كتاب "سراب الأسواق العالمية" نتاج عملية بحث وتعليم ونشر مرتبطة ببرنامج ماجستير إدارة الأعمال في إدارة التسويق الدولي في كلية الأعمال بجامعة هارفارد؛ الكلية التي أدارها المؤلف ديفيد أرنولد مدة ست سنوات. لكن الكتاب ليس كتابا جامعيا الهدف منه اكتساب معرفة والإحاطة بالقضايا الأساسية في مجال الأسواق والتسويق الدوليين. بل هو عبارة عن مجموعة مقالات تتناول التحديات الكبيرة التي تواجه مديري الإنتاج، ورجال التسويق، والمخططين الاستراتيجيين، وكبار رجال الإدارة التنفيذية؛ في محاولة لجني فوائد شبكة عالمية من الأسواق المحلية. والسياق الذي يدور حوله الكتاب يتمحور حول رؤية المؤلف لوجهين أساسيين للساحة العالمية. الأول، هو فكرة أن أية شركة ناضلت في الأسواق العالمية تعرف أن عملية دخول هذه الأسواق والنمو بداخلها هي مهمة شاقة. ويعتقد أرنولد أن هذه العملية تزداد صعوبة بسبب جنوح الشركات إلى أن تعامل السوق الدولية كما لو كانت امتدادًا لعملها الحالي ومصدرًا من مصادر زيادة إيرادات المنتجات أو الخدمات التي تقدمها. وهي لا تعرف أن النفاذ إلى سوق في بلد جديد هو عملية شبيهة إلى حد كبير بدخول السوق لأول مرة، ومعنى دخول السوق لأول مرة هو أنه لا مبيعات، ولا وجود لبنية تسويق، ومعرفة ضئيلة تكاد لا تذكر بالسوق. وبسبب افتقار الشركات إلى هذه المعرفة، فإنها حين تدخل الأسواق العالمية تجد نفسها تواجه عقبتين محبطتين: الأولى، أنها غالبًا ما تسعى وراء فرصة العمل الدولي من خلال التركيز على تقليل المخاطر والاستثمار، وهو نهج يسير على النقيض تماما من النهج اللازم لدخول السوق لأول مرة. ثانيا: الكثير من الشركات يخالف العمل بالمبدأ الأساسي الذي يقول إن اختراق السوق لا بد أن يبدأ بتحليل السوق، وبعد هذا التحليل تحاول الشركة أن تقرر أي المنتجات والخدمات سوف تقدم وأي برامج التسويق سوف تتبع. وعندما تنظر الشركات للأسواق الدولية بوصفها فرصًا لزيادة المبيعات الحالية، فهي تتبنى (هذه الشركات) مبدأ "إعطاء دفعة للمبيعات" بدلا من نهج المبيعات التي تحددها حركة السوق، وما ينجم عن ذلك من أداء مخيب للآمال في أغلب الأحيان. وفي الجانب الثاني، يشير أرنولد إلى أن الشركات تنمو بشكل أكبر، وفقا لمقياس إيرادات المبيعات، وأغلب هذه الشركات يعتمد على الأسواق الدولية في زيادة الإيرادات. وبالرغم من القول إن هذه الشركات هي شركات عالمية، وإن منتجاتها توزع في عدد متزايد من الدول لكن هذا لا يعني أن هذه الأسواق هي أسواق عالمية؛ بل على النقيض تمامًا، والسبب يكمن في الابتكارات بمجال تكنولوجيا المعلومات التي حولت هذه الأسواق إلى أسواق شديدة المحلية. ومن ثم فإن الطريق الجديد للنجاح بالنسبة للشركات العالمية هو أن تُدار بطريقة عالمية وأن تُسوق بشكل محلي. يضع كتاب "سراب الأسواق العالمية" قضايا التخطيط ودخول السوق، والمنتجات، واختيار العلامات التجارية، والترويج، والتوزيع، وإدارة المستهلك، والتسعير في مختلف الأسواق، والتنظيم وغيرها في إطار عام يعالج كل تلك المشاكل. وأما أكثر الوجوه قدرة على تشكيل المستقبل في هذا الإطار فهو التمييز بين المعرفة بالسوق والمعرفة بالتسويق. وقيام أرنولد بتوضيح الفارق بين الأمرين يقدم معرفة بالطرق العديدة والدقيقة التي تبين أن التسويق الدولي مختلف عن التسويق التقليدي، كما يبين سبب هذه الاختلافات وسبب تعاظمها، ويبين أيضا العديد من السبل الفعالة للتأثير في عملية التحول هذه. وفائدة هذه المعلومات القيمة لا تقتصر على تبديد العديد من الافتراضات التي تقف خلف بعض العيوب وأوجه الخلل الشائعة في التسويق الدولي، بل إن المؤلف يقدم الأساس لفهم معظم المبادئ الحاكمة للتحرك في السوق مثل: " إن أفضل استراتيجية لدخول السوق ليست هي بالضرورة أفضل استراتيجية لتطوير السوق" و"المبيعات الكبيرة تتطلب السيطرة وليس المعايرة (أو التوحيد القياسي)" و"لا حاجة للربط بين النمو الاقتصادي لبلد ما وزيادة تسويق المنتجات بهذا البلد". وما يمكن للقارئ أن يستشفه من هذه المفاهيم هو أن أساسيات التسويق هذه ذات فائدة عملية لا سيما في الساحة الدولية الحالية التي تشهد أسواقًا ذات صبغة محلية وصناعات متنوعة على نحو متزايد. وهذا الدرس يقدمه أرنولد في صورة العديد من الإرشادات والوصفات العملية التي يمكن للشركات أن تستعين بها كي تضع هي بنفسها مشروعها الشامل لزيادة قدرتها على تحقيق الأرباح في عالم من الأسواق المحلية. The Mirage Of Global Markets How Globalizing Companies Can Succeed As Markets Localize By: David Arnold 250 pp. Financial Times Prentice Hall