وفي الوقت الذي ضمت فيه الحكومة 10 وزراء جدد فقد احتفظ 7 وزراء آخرين بحقائبهم ومنهم الدفاع والتجارة والتنمية الاقتصادية والمالية والطوارئ. وجاء قرار الرئيس بوتين بتقليص ثلاث عشرة ادارة فيدرالية ودمج العديد من الوزارات تتويجا للاصلاح الاداري الذي اعلنت عنه القيادة الروسية قبل عامين تقريبا. ويسجل المراقبون السياسيون حقيقة ان الحكومة الروسية قد خلت تماما من العناصر التي تدين بالولاء للرئيس السابق بوريس يلتسين وحاشيته التى تضم العديد من الشخصيات المثيرة للجدل والتي يعيش بعضهم ممن لا يخفي العداء للكرملين خارج البلاد وابرزهم الملياردير بوريس بيريزوفسكي. وجاء عزل فلاديمير روشايللو من منصب مستشار الامن القومي وتعيين وزير الخارجية السابق ايغور ايفانوف مكانه دليلا على عزم الرئيس بوتين وضع نهاية فعلية وليست شكلية للعهد السابق. ويجمع المراقبون على ان الرئيس بوتين اوفى بوعده للناخبين الروس بأن يدخل المعترك الانتخابي الى جانب فريق متكامل ومتجانس يتحمل المسؤولية كاملة عن النهج الاقتصادي والسياسي الذي تسلكه البلاد ، حيث قطع بوتين على نفسه وعدا بأن يبقي على التركيبة الحالية لهذه الحكومة بعد فوزه المتوقع في الانتخابات الرئاسية المقرر اجراؤها بعد اسبوع وان كان الدستور الروسي يقضي باستقالتها في الحالة هذه0 وعموما فقد ساهم بوتين من وراء هذه الخطوة في اعطاء نبضة جديدة للحملة الانتخابية في اسبوعها الاخير بعد ان ظلت تعاني الملل والضجر بسبب وجود قناعة بأن بوتين يعتبر المرشح الاوفر حظا للفوز بها. وتشير استطلاعات الرأي الى تمتع بوتين بدعم 80 بالمائة من الناخبين فيما يحظى منافسه مرشح الحزب الشيوعي الروسي نيقولاي خاريتينوف بدعم 6 بالمائة والمرشحة اليمينية ايرنيا خاكامادا بدعم 2 بالمائة ومرشح الحزب الليبرالي الديموقراطي اوليغ مالشكين بدعم 5ر1 بالمائة والمرشح المستقل سيرغي غلازييف بدعم 3 بالمائة. وتدل التعيينات الوزارية التي تم الاعلان عنها خلال لقاء جمع الرئيس بوتين مع اعضاء حكومته الجديدة على تمسك الكرملين بسياسة الاصلاحات الاقتصادية وتعميقها والمضي قدما في تطوير الخيار الديموقراطي مع الحرص على تقوية بنية الدولة الداخلية والدفاع عن المصالح القومية على الصعيد الدولي والتعامل مع العالم الخارجي في اطار سياسة واستراتيجية واضحة المعالم وقابلة للقراءة المسبقة. واذا كان المراقبون السياسيون قد اعتبروا اغلبية التعيينات الوزارية متوقعة فان تعيين سيرغي لافروف الذي عمل خلال السنوات العشر الاخيرة مندوبا دائما لبلاده في الاممالمتحدة وزيرا للخارجية خلفا لايغور ايفانوف شكل مفاجأة كاملة. ويعتقد هؤلاء المراقبون ان مواقع الاولويات في السياسة الخارجية الروسية ستتبدل بالرغم من الحرص على الحفاظ على الاطار التقليدي لهذه السياسة. ويحدد المراقبون هذه الاولويات بالعمل على تطوير علاقة خاصة من التعاون والشراكة مع الاتحاد الاوروبي الذي ترى موسكو ان التكامل الاقتصادي والسياسي معه يعتبر مهمة استراتيجية. ويسعى وزير الخارجية الجديد الى ايجاد حلول عاجلة خلال الشهرين القادمين للخلافات بين الجانبين والمتعلقة اساسا بانضمام عشرة اعضاء جدد الى الاتحاد الاوروبي ومحاولة تقليل الضرر الذي سيترتب على روسيا من وراء الغاء عشرات الاتفاقيات التي عقدتها روسيا مع هذه الدولة خاصة في مجال الطاقة. وترى الخارجية الروسية انه سيتوجب عليها ايجاد نسيج جديد من العلاقة الاستراتيجية مع دول الرابطة المستقلة الجمهوريات السوفياتية السابقة والتي سببت الكثير من المعاناة لروسيا في السنوات الاخيرة، والتي تنظر الى هذه الدول على انها جزء من الامتداد الجغرافي لمصالحها القومية ويشكل اي خلل في العلاقة معها ضررا بالغا للامن القومي الروسي كما حدث مؤخرا مع جورجيا التي اتهمتها روسيا بالتواطؤ مع المقاتلين الشيشان0 وجاء تعيين وزير الخارجية في الحكومة المقالة ايغور ايفانوف كمستشار للامن القومي وهو الرجل المعروف بكياسته الدبلوماسية دليلا على سعي موسكو لتفعيل الدور الذي يلعبه مجلس الامن القومي الروسي وجعله مرادفا لوزارة الخارجية في السعي لبناء علاقة نموذجية مع دول الجوار خاصة بيلوروسيا واوكرانيا ودول ما وراء القوقاز اذربيجان وارمينيا وجورجيا. وكان ايغور ايفانوف ذو الاصول الجورجية قد اظهر مهارة نادرة في المساعدة على حقن الدماء وايجاد مخرج سلمي لازمة السلطة في جورجيا التي انتهت في ديسمبر الماضي باقالة الرئيس ادوارد شيفاردنادزة من منصبه وتولي الرئيس الجديد ميخائيل ساكاشفيلي المعروف بعلاقاته الدافئة مع واشنطن لمقاليد الحكم هناك. وستولي السياسة الروسية الخارجية في عهد الوزير الجديد لافروف اهمية خاصة لتطوير علاقة الشراكة الاستراتيجية مع واشنطن في مجال مكافحة الارهاب والسعي لتعزيز الجبهة الدولية التي تقودها واشنطن في الحرب ضد الارهاب الدولي. وتبدي موسكو استعدادا غير معلن لغض النظر عن الكثير من القضايا التي لا تروق لها في السياسة الامريكية مقابل مضي واشنطن قدما في مواصلة الحرب على الارهاب والتي تعاني منها روسيا اشد المعاناة بسبب توتر الوضع في الشيشان. ويؤكد المراقبون السياسيون ان هذه القضايا ستحظى بالاولوية في سلم السياسة الخارجية الروسية التي تنتهجها الحكومة الروسية الجديدة فيما تبقى القضايا الاخرى في اطار تطورها التقليدي ومنها العلاقات العربية الروسية. وعلى صعيد الانتخابات فانه يحق لنحو 109 ملايين شخص الادلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية الروسية في الرابع عشر من مارس المقبل، كما يتعين أن تصل نسبة الاقبال إلى 50 بالمائة لكي تكون الانتخابات قانونية مما يجعل الرئيس الحالي فلاديمير بوتين يشعر بخوف أكبر من خوفه من منافسيه الخمسة وهم من خارج الوسط الحاكم وإذا كانت نسبة الاقبال ضئيلة فيجب أن تجرى جولة ثانية من الانتخابات. أما إذا تجاوزت نسبة الاقبال هذا الحد دون أن يفوز أي مرشح بالاغلبية المطلقة فستجرى انتخابات الاعادة بعد ذلك بثلاثة أسابيع. والشعبية التي يتمتع بها بوتين والتي تصل إلى 70 بالمائة في استطلاعات الرأي تجعل ذلك احتمالا بعيدا. ونظرا لوجود 11 نطاقا زمنيا في روسيا سيفتح 000ر95 مركز اقتراع أبوابه في أوقات زمنية مختلفة يوم الاحد المقبل ،وسيكون سكان شبه جزيرة شوكوتكا بأقصى الشرق الروسي وجزيرتي كامشاتكا وكور يل أول من سيصوتون في الانتخابات يوم السبت المقبل يليهم الناخبون في مراكز الاقتراع في موسكو ووسط روسيا يوم الاحد، بحيث سينتهي التصويت في جيب كالينينجراد المطل على بحر البلطيق .