عزيزي رئيس التحرير كثرة الشاكين.. وقلة الشاكرين، ظاهرة لافتة للنظر حقا، فقلما يلتقي اثنان الا كانت الشكوى ثالثة لهما.. ما سبب ذلك يا ترى؟! اتراه كثرة اعباء الحياة، وشدة وطأتها، وتزاحم الناس في الجري وراء لقمة العيش، التي لم يعد الحصول عليها سهلا وميسورا؟ أم تراه افرازات المدنية الحديثة وما فرضته على الناس من مطالب لا تعد ولا تحصى؟! احيانا يقف المرء امامها مشدوها مأخوذا بحيث يعجز فكره معها عن اتخاذ القرار الصائب. كانت الحياة سهلة بسيطة لا تعقيد ولا التواء فيها ، يقنع الناس بالقليل، ويرضون بالكفاف، فينامون ملء عيونهم لا تؤرقهم احلام مزعجة، ولا تقض مضاجعهم افكار مقلقة، ثم يستيقظون مبكرين ليبدأوا يوما حافلا بالجد والكد غير مكترثين بالحر اللافح او البرد القارس راضين بحظهم في الحياة، لا يتبرمون، ولا يشتكون، وألسنتهم تردد دوما الحمد لله على كل حال.. ويشكرون الله دائما وأبدا على نعمه الكثيرة.. (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله). (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم). هؤلاء يرون ان الشكوى للناس مدعاة للشماتة فمن يضمن ان المشتكى اليه سيظل صديقا لا يتغير ولا يتبدل؟! عين الحكمة ان يرضى الانسان بنصيبه في الحياة، فشكواه لا تقدم ولا تؤخر، بل ربما تشمت به الآخرين وتكشف عن مواطن ضعفه، التي قد تستغل في الاساءة اليه. والفئة الاخرى الاكثر عددا والاوسع انتشارا هم الذين يشكون بسبب او بدون سبب ، تأصلت في نفوسهم الشكوى واصبحت من سمات شخصياتهم ومعلما بارزا من طباعهم فهم دائما متألمون متأففون، متضايقون، ضجرون، يرسلون الآهات تلو الآهات بلا توقف. هؤلاء ينظرون الى الدنيا بمنظار قاتم اسود، فهم متشائمون لا يرون في الدنيا الا وهادها وصحاريها المجدبة ، ولياليها المظلمة وحرها الحارق وبردها اللاسع، وحروبها المدمرة، وصواعقها الحارقة، ورياحها العاتية.. وو .. تلتقي بهم فلا تملك الا ان تتعاطف معهم وتشاركهم آلامهم وتتقاسم همومهم تخفيفا عليهم، وتنفيسا عنهم، وتجاوبا معهم كمدخل لنصحهم وارشادهم بضرورة ان يتركوا الشكوى ويبتعدوا عن النظرة السوداوية للاشياء ويقبلوا على الحياة بتفاؤل وامل وثقة بالنفس وقبل ذلك بايمان كامل بأن الله عز وجل هو الرزاق الكريم، وان القناعة كنز لا يفنى والابتعاد عن الشكوى - قدر الامكان - امر في غاية الاهمية وان كان لابد منها :==1== ولابد من شكوى الى ذي مروءة==0== ==0==يواسيك او يسليك او يتوجع==2== والافضل ان يروا في الدنيا كل جميل ويتأملوا نعم الله التي لا تعد ولا تحصى.. نعم يا اخي.. كن شاكرا لاشاكيا، ومتفائلا لا متشائما. وتذكر دائما قول الشاعر :==1== أيهذا الشاكي وما بك داء==0== ==0==كن جميلا تر الوجود جميلا==2== هدانا الله وإياكم الى سواء السبيل طلال قديح