انعكس اليورو القوي سلبا على عملات الدول المنضمة حديثا للاتحاد الأوروبي التي يطلق عليها أوروبا الجديدة خاصة تلك المرتبطة باليورو حيث تعاني من فقدان الميزة التنافسية لصادراتها في السوق الدولية وارتفاع تكاليف منتجاتها رغم معدلات الضرائب المنخفضة مقارنة بدول غرب أوروبا أو ما يطلق عليها أوروبا القديمة. ويطالب عدد من دول شرق ووسط أوروبا خاصة المرشحة للانضمام للاتحاد النقدي الأوروبي (اليورو) البنك المركزي الأوروبي بالبحث عن وسائل فعالة لاحتواء الآثار السلبية لليورو القوي على الاقتصاديات الأوروبية في ضوء تدني قيمة الدولار الأمريكي. ويرى محللون اقتصاديون ان اليورو القوي قد يبطىء مساعي العديد من دول شرق ووسط اوروبا الرامية إلى تبني اليورو منوهين إلى ان دولاً مثل بولندا والمجر وجمهورية التشيك لن تتمكن بسهولة من اقرار الاشتراطات التي تتطلبها اتفاقية ماستريخت للانضمام لليورو. وأشاروا إلى وجود العديد من الدول والمناطق التي تستخدم اليورو رغم عدم انضمامها إلى منطقة اليورو مثل اندورا وموناكو وسان مارينو والفاتيكان وتعاني حاليا جراء الزيادة الملحوظة لليورو أمام الدولار0 وأوضح المحلل الاقتصادي دافيد ستروبن ان العديد من الدول والمناطق مثل كاندورا وموناكو وسان مارينو والفاتيكان كانت تستخدم عملات الدول المجاورة لها كالفرنك الفرنسي والمارك الألماني والليرة الايطالية قبل اقرار اليورو رسميا عام 2001 الا انها تبنت اليورو عقب الغاء تلك العملات. ويرخص لتلك الدول والمناطق باستثناء أندورا صك عملات معدنية من أجزاء اليورو. ويرى محللون اقتصاديون ان 18 دولة ومنطقة في أوروبا تستخدم اليورو (تضم منطقة اليورو 12 دولة فقط) فبالاضافة إلى الفاتيكان واندورا وسان مارينو وموناكو استخدمت كوسوفو ومونتنجرو المارك الألماني ثم اليورو بعد ذلك كأمر واقع. ويضعف اليورو القوي حماس الرأي العام في السويد والدنمارك وبريطانيا (خارج منطقة اليورو) لتبني اليورو خشية تراجع معدلات الصادرات بسبب قوة اليورو. وتشير الدول الثلاث الى ان اتفاقية ماسترخت تتضمن فقرات تتيح لهم البقاء خارج منطقة اليورو رغم عضويتهم في الاتحاد الأوروبي. وقد أظهرت نتائج استطلاع للرأي أجرى في السويد فتور حماس السويديين للتخلي عن الكرون مما شجع الحكومة السويدية على التخلي عن فكرة الانضمام للعملة الأوروبية الموحدة. ومن جهة اخرى تبدو الهوة واسعة في مواقف الدول التي انضمت حديثا للاتحاد الأوروبي تجاه اليورو حيث تتحمس استونيا وليتوانيا وسلوفينيا بشدة إلى الانضمام للاتحاد النقدي الأوروبي الموحد (اليورو) في الوقت الذي لا تبدي فيه بولندا وجمهورية التشيك والمجر حماسا كافيا لاحلال اليورو محل عملاتها الوطنية. وتخشى استونيا (التي حققت فائضا في الموازنة بلغ 3 في المائة ووصل معدل الديون بها إلى حوالي خمسة في المائة من الناتج المحلي الاجمالي عام 2003) من زيادة العجز في الموازنة بسبب ارتباط عملتها الكرون باليورو. وانضمت استونيا إلى آلية أسعار الصرف الأوروبية في 2 في يوليو الماضي التي تستهدف تحقيق الاستقرار النقدي وكبح تذبذب العملة. ومن المتوقع ان تنضم استونيا رسميا إلى الاتحاد النقدي الأوروبي في نهاية عام 2006. وتبدو جمهورية التشيك وبولندا والمجر بعيدة عن اشتراطات اتفاقية ماستريخت (التي تتضمن عدم تجاوز معدل العجز في الموازنة ثلاثة في المائة). فعلى سبيل المثال بلغ معدل العجز في موازنة جمهورية التشيك 12 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي. وتعد سلوفاكيا من الدول المؤهلة لتبني اليورو حيث نجحت في زيادة معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي إلى 2ر4 في المائة والمرتبات والأجور بنسبة 4ر11 في المائة. وأظهر استطلاع للرأي اجرته غرفة التجارة الألمانية أن حوالي 50 في المائة من رجال الأعمال الألمان يعتبرون سلوفاكيا أفضل بيئة استثمارية في القارة الاوروبية. ومن جانبه اتهم المستشار الألماني جيرهارد شرودر سلوفاكيا بالاضرار بالمنافسة العادلة لتخفيضها معدلات الضرائب إلى مستويات كبيرة لزيادة معدل النمو والتدفقات الاستثمارية. ويرى محللون أوروبيون ان الاستثمار في دول وسط شرق أوروبا يعد أكثر ربحية من الاستثمار في دول غرب أوروبا الغنية التي شهدت اسواق المال بها تراجعا عام 2004. وتظهر الاحصائيات ارتفاع مؤشر بورصة براغ (بي اكس/50) بنسبة 59 في المائة عام 2004 مقابل زيادة 57 في المائة لمؤشر بورصة بودابست (بكس برايس) بينما ارتفع مؤشر بورصتي فرانكفورت وباريس بنحو 4 و 7 في المائة على التوالي. وترى دول غرب اوروبا ان معدلات الضرائب المنخفضة على الشركات في دول شرق ووسط اوروبا التي تصل إلى اقل من 20 في المائة شجعت عددا كبيرا من الشركات الكبرى في غرب اوروبا على الانتقال إلى اسواق تلك الدول لاقامة مشروعات تعزز معدلات ارباحها. وتعتبر دول وسط وشرق اوروبا وفي مقدمتها بولندا والمجر المطالب الألمانية الفرنسية المتعلقة بزيادة معدلات الضرائب على الشركات لكي تتساوى مع المعدلات السارية في غرب اوروبا غير مقبولة لأنها لا تأخذ في اعتبارها التكاليف الباهظة التي تتكبدها شركاتها لتوفير خدمات الضمان الاجتماعي للعاملين بها. وتشير الاحصائيات إلى أن متوسط الضرائب على أرباح الشركات في دول غرب أوروبا يبلغ 3ر31 في المائة مقابل 3ر21 في المائة في دول شرق ووسط أوروبا. وتعتبر ألمانيا الأعلى ضريبيا حيث يبلغ معدلها 3ر38 في المائة من اجمالي أرباح الشركات تليها ايطاليا 3ر37 في المائة والبرتغال 4ر27 في المائة. واحتلت جمهورية التشيك المرتبة الأولى في دول شرق ووسط أوروبا في معدل الضرائب المفروضة على أرباح الشركات حيث تبلغ 28 في المائة من اجمالي الأرباح تليها بولندا وسلوفاكيا 19 في المائة لكل منهما والمجر 16 في المائة ولاتفيا 15 في المائة. وأوضح المحلل الاقتصادي ووتولد ارلوفسكي أن معدل الضرائب على أرباح الشركات في العديد من دول شرق ووسط اوروبا كبولندا (التي خفضت معدل الضريبة من 27 في المائة إلى 19 في المائة خلال العام الماضي) قد يشهد مزيدا من التراجع لجذب الاستثمارات الدولية. وأشار إلى أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ذات المعدلات الضريبية العالية تواجه حاليا تحديا يتمثل في المنافسة القوية التي تشكلها تلك الدول ذات المعدلات الضريبية المنخفضة. وتوقع تصاعد الضغوط على دول شرق ووسط أوروبا من جانب الدول الكبرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي خاصة ألمانيا لدفعها إلى زيادة معدل الضرائب على أرباح الشركات في ضوء ارتفاع معدل البطالة في تلك الدول. وجاءت مطالبة المستشار شرويدر للمفوضية الأوروبية بضرورة تعديل اتفاقية النمو والاستقرار التي تشترط الا يتجاوز معدل العجز في موازنة الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي ثلاثة في المائة من الناتج المحلي الاجمالي ليكشف الخلافات المالية العميقة بين الدول أعضاء الاتحاد لاسيما في ضوء رفض هولندا والنمسا والسويد للطلب الألماني. وترى ألمانيا أن اتفاقية النمو والاستقرار ينبغي ان تتسم بالمرونة خاصة بالنسبة للدول الكبرى في الاتحاد لتدعيم معدلات النمو. وأشارت إلى أن تقليص تدخل المفوضية الأوروبية لمعاقبة الدول الأعضاء التي لاتلتزم بمعدل العجز في الميزانية وفق الاتفاقية يعتبر أمرا حيويا لتدعيم الاقتصاديات الاوروبية. وتؤيد ألمانيا امكانية زيادة معدل العجز في الموازنة عن المستوى الذي تشترطه اتفاقية النمو والاستقرار في الدول التي تحقق نموا قويا وتسعى إلى ضبط سوق العمالة بها أو تلك الدولة التي تواجه ركودا وتنفذ اصلاحات اقتصادية جذرية. ورغم انتهاك ألمانيا (أكبر اقتصاد في دول منطقة اليورو) لاتفاقية النمو والاستقرار للعام الثالث على التوالي أحجمت المفوضية الأوروبية عن فرض عقوبات مالية عليها. وتشير الاحصائيات إلى أن معدل العجز في الميزانية الألمانية بلغ 9ر3 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي. وتعهد شرودر بخفض معدل العجز في الميزانية الألمانية إلى ثلاثة في المائة عام 2005 . وتعارض هولندا والنمسا المحاولات الألمانية الرامية إلى تعديل اتفاقية النمو والاستقرار مشددين على أن المساعي الألمانية سوف تؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم والفائدة. ويرى وزير المالية النمساوي كارل هينز جراسر ان اتفاقية النمو والاستقرار تدعم اقتصاديات دول الاتحاد الأوروبي مشيرا إلى ان الدول أعضاء الاتحاد ينبغي أن تعمل على تقوية الاتفاقية وتفعيلها بدلا من تخفيف قيودها لتعزيز الثقة في العملة الأوروبية الموحدة. وأوضح وزير المالية الهولندي جيريت زالم (أحد الآباء الروحيين لاتفاقية النمو والاستقرار) أن المانيا تقحم قضية استقرار اليورو في اللعبة السياسية. في المقابل تؤيد فرنسا وايطاليا والسويد المساعي الألمانية الرامية إلى التخفيف من اشتراطات اتفاقية النمو والاستقرار ويعتبرونها أحد العوائق الرئيسية التي تقلل من معدلات النمو الأوروبية وتحد من قدرة اقتصاديات دول اليورو على منافسة الاقتصاد الأمريكي. ويبلغ حجم اقتصاديات فرنساوألمانيا وايطاليا نحو ثلثي حجم الناتج المحلي الاجمالي الأوروبي الذي يصل إلى حوالي 2ر9 تريليونات دولار.