لها ،بل وأبلغ منها .
السخرية أكسبت الرواية بُعداً فكاهياً مازال عالقاً بالذاكرة يرسم ابتسامة كلما رأيت "ولعة أبوسيكل" على إحدى الفضائيات.
خالد الصامطي - عبدالله العنزي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.