وصلت امس الى فرنسا ملكة بريطانيا اليزابيث الثانية في زيارة دولة تستغرق ثلاثة ايام بمناسبة مرور مائة عام على معاهدة التفاهم الودي التي ارست أسس العلاقات الودية بين الدولتين. واستقبل الرئيس جاك شيراك الملكة اليزابيث في ساحة الكونكورد قبل ان يرافقها الى ساحة قوس النصر حيث ستضع اكليلا من الزهور على ضريح الجندي المجهول. وعلى الرغم من الاجراءات الامنية المشددة، أصر الدبلوماسيون البريطانيون على تمكين الملكة من لقاء الجمهور وخصوصا في حي مونتورغوي الشعبي في قلب باريس القديمة، وفي متحف اللوفر حيث ستزور جناح المعرض البريطاني. وتشكل زيارة الدولة الرابعة التي تقوم بها ملكة بريطانيا الى فرنسا، بداية احتفالات لاحياء الذكرى المئوية لاتفاق "التفاهم الودي" الذي وقع في الثامن من ابريل 1904 بهدف انهاء النزاعات الاستعمارية الفرنسية البريطانية. وقالت الشرطة انها فرضت قيودا على حركة السير خلال زيارة الملكة اليزابيث، لضمان امنها. الى ذلك يشكل التفاهم الودي الذي تحتفل بريطانياوفرنسا خلال العام الجاري بالذكرى المئوية الاولى لابرامه، الوثيقة التأسيسية للعلاقات الودية بين البلدين التي كرست تقاربا بينهما بعد سنوات من الخلافات والنزاعات. ولم يكن الاتفاق الذي نشر في الثامن من ابريل 1904 في اعلان مشترك حول نفوذ لندنوباريس في مصر والمغرب يرتدي في ظاهره اهمية كبيرة، سوى اتفاقية ملزمة الى حد ما تهدف الى "رسم حدود" الطموحات الاستعمارية للقوتين العظميين. ويؤكد المؤرخون ان الفضل في ابرام هذا الاتفاق يعود اساسا الى رجلين هما ملك بريطانيا ادوارد السابع ووزير الخارجية الفرنسي تيوفيل ديلكاسيه الذي كان يساعده في لندن سفير مطلع بعمق على الشؤون البريطانية يدعى بول كامبون. وكانت خطوة اولى على طريق التقارب بين البلدين جرت في سبتمبر 1843 عندما عقد الملك لوي فيليب والملكة فكتوريا لقاء في قصر قرب روان غرب فرنسا. وقد زرعا حينذاك شجرتين -- شجرة بلوط واخرى زان -- اصبحتا رمز المصالحة الوطنية بين فرنساوبريطانيا. وكادت المطامع الاستعمارية لكل من البلدين تدفع بفرنساوبريطانيا الى حرب في نوفمبر 1898 في المواجهة الخطيرة التي جرت في فاشودا في السودان وتراجعت فيها القوات الفرنسية امام الجنرال كيتشنر في حادث اعتبره الرأي العام الفرنسي مهينا. لذلك لم تكن الوثيقة عديمة الاهمية لكنها كانت ترتدي طابعا رمزيا كرس التحالف بين فرنساوبريطانيا في الحرب العالمية الثانية. واصبح هذا الاتفاق الوثيقة التأسيسية للعلاقات الودية بين فرنساوبريطانيا ومرجعا تاريخيا لوح به السياسيون في البلدين مرات عدة للتأكيد على المصالح المشتركة للبلدين. وبهذا التفاهم الودي استعادت فرنسا التي هزمت في 1870 وعزلتها المانيا بسمارك المنتصرة، مكانتها بين القوى العظمى.