استضاف نادي أبها الأدبي مؤخراً الدكتور عاطف الدربيس الأستاذ بكلية المعلمين بأبها حيث تحدث عن المشهد الثقافي في المملكة فقال إن ماهية الخطاب الثقافي بوصفه منتجاً إنسانياً يفرض علينا أن ننظر إليه وفق بعديه التاريخي والموضوعي، مشيراً إلى أن البعد التاريخي يفرض علينا أن نرصد حركة الاستبدال التي مر بها الخطاب الثقافي، بمعنى أن نكشف عن المفاصل الإحلالية في الخطاب الثقافي، لأن الإحلال هنا عامل مهم من عوامل تشكل الخطاب الثقافي لأي بيئة اجتماعية. رؤية محايدة على أن المتحدث لا يسعى إلى الكشف عن الخارطة الثقافية في المملكة ببعديها التاريخي والموضوعي، كما لا يسعى أيضاً إلى تصنيف المنتج الثقافي السعودي خصوصاً الأدبي منه وفق مذاهب فلسفية أو جهوية أو مرجعيات أخلاقية ودينية قد تثير جدلاً حاداً، وإنما يسعى إلى تقديم رؤية ربما تكون محايدة عن الأفق الدلالي للخطاب الثقافي السعودي الذي يحاول أن يشغل حيزاً مهماً في الواقع الثقافي العربي باعتباره مكوناً مهماً من مكونات هذا الخطاب. وقال المحاضر إن الحالة الثقافية السعودية لا يمكن أن تقرأ بمنأى عن مخرجات الخطاب الثقافي العربي، بمعنى أن الخطاب الثقافي السعودي لا يبني نفسه وفق رؤية خاصة وله تفرد عن الرؤى العربية، فالخطاب السعودي ذو تجربة منهجية تختلف من حيث الغاية والأداء عن غيرها من التجارب العربية في لبنان ومصر والمغرب العربي، لأنه يؤصل لفعل حضاري ينحدر لموروث مقدس، تعرض ومازال لقراءات قائمة على سوء الفهم.. هذه القراءات يفرضها الآخر حيناً وبعض المثقفين العرب حيناً آخر. هوية حضارية كما أنه يحاول أن يتواشج مع الخطاب الثقافي العالمي حتى يقدم نفسه باعتباره يجسد هوية حضارية ومنجزاً ثقافياً يغني الخطاب العالمي. قراءات مختلفة وقال المحاضر: لقد وقفت عند قراءات تؤصل أو تؤرخ للمنجز الثقافي السعودي مثل قراءة الدكتور عبد الله حامد الحامد وقراءة الدكتور عثمان الصالح العلي وقراءة الدكتور محمد صالح الشنطي، فضلاً عن بعض القراءات التي عنيت بالتيارات الفكرية والأدبية الحديثة في المملكة من مثل قراءة الدكتور عبد الله عبد الجبار. مخاض ثقافي وقال المحاضر من خلال ما لمسته من قراءتي الأولى عن بعض المنتج الثقافي السعودي الأدبي يوحي بأن المشروع الثقافي السعودي يمر بمخاض صعب تتجاذبه ثنائية المقدس والمدنس وهي ثنائية لا تتساور الخطاب الثقافي السعودي وحسب، وإنما باتت توجه المشروع الثقافي، فظهر الكاتب السعودي محاكياً لأنماط في الكتابة والسرد تتشبه بالنمط الغربي. وهذا يجعلنا نتساءل مرة أخرى: هل بات المثقف مستهلكاً للمنتج الثقافي الغربي وهل هذا يعني أن العقل العربي عموماً توقف عن إنتاج الفعل الثقافي. أم أنه بدأ تجربة المغامرة في إنتاج خطاب ثقافي جديد يتماهى مع المتحول السياسي ويجاور المنجز الثقافي العالمي ويتفاعل مع المتغير الاجتماعي؟ الثقافة المؤصلة وعن مستقبل الخطاب السعودي قال المحاضر في ختام محاضرته: يبدو لي أن الخطاب الثقافي السعودي شرع يقدم نفسه للداخل والخارج تقديماً جديداً يتجلى بخطابه الإعلامي المنفتح، وشبه المحاضر التعاون بين الأندية والمثقفين في هذا المجال بمرايا متجاورة تكشف عن واقع ثقافي حي وثري، واقع لا يقدم المملكة بحسبها ثقافة بترولية، وإنما يجعلها مرتكزاً مهماً من مرتكزات صياغة الوعي القائم على تعدد الرؤى وانفتاح العقل وتقديم الثقافة المؤصلة والثقافة المضادة. وقال إن الثقافة السعودية تبرز جوهر الذات السعودية، تلك الذات التي ما برحت تعاني سوء فهم الآخر. المداخلات تحدث في بداية المداخلات نائب رئيس النادي الدكتور عبد الله أبو داهش عن الذين أبرزوا دور الخطاب الثقافي، فيما تحدث عضو لجنة المكتبة بالنادي الدكتور سعد الحميدين عن تاريخ الحضارة الإسلامية وتأثير انتشارها. وقال الشاعر علي الشهراني مخاطباً المتحدث: يجب أن تكون هناك إضاءة عن الأشخاص أكثر من المؤسسات، فيما تساءل الدكتور سعيد القحطاني عن معنى الآخر، وقال: هناك تجاوز في هذه العبارة مستغرباً أسباب التركيز على أسماء معينة. وأبدى القاص إبراهيم مضوح إعجابه بمضمون المحاضرة، وتمنى الدكتور عيسى عسيري أن يكون هناك مشروع ثقافي رائد يصل إلى مشروع حضاري متقدم كما وصل الأسلاف. واختتم المداخلات رئيس النادي محمد الحميد والذي كان يدير الأمسية قائلاً: لقد توقفت الحضارة الإسلامية فيما أخذ الغير حضارتنا ونهض بها وتوقفنا نحن.