تميَّز خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - بمبادراته العالمية التي ينادي بها في رحلاته الخارجية الرسمية، حيث يسعى دوماً أن يعم السلام في الأرض، وينشر الحوار بين الأمم، انطلاقاً من قناعاته الراسخة بأن المملكة ليست بمعزل عن العالم وما يجري فيه، ولها وزن سياسي واقتصادي بارز ومؤثّر، وبالتالي كان لها دائماً دورها في الانسجام مع هذا العالم، إضافة إلى دورها في الحفاظ على أمنه وسلامته واستقراره، ودورها في التعاون معه لأجل إحقاق الحقوق وتكريس الواجبات، ودورها في بلورة المصالح المشتركة إلى أعمال على أرض الواقع.ولعل هذه المنهجية التي التفت إليها وعمل على تدعيمها مؤسس هذا الكيان الملك عبد العزيز - رحمه الله - هي ذات المنهجية التي حرص الملك عبد الله على استمرار تواترها وتواصل حصد ثمارها، بل إن الملك عبد الله ظل دوماً يحمل في قلبه ذلك الوفاء الكبير للمؤسس، كما استمر وفياً في تنوير الآخرين بما فعله هذا الملك العظيم على أرض المملكة من تجربة توحيدية لن ينساها التاريخ. الملك في أوروبا كان الملك عبد الله دائماً على معرفة عميقة بالدور الأوروبي التاريخي والمهم في معادلات الحرب والسلم على ظهر الأرض، كما كان على دراية عميقة بالثقل الأوروبي فيما ينتظم العالم من تقدم سواء في المجالات العسكرية والأمنية والصناعية والعلمية والتقنية أو في توازن القوى والمصالح الدولية. كما أن الملك عبد الله كان حريصاً على التوازن في علاقات المملكة الدولية، حيث عرف أن مصالح بلاده تقتضي هذا التوازن بما يجنبها السلبيات المتوقعة من الانفتاح المحصور في أقاليم وكتل دولية دون غيرها. وإضافةً إلى كل ما سبق ظل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله مستشعراً الدور القيادي للمملكة على الصعيدين العربي والإسلامي، والواجب المترتب عليها في الدفاع عن الحقوق العربية والإسلامية كافة. الملك في المملكة المتحدة جاءت الزيارتان اللتان قام بهما الملك عبد الله بن عبد العزيز إبان توليه ولاية العهد إلى بريطانيا في مارس 1984م وفي يونيو 1988م تكريساً للعلاقات السعودية - البريطانية المتميزة والوثيقة، حيث يعود بدء هذه العلاقات إلى اللقاء التاريخي الذي جمع بين الملك عبد العزيز - رحمه الله - ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق السير ونستون تشيرشل عام 1945م في القاهرة. وقد وصف الملك عبد الله العلاقات السعودية - البريطانية بقوله: (لقد ولدت صداقتنا في عهد الإمام فيصل بن تركي، وترعرعت وشبت في عهد الملك عبد العزيز، وإنها لترافقنا اليوم في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز.. صداقة لن يعكر أجواءها سحاب أو عاصفة؛ فهي تكتشف حتى في سوء التفاهم المزيد من الأسباب للمزيد من التعاون والتفاهم؛ فهي لا تعتمد فقط ميزان المدفوعات ناظماً لعلاقتها...). هكذا كان الملك عبد الله يوضح القدم الراسخة للعلاقات الثنائية بين المملكة وبريطانيا، وهو ما يجعل الطريق ممهداً لكل تفاهم حول مختلف القضايا، بل يشير صراحة إلى أنه حتى في حالات وجود سوء تفاهم فإن ذلك يتيح فرصاً جديدة للمزيد من التعاون والتفاهم. إن مثل هذا الحديث يضع نقاطاً مهمة على حروف مستقبل العلاقات الثنائية، ويضع رؤية ناضجة تقرأ احتمالات المستقبل وتضع المآلات الإيجابية لحدوث أي اختلافات، وفي ذلك رهان على استمرارية العلاقات لتكون دوماً جسراً لحل كل القضايا التي تهم البلدين الصديقين. وبعد هذا التمهيد يعرج خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله إلى بيت القصيد، وهو إرسال الرسائل الأخرى التي تستفيد من مناخ الصداقة، والتي تعكس هموم واهتمام المملكة باعتبارها رأس الرمح في دعم القضايا العربية والإسلامية؛ فيشير مباشرة وبشكل صريح إلى قضية القضايا، وهي قضية الشعب الفلسطيني قائلاً: (منذ شهور سبعة وأطفال الشعب الفلسطيني وشيوخه ونساؤه ورجاله يتصدون بالحجارة لرصاص الجيش الإسرائيلي وغاراته، إنهم يناضلون في سبيل استعادة حقوقهم المشروعة، حقهم في تقرير مصيرهم، وحق إخوانهم في العودة إلى ديارهم، وحقهم في إنشاء دولتهم المستقلة على تراث وطنهم، وقد كنا نأمل أن الانفراج النفسي الذي خيم على المنطقة سيدفع إسرائيل نحو التحالف والتاريخ، لا نحو اعتراض مجراه؛ لاعتقادنا أن من يرفض رؤية الحاضر بعيون المستقبل لن ينجو من كوارث الماضي). ولأن مثل هذه الأحاديث تأتي كوثائق في سياق المواقف المبدئية للملك عبد الله عبر مسيرته السياسية، فإن الكلمات هنا تحمل معاني المدلولات الآنية للحدث، كما تحمل - في نفس الوقت - المدلولات المستقبلية والمستمرة للمواقف؛ ولذلك فإن الإشارة إلى مقاومة المحتل بالحجارة في فلسطين، ثم الربط الباهر بالمستقبل من خلال عبارة (من يرفض رؤية الحاضر بعيون المستقبل لن ينجو من كوارث الماضي) حملت الدلالة العميقة على اتساع مساحة الوعي لدى الملك عبد الله بضرورة التعامل مع مواقع التأزم برغبة حقيقية في العمل على انفراجها، وهي رؤية أكدها مكاناً في بريطانيا، حيث الدولة التي ينتظر منها دور في تحقيق الانفراجات العادلة لمشكلة مزمنة كانت سبباً في آلام شعب بريء، بل كانت سبباً في الكثير من الآلام للمنطقة ككل بما جعل التداعيات تمتد لتؤثر في كل دول العالم. ومع اطلاع الملك عبد الله العميق على مواقف الدول فإنه يسعى في زياراته إلى الاستماع عن قرب لوجهات نظرها، وتدارس مواقفها معها؛ ففي ذلك جلاء للصورة، وتوضيح للمسار الذي يمكن انتهاجه في التقارب لدعم الألفة والمودة بين الشعوب؛ باعتبار ذلك الخطوة الأولى لإزالة الشوائب وإحقاق الحقوق. ويدل على هذا الأمر ما ذكره الملك عبد الله وهو يوضح الهدف من زيارته إلى بريطانيا في الثاني والعشرين من جمادى الأولى 1419ه الموافق 13-9-1998م فعند مغادرته الرياض لأداء الزيارة قال: (من أهداف زيارتنا هذه الاستطلاع والتعارف؛ أخذاً بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، والتعارف في هذا النداء الإلهي الجليل يتسع باتساع فهم الإنسان لحكمته في الإسلام، ولأننا في المملكة العربية السعودية قبلة المسلمين نشعر بأهمية مكاننا من الإسلام والمسلمين، جاءت زياراتنا هذه على مفهوم خارج الحسابات السياسية التي ربما تأتي مفاهيمها على درجة كبيرة من الجهل بفضائل الإسلام وقيمه وتراثه الحضاري والتاريخي والإنساني، فليس أخطر على الإنسان اليوم من سوء الفهم لتعاليم الدين الحنيف المنافي للعصبية والعنصرية؛ فالناس سواسية أمام عدل الله ورحمته..). ولقد حمل الملك عبد الله كل تلك المشاعر والرؤى الثاقبة في زيارته تلك، بل في كل زياراته، وبث أفكاره تلك لمراكز السيادة والقرار؛ ليطرح بعدها القضايا في بُعدها الثنائي بين المملكتين، وفي بعدها المتعلق بالعلاقات البريطانية مع قضايا العرب والمسلمين في كل البقاع. وقد التقى الملك عبد الله في زيارته تلك بالملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا، وكان ذلك في الثالث والعشرين من جمادى الأولى 1419ه، كما أجرى الملك عبد الله مباحثات رسمية مع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في مقر رئاسة الحكومة في داوننج ستريت تناولت العلاقات الثنائية بين البلدين، كما تناولت أهم الأحداث الدولية، وبوجه خاص ما يتعلق بعملية السلام. وقد أفاد بيان الحكومة البريطانية عقب المباحثات بأنها تركزت حول تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، كما أفاد البيان بأنه فيما يتعلق بعملية السلام في الشرق الأوسط فإن الجانبين اتفقا على أهمية التوصل إلى حل يؤدي إلى إحلال سلام شامل وعادل في المنطقة وفق مقررات الأممالمتحدة وعلى أرضية اتفاقية أوسلو، وتحقيقاً لمبدأ الأرض مقابل السلام. ومن كل ما سبق يتضح أن زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز لبريطانيا لم تكن بداية جولة استطلاعية معتادة أو رد زيارة مجاملة بقدر ما تمثلت في بريطانيا أولا بتلك الجدية في المباحثات التي كانت عبارة عن ساعات عمل متواصلة شغلت وقته وطاقم الاختصاصيين المرافقين من كبار مساعديه مع أهم الشخصيات البريطانية، والتي تتضح أهمية ما تم تناوله في ساعاتها المتوالية طيلة أيام الزيارة بأنها شملت تلك الحيثيات محليا وأوسطيا ودوليا وجميعها ذات اهتمام مشترك لدى الطرفين، يزكي ذلك ما يجب الإشارة إليه من أن المملكة تمثل استقرارا فريدا في المنطقة مثلما هي تمثل استمرارية متجددة في وضوح السلوكية السياسية والاقتصادية التي يمكن الركون إليها والتعامل مع خصائصها الواضحة. لقد تناول كثير من الصحف البريطانية مثل الجارديان والتايمز وغيرهما وسياسيون مثل جفري فاندام الدبلوماسي السابق الذي عمل في عدد من الدول العربية والكاتب المعروف روجر هاردي ومايكل بينتون وإيان بلاك هذه الزيارة لا كلقاء مجاملة يعقده الأصدقاء بين وقت وآخر، ولكن بتكريس التأكيد على أهمية الحيثيات الخاصة والعامة التي كانت موضوع الزيارات المتوالية وبالذات في بريطانيا التي لم تقتصر عبارات المتحدث باسم خارجيتها على تأكيد الترحيب بالضيف الكبير، ولكنه تناول عددا من الأمور الهامة التي هي جديرة بالحوار المشترك في مثل هذه الظروف. المحطة الفرنسية ومحطة فرنسا هي محطة رئيسة وأساسية لكل كيان يريد أن يؤدي دوره المأمول في المجتمع الدولي. هذا ما استشعره الملك عبد الله بن عبد العزيز وهو يضع باريس على قائمة أولوياته الخارجية. ففرنسا دولة ذات ثقل دولي كبير، فضلا عن أنها ذات اقتصاد مميز استطاع أن يوازن بدقة ومهارة بين الموارد المعدنية للبلاد وبين الموارد الزراعية. أما سياسة فرنسا الخارجية فإن أهم ما يميزها هو الاستقلالية الواضحة عن السياسة الأمريكية، ومحاولة لعب دور فاعل في السياسة العالمية وفي المنطقة العربية. كما أن هناك تنافسا تقليديا بين فرنسا وكل من ألمانيا وبريطانيا على زعامة أوروبا، وتتميز سياسة فرنسا الخارجية بالطابع الأخلاقي وتعطي اهتماما خاصا بالعلاقات الثقافية، وهناك تعاطف تقليدي مع إفريقيا من خلال تنظيم الفرانكفونية. إذن فقد ظل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله مهتما بفرنسا اعترافا بدورها المهم في مجال التوازنات الدولية، وثقلها الاقتصادي والعلمي، ولكن يضاف إلى كل ذلك وجود شخصية مثل الرئيس جاك شيراك على سدة الحكم في فرنسا، فهو حامل إرث الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول صانع الجمهورية الخامسة الذي خرج من الحرب العالمية الثانية بتحرير بلاده من الاحتلال الألماني ليكرس استقلال القرار الفرنسي وسط المعسكر الغربي وخاصة فيما يتعلق بالقضايا العربية، وهو القرار الذي شهد تحولا جذريا منذ اللقاء التاريخي الذي جمع جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز - طيب الله ثراه - بالرئيس ديغول في باريس في يونيو 1967م، كما روى أحداثه الدكتور معروف الدواليبي في مذكراته المنشورة في مجلة اليمامة. كما يشير كتاب صادر عن وزارة الخارجية الفرنسية إلى أنه يمكن فهم سياسة فرنسا الخارجية التي تم وضعها بناء على توجيهات الجنرال ديغول في الستينيات على إيلاء قيمة خاصة لاستقلال القرار، وأن عددا من المبادرات الدبلوماسية الكبرى في الشرق الأوسط أو آسيا، على سبيل المثال، برهنت على أن فرنسا وحدها هي سيدة تحليلات واختبارات سياساتها الخارجية، ولم تهن تلك الإرادة على مر العقود. يقول خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله: (أتوجه إلى فرنسا لأني أفتقد أصدقائي الشعب الفرنسي ورئيسه جاك شيراك، وهو صديق عزيز ومخلص، وبالحقيقة فإن شيراك رجل نادر في هذا الزمن، أو هكذا أراه، رجل يتميز بأخلاقه وإخلاصه وصداقته وإنسانيته وصراحته وحرارته البشرية). وفي زيارة الملك عبد الله لباريس التي امتدت من 16 - 19 سبتمبر 1998م، كان على رأس الأهداف دفع الدماء في شرايين اتفاق الشراكة الإستراتيجية الشاملة التي كان قد وضع أسسها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز -رحمه الله - والرئيس جاك شيراك أثناء زيارته للمملكة، وتعميق تعاون البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية. وقد لخص الملك عبد الله بن عبد العزيز متانة العلاقات الثنائية بين المملكة وفرنسا حين قال مخاطبا رئيس الوزراء الفرنسي: (إن الإيجابية التي اتسمت بها مباحثاتي مع فخامة الرئيس جاك شيراك ومع دولتكم تعيد إلى ذهني المحطات الهامة في تاريخ العلاقات السعودية، ويأتي في مقدمتها اللقاء الهام الذي جمع بين الملك فيصل بن عبد العزيز والرئيس شارل ديغول في شهر مايو 1967م والذي شكل منعطفا تاريخيا نتيجة لما أثمره هذا اللقاء من تفاهم عميق ومتبادل بين القيادتين وإدراك أفضل وأشمل لمصالحنا المشتركة..). وفي الحادي عشر من شهر ربيع الأول 1426ه (20 أبريل 2005م) تجدد الموعد مع زيارة جديدة للملك عبد الله إلى فرنسا، حيث أكد منذ وصوله إليها أنه يسعى لإقامة علاقات مع فرنسا تكون قدوة للآخرين، ودعا كل من يشكك في إمكانية قيام حوار بين الحضارات إلى النظر إلى العلاقة السعودية الفرنسية. وقد التقى الملك عبد الله مجددا بالرئيس الفرنسي جاك شيراك والمسؤولين الفرنسيين وفي مقدمتهم رئيس الوزراء الفرنسي جانب بيير رافاران، ودشنت هذه اللقاءات انطلاقة جديدة في مسيرة العلاقات بين المملكة وفرنسا، كما دعمت العلاقات بين البلدين وعملت على تقوية أركانها، وخصوصا في مجال التعاون الثنائي الشامل، وفي الاتفاق في وجهات النظر تجاه قضايا المنطقة العربية والشرق الأوسط والقضايا الدولية. وأظهر البيان الختامي للزيارة تطابق وجهات النظر حيال الكثير من القضايا المشتركة، سواء من ناحية لبنان وسوريا أو العراق وفلسطين، وأكد الجانبان على دعم استقلال واستقرار لبنان وقيام انتخابات حرة نزيهة من أجل الحفاظ على أمن هذين البلدين العزيزين على المملكة، وتضمن البيان الختامي تأكيد المملكة وفرنسا على ضرورة إعادة إطلاق مسيرة السلام والالتزام بالمبادرة العربية التي أقرتها قمة بيروت أولاً، ثم دعمتها قمة الجزائر مؤخرا والتي أطلقها سمو الأمير عبد الله في وقت سابق، بالإضافة إلى تأكيد الجانبين على أهمية وحدة وسيادة العراق والدعوة إلى إشراك جميع أطياف الشعب العراقي في العملية السلمية. وتطرق البيان الختامي إلى الاتفاق على تعزيز التعاون في ميادين الاقتصاد والاستثمار والثقافة، وهو ما أدى إلى تفاهمات سريعة وتطلعات واسعة بين رجال الأعمال في البلدين من أجل توسيع التعاون وتوثيق الروابط. زيارة الملك لإيطاليا كذلك كان للملك عبد الله زيارة لإيطاليا في 9 صفر 1420ه الموافق 24-5-1999م. وإيطاليا إحدى الدول الأوروبية المهمة التي ظل لها ثقل على المستوى الأوروبي، بل كان رقما فعالا وكبيرا في كثير من الأحداث الدولية التي أسهمت في تشكيل الصورة الحالية لعالم اليوم. وخلال تلك الزيارة اجتمع الملك عبد الله برئيس جمهورية إيطاليا كارلو انزيليو تشامبي وبرئيس الوزراء ما سيمو داليما، فضلا عن رئيس مجلس النواب ورئيس المفوضية الأوروبية المعين ووزيري الخارجية والدفاع الإيطالية، وخلال الزيارة ألقى الملك عبد الله كلمة في حفل الغداء الذي أقامه رئيس جمهورية إيطاليا المنتخب، ومما جاء فيها: (إن العلاقات السعودية الإيطالية لها من العمق التاريخي ما يجعلها متميزة. فالتاريخ يذكر أن إيطاليا بادرت بالاتصال بالمؤسس الراحل الملك عبد العزيز قبل اكتمال مسيرة التوحيد بغرض تقوية علاقاتها وتوج ذلك بمعاهدة الصداقة التي جرى التوقيع عليها في فبراير سنة 1932م. وبعد توحيد المملكة العربية السعودية أرسلت إيطاليا وفدا لتهنئة الملك عبد العزيز بذلك الإنجاز التاريخي الحضاري. ثم انتقلت العلاقات الثنائية إلى آفاق أوسع وأرحب من التعاون في مجالات عدة. وشكلت زيارة الملك الراحل فيصل لإيطاليا بداية مرحلة جديدة من العلاقات بين بلدينا. وإنني أتطلع من خلال هذه الزيارة إلى تعزيز العلاقات في مختلف جوانبها السياسية والاقتصادية والثقافية والتجارية لكي تصل إلى مستوى طموحات بلدينا الصديقين. فخامة الرئيس.. لا شك في أن عملية السلام في الشرق الأوسط تشكل اهتماما مشتركا بين بلدينا سعيا لإيجاد حل عادل وشامل للنزاع العربي الإسرائيلي. بما في ذلك القضية الفلسطينية وموضوع القدس الذي يشكل جوهر هذه القضية. إن خيار السلام الذي أعلنه العرب جميعا في قمة القاهرة الاستثنائية عام 1996م يفرض على الجانب الإسرائيلي الالتزام بمتطلبات العملية السلمية والوفاء بالتزاماته وتعهداته لمواكبة ذلك الخيار، ودون ذلك فإن مأزق عملية السلام سيستمر مع ما ينطوي عليه من نتائج وخيمة على أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط). وقد حملت الكلمة ذات الرسائل التي حرص عليها الملك عبد الله التأكيد على تعزيز العلاقات الثنائية، والاهتمام الكبير بعرض القضايا العربية والإسلامية العادلة لحشد الدعم الدولي لها بكل قوة وقناعة وحماس. زيارة الفاتيكان تعد الزيارة التي قام بها الملك عبدالله لحاضرة الفاتيكان ولقاؤه بالبابا يوحنا بولس الثاني من أبرز ملامح جولته الدولية الثانية، ولم يسبق عقد مثل هذا اللقاء على هذا المستوى. وتأتي أهمية هذا الحدث التاريخي من كونه يوفر فرصة فريدة للتحاور حول موضوع القدس الذي يشكل أهمية بالغة لكلا الطرفين، فحاضرة الفاتيكان شأنها شأن المملكة العربية السعودية تولي أهمية قصوى لمستقبل القدس وما يمكن أن تسفر عنه مفاوضات السلام فيما يتعلق بوضعية هذه المدينة. وكلا الطرفين عبر عن اعتقاد راسخ بأن أي حل لقضية الصراع العربي - الإسرائيلي لا يتضمن معالجة عادلة ومقبولة لموضوع القدس الشريف لا يمكن أن يكتب له الاستمرار ولن يوفر الاستقرار والسلام الدائمين اللذين تنشدهما شعوب المنطقة. والفاتيكان مثل المملكة، تعتبر الوضع الراهن للقدس غير قانوني ويكتنفه الكثير من الظلم والتعسف، وقد سبق للمسؤولين في عاصمة الكثلكة أن أعلنوا مرارا عن رفضهم لأي إجراء أحادي الجانب من أي طرف بغرض التأثير المسبق على وضعية المدينة المقدسة. غير أن المملكة والعالم الإسلامي عموما لهم نظرتهم الخاصة بالنسبة لهذه المدينة باعتبارها تحتوي على مقدسات تحتل مكانة سامية في وعي وضمير كل مسلم. وينظر العرب (مسلمين ومسيحيين) إلى القدس باعتبارها أرضا محتلة ينطبق عليها قرار مجلس الأمن رقم 242 الذي ينص على ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلتها خلال حرب حزيران عام 1967م. وفي مواجهة الممارسات الإسرائيلية الجارية، تكرر الحديث عن القرار رقم 252 الذي يعدُّ أي إجراء إسرائيلي يهدف إلى ضم القدس أو تغيير هويتها أو العبث بمقدساتها إجراء ملغيا وباطلاً. وقد كان لتلك الزيارة الأثر الكبير في ترسيخ التفاهم المشترك، وفي تأكيد القناعات الثنائية بين البلدين تجاه القضايا المطروحة. وقد أشار البيان الختامي لزيارة الملك عبد الله لإيطاليا إلى أن المباحثات التي أجراها الملك هناك اتسمت بالوضوح وروح التعاون، وتناولت جملة من المواضع ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، ووفرت للجانبين فرصة طيبة لاستعراض العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية. وفيما يتعلق بعملية السلام في الشرق الأوسط، أكد الطرفان على الأهمية القصوى لضرورة دفع العملية إلى الأمام لتحقيق السلام الشامل والعادل والدائم استنادا إلى قرارات الأممالمتحدة ذات الصلة وفقا لمرجعية مؤتمر مدريد، بما في ذلك مبدأ الأرض مقابل السلام، كما تم التنويه بضرورة احترام الالتزامات والاتفاقات الموقعة، حيث إن الإخلال بما نصت عليه يؤدي إلى تهديد السلام والأمن في المنطقة بشكل يصعب التكهن بتبعاته. محطة النمسا وكان للملك عبد الله بن عبد العزيز محطة باكرة في زيارته توقف فيها عند النمسا، ففي 7-10-1405ه الموافق 24 يونيو 1985م، أدى الملك زيارة إلى فيينا وصفها المستشار النمساوي بأنها ستسهم في تطوير علاقات الصداقة وتنميتها بين البلدين. وقد أجرى الملك عبد الله خلال الزيارة محادثات مع المسؤولين النمساويين حول توثيق عرى التعاون والصداقة بين المملكة والنمسا لما فيه مصلحة البلدين. وكانت تلك الزيارة امتدادا للاهتمام الذين يوليه الملك عبد الله للدول الأوروبية وما تمثله من ثقل في عالم اليوم، كما جاءت تأكيدا لمكانة النمسا الدولية، حيث كان لهذه الدولة أدوارها المؤثرة في تشكيل خريطة العالم الحديث في شكلها السياسي، كما أنها دولة فاعلة على صعيد السلم والأمن الدوليين. الملك عبدالله في أمريكا الجنوبية وفي إطار استراتيجية توطيد العلاقات مع كل دول العالم وعبر قاراته زار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز دول أمريكا اللاتينية الرئيسة الثلاث: البرازيل والأرجنتين وفنزويلا، وذلك في أعقاب رئاسته لوفد المملكة لحضور احتفالات الأممالمتحدة بالألفية الثالثة في الخامس من سبتمبر سنة 2000م؛ حيث ألقى كلمة المملكة في الجلسة الافتتاحية. وقد أخذت هذه الزيارة لدول أمريكا الجنوبية طابع توطيد العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، وشرح وجهة النظر العربية تجاه القضايا الشائكة في منطقة الشرق الأوسط، وعلى الأخص القضية الفلسطينية. الملك عبدالله في البرازيل بدأ خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز زياراته بالبرازيل التي وصلها في 21 جمادى الآخرة 1421ه الموافق 18 سبتمبر 2000م مصطحباً معه عدداً من وزراء الوزارات ذات الاختصاص بمحاور النقاش؛ مثل وزيري الاقتصاد والتجارة، وذلك وفق سياسة المملكة في مد جسور التعاون والتبادل التجاري مع كافة دول العالم غرباً وشرقاً. وقد عبَّر الملك عبدالله عن أهداف هذه الزيارة في الكلمة التي ألقاها في حفل أقامته له وزارة الخارجية البرازيلية مؤكداً فيها أن عمق العلاقات الإنسانية بين البشرلا تؤثر فيه المسافات المتباعدة، داعياً إلى شراكة اقتصادية ذات أبعاد استراتيجية بقوله: (إن ما يفصل بين بلدينا من مسافات جغرافية شاسعة يتداعى أمام علاقات الصداقة والتعاون والمبادئ الإنسانية، وإرث حضاري لا يعترف ببعد المسافات وتراميها. إن الروابط بين بلدكم الصديق ومنطقتنا تحمل أبعاداً تاريخية وإنسانية جمعت بين شعوبنا على مدى عقود من الزمن نعتز بها ونقدرها. ومن هذا المنطلق كان للعلاقة بيننا أهمية خاصة سعينا ونسعى لتطويرها في كافة المجالات، ولاسيما أن البرازيل تحتل مكانة مرموقة في أمريكا اللاتينية، بل في العالم أجمع، ولا ننسى دورها البارز في دعم ومساندة قضايا الأمن والسلام في العالم. إن واقع العلاقات بين بلدينا قائم ومبني على مبادئ ومفاهيم مشتركة في احترام الشرعية الدولية، وحل المنازعات بالطرق السلمية، وتأييد ودعم قضايا السلام في العالم. كل ذلك ساعد على تطور العلاقات ونموها في العديد من المجالات، غير أن الإمكانات المتوافرة لبلدينا لها من المكانة ما يفوق حجم التعاون القائم حالياً، ومن الضروري السعي لتعزيز التعاون الاقتصادي. وفي هذا الصدد فإننا نتطلع إلى علاقات شراكة لها أبعاد استراتيجية لتحقيق درجات أعلى من التعاون والتنسيق بما يعود نفعه على شعبينا ويسهم في تحقيق ما نصبو إليه جميعاً). وتطرق بعد ذلك إلى تعثُّر عملية السلام في الشرق الأوسط بسبب تعنُّت إسرائيل وعدم قيام القوى المؤثرة في المجتمع الدولي بالضغط عليها، فقال: (إن منطقتنا تمر بمرحلة تاريخية بالغة الأهمية يتحدد من خلالها مصير عملية السلام في المنطقة، وقد استجابت الدول العربية لمطالب السلام تمشياً مع قرارات الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام الذي أُقرَّ في مؤتمر مدريد عام 1991م، ويحقق انسحاباً إسرائيلياً من جميع الأراضي المحتلة عام 1967م، واستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة في العودة إلى وطنه وإقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف. إن السلام كان ولا يزال هدفاً ومطلباً استراتيجياً للدول العربية والإسلامية، إلا أن إسرائيل ما زالت باقية على أساليبها لاستمرار احتلال الأراضي الفلسطينية وهضبة الجولان السورية، الأمر الذي عرقل مسيرة السلام في منطقتنا، وهو أمر يتطلب من جميع الشرفاء في المجتمع الدولي التدخل وحث إسرائيل على احترام الإرادة الدولية والالتزام بقراراتها الشرعية ومرجعية مدريد، وتنفيذ ما سبق التوصل إليه من اتفاقات مع الفلسطينيين).