يقول المعجم: الخرافة لغة: المستملح المكذوب. واصطلاحا: معتقد لايقوم على أساس من الواقع. والخرافة تنشأ حين يتوهم الإنسان علاقة (علية) ضرورية بين ظاهرتين، بينما تكون هذه العلاقة عرضية طارئة، وقد انحدرت الينا من انسان العصر الحجري. انسان العصر الحجري لم يكن أمامه غير طريق الخرافة لفهم اومحاولة فهم ما حوله من الظواهر، ولكن الخرافة بقيت منذ ذلك العصر حتى يومنا هذا. لقد اصبحت سلوكا ذهنيا يسيطر على الملايين من البشر، ونلمسه في كثير من العادات والتقاليد. انك حين تقرأ كتابا من كتب التاريخ عندنا تجد ان الخرافة قد ضربت اطنابها في اغلب مايرويه، خذ مثلا (الكامل في التاريخ) لابن الأثير، وهو من الكتب المهمة والمؤثرة في ثقافتنا، فستجد انه يروي اشياء لاتخطر على بال. خذ مثلا هذه الحكاية التي يرويها في ج1 ص112: (ان الله ارسل ملك الموت ليقبض روح النبي موسى فلطمه ففقأ عينه، فعاد وقال: يارب أرسلتني إلى عبد لا يحب الموت، قال الله: ارجع له (...) فعاد إليه وقبض روحه). يقول الدكتور عزيز العظمة: (ليس التاريخ علما بالواقع، بل معرفة بخبر عن الواقع) واي خبر كما هو معروف لنا جميعا يحتمل الصدق والكذب. وهذا ما يلام عليه ابن الأثير لأنه لم ينقل الخبر ويسكت، بل عقب عليه قائلا: (وهذا القول صحيح قد صح النقل به). ان اقل تفكير في هذه الرواية يجزم بأنها مجرد خرافة لانها تتنافى مع نبوة موسى: فالانبياء لا يمكن ان يسلكوا مع الملائكة هذا السلوك، ثم انها تتنافى مع صريح الآية (فإذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعة ولا يستقدمون). ما ذكرته حتى الآن تاريخ، ولكن حين ندع التاريخ ونأتي الى سلوكنا الذهني، وبخاصة طريقتنا في التعليل نجد انه سلوك تقوده الخرافة، لأنه لايستند الى تعليل الاشياء والظواهر تعليلا علميا. ان مثل هذا الموضوع يحتاج الى كتاب أي لاتكفي فيه حلقة او بضع حلقات، ولكني احببت فقط ان اعبر عن ذهولي وانا اقرأ كتاب ابن الأثير، وقبله مروج الذهب للمسعودي الذي لايقل عنه نقلا للخرافة.