في الوقت الذي تحاول فيه دول أوروبا القديمة الاستعداد لتوسع الاتحاد الاوروبي بوضع العراقيل أمام الهجرة المتوقعة من الاعضاء الجدد الذين سينضمون للاتحاد الاوروبي أول مايو المقبل إليها فإن دول وسط وشرق أوروبا تتحرك لالغاء الكثير من الضرائب حتى تتمكن من جذب الاستثمارات وزيادة قدراتها الاقتصادية التنافسية. وفي الواقع فإن دول شرق ووسط أوروبا وبعد 14 عاما من الثورة الشعبية التي أنهت عشرات السنين من الحكم الشيوعي تشهد حاليا ثورة ضريبية على نمط سياسات الرئيس الامريكي الاسبق رونالد ريجان ورئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارجريت تاتشر. تسعى هذه الثورة إلى تقليص الضرائب إلى أدنى مستوى ممكن وبالتالي تقليص الانفاق العام والخدمات التي تقدمها الدولة لمواطنيها. والحقيقة أن دول الاتحاد الاوروبي الحالية تخشى من تدفق طوفان من المهاجر ين القادمين من دول شرق ووسط أوروبا الثماني التي ستنضم إلى الاتحاد الاوروبي أول مايو المقبل بحثا عن فرصة عمل. لذلك فهذه الدول التي باتت تعرف باسم أوروبا القديمة تعتزم فرض قيود انتقالية على دخول أبناء الدول الثماني وهي التشيك والمجر وبولندا وسلوفاكيا وسلوفانيا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا إليها. ولكن ما تقوم به دول شرق ووسط أوروبا في المقابل يطرح بديلا فعالا لهجرة العمالة منها حيث تقدم مزيجا من الضرائب البسيطة والاجور المنخفضة لجذب الشركات والاستثمارات من أوروبا ا لقديمة إليها فلا يحتاج المواطن في هذه الدول إلى ترك بلاده بحثا عن فرصة عمل في مصنع انتقل إليه بالفعل ليقام في بلاده قادما من بريطانيا أو ألمانيا أو هولندا أو النمسا. وفي حين يقال إن تخفيضات الضرائب في شرق ووسط أوروبا سوف تجذب الاستثمارات من أوروبا الغربية يقول مايكل هيرت خبير الاقتصاديات الناشئة في بنك درسدنر كلينفورت ويسرستين إن التغييرات الضريبية مجرد جزء من سياسة اقتصادية أوسع لتشجيع الشركات في أوروبا الغربية على التحرك نحو الشرق. وبالفعل فد أعلنت سلوفاكيا خلال العام الحالي عن ضريبة موحدة بنسبة 19 في المئة على الدخل والشركات والقيمة المضافة دون أي ضرائب أخرى على الارباح على طريقة إمارة موناكو. وهذه الخطة جعلت من سلوفاكيا بضربة واحدة ملاذا ضريبيا آمنا. ويبدو أن ثورة الضرائب في أوروبا الشرقية ستجد صدى قويا في أوروبا الغربية حيث أعلنت النمسا بالفعل عن خطط لتخفيض ضرائب لشركات من 34 في المئة إلى 19 في المئة وهو الرقم السحري للضرائب في أوروبا. يذكر أن حجم الاستثمارات الاجنبية التي تدفقت إلى وسط وشرق أوروبا منذ أو ائل التسعينيات بلغ 120 مليار دولار ومن المحتمل أن يزيد هذا الرقم في ظل تفوق معدل النمو الاقتصادي لهذه الد ول على معدل نمو دول أوروبا الغربية. ففي حين بلغ متوسط معدل النمو في أوروبا الغربية خلال السنوات العشر الماضية5ر2 في المئة بلغ متوسط النمو في شرق ووسط أوروبا أربعة في المئة خلال الفترة نفسها. في الوقت نفسه فإن متوسط الاجور في دول شرق ووسط أوروبا لا يقارن بالموجود في أو روبا الغربية. ففي لاتفيا على سبيل المثال يصل متوسط أجر الساعة بما فيه مخصصات الضمان الاجتماعي42ر2 يورو وهو حوالي عشر متوسط أجر الساعة في أوروبا الغربية تقريبا. قادت جمهوريات البلطيق الثلاث لاتفيا وليتوانيا وإستونيا ثورة الضرائب في شرق ووسط أوروبا عندما وضعت ضريبة موحدة وإلغاء كل أشكال الضرائب الاخرى مثل ضرائب الدخل وضرائب الارباح. و قد سارت باقي الدول العشر المقرر انضمامها إلى الاتحاد الاوروبي على نفس الدرب. يذكر أن جزيرتي قبرص ومالطا في البحر المتوسط ضمن مجموعة الدول العشر المقرر انضمامها إلى الاتحاد الاوروبي إلى جانب دول شرق ووسط أوروبا الثماني. ويبدو أن دول غرب أوروبا لن تتمكن من مجاراة ثورة ضرائب الفقراء في شرق و وسط أوروبا. فأغلب دول أوروبا الغربية مثل فرنساوألمانيا وإيطاليا تعاني من عجز الموازنة وبالتالي لن يكون في مقدورها تقليص موارد هذه الموازنات العاجزة من خلال المزيد من خفض الضرائب. وهذا المعنى أكده تحالف الاشتراكيين الديموقراطيين والخضر الحاكم في ألمانيا عندما حذر دافعي الضرائب من أنهم لن يحصلوا على المزيد من الاعفاءات الضريبية على المدى القريب.