ذُو العَقْلِ يَشْقَى فِيْ النَّعيم بِعَقْلِهِ وأَخُو الجَهَالَةِ فِيْ الشَّقَاوةِ يَنْعَمُ رأيٌّ تبنَّاه أبوالطيِّب المتنبي، مؤكداً أن «العقل» تلك الهِبَة الإلهية والنعمة الربَّانيَّة قد تكون وبالاً على صاحبها، فتُتعبه وتُشقِيه ولا يشعر بطعم الحياة ولا بلذَتِها كونه يُفكِّر في كل شيء ويُحلِّله، ويُهمه النظر في عواقب الأمور ودراسة الأوضاع قبل الإقدام على أي شيء، وهو ما يجعله يخسر الكثير من المُتَع العاجلة المباحة. ويؤيده فيما ذهب إليه الشاعر العباسي ابن المعتز المعروف ب «خليفة اليوم والليلة» حيث قال: وَحَلَاوَةُ الدُنْيَا لِجَاهِلِهَا وَمَرَارَةُ الدُنْيَا لِمَنْ عَقَلا وليس ابن المعتز وحده من يقف في صفِّ المتنبي موافقاً وشاداً على يديه، فكل ما نتناقله اليوم عبر «واتساب» وشبكات التواصل الاجتماعي المتعددة من رسائل ووسائط تحمل نُكَتَاً وطرائف عن فئة «المحششين»، والتي كانت حتى وقتٍ قريب فئة مُسْتهجنَّة فأصبحت «بأيدينا لا بيد عمرو» فئة لطيفة الرُّوح، خفيفة الظل، وهو ما يُرسِّخ للقاعدةٍ التي تبنَّاها المتنبي وابن المعتز في زمانهما -لسببٍ ما- أظنُّه طارئاً، ولم يقصدوا حقيقة ما يتبادر إلى أذهاننا اليوم. نحتاج انتفاضة يُشارك فيها الصغار قبل الكبار حمداً وشُكراً لله تعالى اليوم.. صرنا نُعزِّز لدى أبنائنا جيل المستقبل الواعد، ومن نحلم لهم بغدٍ أفضل ونعمل من أجل تحقيقه، بأنَّه لا بد أن يتخلص من «عقله» ليعيش بشكلٍ أفضل، ويضحك من أعماقه، ويشعر بالدنيا، ويستمتع بالحياة. نقول لهم بشكل غير مباشر: تخلَّصوا من عقولكم لتنسوا العالم القريب، وتنتقلوا إلى عالم آخر نعجز عن وصفه لكم لتُصبحوا سُعداء. والأدهى والأمر أننا نُوصل إليهم رسالة مَفَادُها «تنازلوا عن عقولكم» وسيُحبكم الجميع ويأنس لمُجالستكم ويستظرف ردودكم «الذكية» المُفحِمة التي تُصيب في مَقْتَل، أو «في الجَبْهَة» كما هو مُتعارف عليه بين الشباب في الشبكات التفاعلية. مَسْلَكٌ خَطِر يسلُكُهُ عاقلنا وجاهلنا وننسى أو نتناسى أنه سيُوصلنا وأبناؤنا إلى نتيجة واحدة لا محالة لخَّصها المتنبي وابن المعتز في بيتٍ من الشعر «وإنَّ من الشِّعر لحِكمة». نحتاج اليوم إلى انتفاضة شديدة كانتفاضة أطفال الحجارة قبل أكثر من 25 عاماً، التي ظلَّت حديث الإعلام والمجتمع لسنوات طِوال، لا لقوتها فَحَسب بل لقوة أثَرِها على العدو الاسرائيلي ذلك الوقت. نحتاج انتفاضة يُشارك فيها الصغار قبل الكبار حمداً وشُكراً لله تعالى على نِعْمَة «العقل» التي يستدلُّ بها المرء على ما ينفعه في دينه ودنياه وآخرته، ومَنْ حُرِمها فقد حُرِم خيراً كثيراً، ورفع عنه القَلَم فيُلقَّب بشيء آخر ولعله يُرحَّل إلى «شهَار» وهو مَصيف جميل لقضاء بقية عمره. العقل الذي وَضعَهُ الله جلَّ جلاله في القلب فاستجاب له الدماغ، وانصاعت لأوامره بقيَّة الأعضاء طواعيةً وبلا أدنى مُقاومة، فكان القلب موطن القرار ومآل التفكير، وهو ما اكتشفه فريق طبي أمريكي مؤخراً، حيث أثبتت الدراسات وجود مجموعة من الخلايا العصبية في جدار القلب، وهي المسئولة عن اتخاذ القرار لدى الإنسان. والخالق سبحانه وتعالى قد قال مُثبتاً ذلك في محكم التنزيل((أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)) الحج-46. عوداً على بدء أقول: الحذر ..الحذر من تداول طرائف مَنْ أذهبوا عقولهم بأيديهم وجَنَوا على أنفسهم ومجتمعهم، حتى لا يكونوا لنا أداةً للضحك والتندُّر، ولأبنائنا قُدوة في سِعَة الصدر وراحة البال، وقد كنَّا في طفولتنا نُشير بأصابعنا مابين الشفاه والجبهة ونردد «الحمد لله والشكر» إذا رأينا فعلاً منافياً للعقل ونقصد بذلك شكر الله تعالى أن منحنا نعمة العقل. والشاعر المُلهم يقول : المَرْءُ بالعَقْلِ مِثْل القَوْسِ بِالوَتَرِ إذَا فَاتَهَا وَتَرٌ عُدَّتْ مِنَ الخَشَبِ ولأنني أحببت قصيدة المتنبي «لهَوَى النُّفُوسِ سَريرَةٌ لا تُعْلَمُ» التي استفتحت بها مقالي، فأنا أوصيكم بها لتتذوقوا جمالياتها كما تذوقتها، ففيها من الحكم الكثير ولعلي أعود لتناولها يوما ما. قبل الوداع: سألتني: نشاطٌ نُفِّذ في القُرْب فتمنيتِ لو أُتيحت لكِ فُرصة زيارته؟ فقلت: اليوم العالمي للطفل العربي والخليجي الذي أقامته سايتك بالخبر مطلع الإجازة، فقد تناهى إلى سمعي تميُّز الفريق القائم على التنظيم «فريق لنتفكر التطوعي»، وتعاونه الجميل مع جميع الجهات المشاركة، فبوركت للجميع جهودهم، وبُورك مركز الأمير سلطان للعلوم والتقنية الذي عوَّدنا على احتضان كل نافع وجميل. [email protected]