3 ملايين مصاب وحامل لأمراض الدم الوراثية في المملكة.. 30 بالمائة من سكان المنطقة الشرقية مصابون أو حاملون لهذه الأمراض، وهي أعلى منطقة تقريباً على مستوى المملكة.حيث تذكر إحصائيات وزارة الصحة ان نسبة المصابين والحاملين لأمراض الدم الوراثية في كل من المنطقة الشرقية (735 ألف مصاب وحامل) والجنوبية (292 ألف مصاب وحامل) تصل إلى 30 في المائة، بينما تصل في كل من منطقتي مكةالمكرمة إلى (360 ألف مصاب وحامل) والمدينة المنورة إلى 24 في المائة، وتحتل المنطقة الوسطى آخر القائمة ب 58 ألف مصاب وحامل. وترجح الإحصائيات وجود قرابة مليون ونصف المليون شخص حامل ومصاب في المناطق الأخرى. وحسب إحصائيات أخرى أصدرتها الوزارة فإن كل يوم يشهد ولادة 12 مصاباً بالمرض، و154 حاملاً له، مما يعني ولادة 4248 طفلا مصابا سنوياً، و54516 حاملاً للمرض. فيما تقدر إحصائيات ما تنفقه الدولة كإعانات للمصابين بأمراض الدم الوراثية سنويا بأكثر من 600 مليون ريال، حيث تمنح وزارة العمل والشئون الاجتماعية مبلغ 3 آلاف ريال سنوياً لقرابة 200 ألف مصاب بأمراض الدم الوراثية، منها 184 مليون ريال لمواطنين بالشرقية، و90 مليوناً للغربية، و73 مليوناً للجنوبية، والوسطى 15 مليون ريال. وإذا أضيف لهذا المبلغ تكلفة العلاج المقدم للمرضى، فإن الرقم قد يصل إلى مليارات الريالات. فيما قدرت وزارة الصحة تكلفة علاج مريض الثلاسيميا بقرابة 100 ألف ريال سنوياً، وفي المقابل لا تزيد تكلفة الفحص الطبي قبل الزواج على 10 ريالات للشخص الواحد. وهو الفحص الذي أصبح إلزامياً ابتداءً من مطلع الأسبوع الماضي، بقرار صدر من مجلس الوزراء. حيث يشترط مأذونو الأنكحة إحضار شهادة الفحص شرطاً لإكمال عقد الزواج. ولن يحول وجود إصابة لدى أحد أو كلا الطرفين (الزوج أو الزوجة) دون إجراء عقد النكاح، حيث سيكتفي مأذون الأنكحة بتوجيه النصح والإرشاد، بعد الاطلاع على نتيجة الفحص. وكانت نتائج استبيان أجراه مشروع مكافحة أمراض الدم الوراثية بالأحساء قبل أشهر أظهر ان 97 بالمائة يؤيدون الإلزامية. (اليوم) تفتح ملف أمراض الدم الوراثية.. هذا الوحش الذي ينهش أجساد ضحاياه، وهم كثر في المنطقة الشرقية، خصوصاً في محافظتي الأحساء والقطيف.. تستمع إلى صرخات الألم التي يصدرونها من على أسرة المرض، ترصد الآثار الاجتماعية والنفسية والاقتصادية لهذا المرض الخطير.. وعلى عدة حلقات: @ سجل الحكاية جعفر الجشي فاطمة .. نعم فاطمة.. عمرها 11 ربيعاً.. فتاة عادية جداً، لو شاهدتها في أي مكان (سوبر ماركت.. أو محل للألعاب أو مطعم...) لتمنيت أن تكون زوجة لولدك في المستقبل، أو في أقل الظروف تتمنى لها النجاح في دراستها، ولكنك ستشعر بالأسى إذا عرفت أنها مريضة بالثلاسيميا، وأنها لا تستطيع مواصلة دراستها، رغم أنها ترغب في ذلك. والسبب هذا المرض فاطمة محمد الزين، هي واحدة من قرابة 3 ملايين شخص مصاب أو حامل لأمراض الدم الوراثية في المملكة، ليس ذلك فحسب، بل هي تنتمي لأسرة مكونة من 7 أشخاص، جميعهم مصابين بالثلاسيميا، ما عدا والدها ووالدتها الحاملين للمرض، ولعل فاطمة هي الأقل تضرراً بآثار المرض من بين أشقائها الاربعة، الذين حطمهم المرض، وقضى على أحلامهم، وكاد يسلمهم إلى اليأس. هل ذلك يهم؟ قد لا يعرف الكثيرون من هو محمد الزين؟ وهذا قد لا يكون مهماً، فاسمه لن يضيف شيئاً كثيراً، سوى أنه يتمنى أن يكون مواطناً صالحاً، هدفه خدمة بلده ودينه، هو ليس طبيباً أو مهندساً، ولا حتى معلماً،.. هو مواطن عادي جداً، في السابعة والثلاثين من العمر تزوج قريبته صالحة قبل نحو 17 عاماً، وهنا تبدأ مشكلته أو معاناته، فهي حاملة لمرض الثلاسيميا، كما أنه كذلك حامل لنفس المرض. استمر زواجهما عدة سنوات، أنجبا طفلهما الأول خالد (عمره الآن 12 عاماً) فجاء مصاباً بالمرض نفسه، وهو معاق، ويعاني الأمرين الآن، من خلال علاج يومي وشهري، ألزمه المنزل. يقول: حمدنا الله على ما أعطانا من نعمة، وبعد سنة أنجبنا طفلة تفاءلنا بها خيراً.. إنها فاطمة ذات ال 11 عاماً الآن، وهي فتاة بعمر الورد كما يقال، ولكننا لم نستكمل فرحتنا بها، فهي أيضاً مصابة بنفس المرض، واستمر معها حتى يومنا هذا، فهي جليسة البيت أيضاً، ولم تتمكن من مواصلة دراستها، لسبب بسيط، وهي أنها تراجع المستشفى بصورة دائمة، وتحتاج لنقل دم كل شهر، وإذا ذهبت الى المدرسة يوماً فإنها تغيب يومين، وهو الأمر الذي لا يؤهلها لمواصلة الدراسة بهذه الطريقة، وأعتقد أن كثيرين في بلادنا يعيشون نفس الحالة. حلمنا: إنجاب طفل سليم يتوقف محمد هنا قليلاً، ليبتلع ريقه وليجفف بعض الدموع، التي تكاد تسقط من عينيه، لنسأله بعد هذين الطفلين المصابين، لماذا لم تفكر في التوقف عن الإنجاب، لتفكر في مستقبلهم، ومستقبل من قد يأتون بعدهم؟ كانت زوجته صالحة حاضرة معنا، ففضلنا أن تجيب هي، قالت وهي تغالب خجلها وربما أساها: بالتأكيد نحن حمدنا الله سبحانه وتعالى على الرزق، الذي ساقه لنا من خلال الطفلين الأولين، وكنا في أشد حالات الشوق لإنجاب طفل ثالث، ولكن يكون هذه المرة سليماً، ولم نعرف أن مصيرنا هو طفل آخر معاق. جهلنا هو المشكلة قبل 17 عاماً، عندما تزوج كل من محمد وصالحة ، لم يكونا يعيان شيئاً عن هذه الأمراض الخطيرة التي تعصف بالمجتمع، كما لم يكونا يعرفان أصلاً أنهما يحملان المرض، ولذلك فقد كان زواجهما عادياً جداً، ولم يفكرا لحظة واحدة أنهما تزوجا بطريقة ربما تكون خطأ، أو أي شيء من هذا النوع، كما تقول صالحة. هل يعقل ذلك؟ ولكنها تضيف: قد يسألني البعض لماذا أنجبت المزيد من الأبناء عندما جاءوا معاقين؟ وببساطة قاسية تجيب صالحة على هذا السؤال الذي طرحه عليها الكثيرون: أنا أجهل أن الأطفال المعاقين يأتون، لأن الأم والأب حاملان للمرض، كنت أعتقد أنها قسمة من الله، وعلينا تحملها، من أدراني أننا لغم نعيش وسط المجتمع؟ ومن أدراني أننا نعيش تحت جمرة حارقة، ونحن لا نعلم بها؟ المتعلمات أيضاً يخطئن وتقسم صالحة وهي تقول: صدقوني أيتها الفتيات المقبلات على الزواج، وأيتها الأمهات الفاضلات؛ لو كنت أعلم بهذا الأمر لما أقدمت عليه من الأساس، فأنا لم أنل حظاً من التعليم، ولكن مهلاً فأنا لست متأكدة أيضاً من أن المتعلمات يتجنبن هذا الخطر، فمن غير المعقول أن من بين كل المصابات وحاملات المرض في المملكة لا يوجد متعلمات، فلماذا لا يتجاوبن مع نداءات الخطر التي تطلقها وسائل الإعلام المختلفة؟ لدى صالحة ومحمد الآن 5 أطفال، 3 منهم يحتاجون لنقل دم مرة أو مرتين في الشهر، منهم عبدالرحمن (8 سنوات) وياسر (6 سنوات)، وهما متخلفان عقلياً، ولا يميزان بين الأشياء، ولا يستطيع أحد التفاهم معهما، كما أنهما يقضيان حاجاتهما في ملابسهما، في غالب الأحيان. الشكوى لله هل ترغبين في الإنجاب؟ سألناها، فأجابت صالحة بحرقة، والألم يعتصرها: بالطبع لن أفكر في الإنجاب بعد اليوم، وسأكتفي بنصيبي، ولن أشتكي إلا إلى الله، فهو الذي قسم لي، إضافة إلى أني أتحمل جزءا من المسئولية. المعاناة .. إنسانية نعود لمحمد؛ لنسأله عن معاناته مع أطفاله، أمسك طرف الخيط من جديد، قائلاً: أنا موظف حكومي، راتبي ضعيف، علي ديون متراكمة، تصل إلى 170ألف ريال، جزء منها بسبب مرض أبنائي، حيث أنني أشتري لهم الكثير من الأدوية، وليس لدي وسيلة مواصلات، كما أنني أشتري لهم الأجهزة الخاصة بعلاجهم، وقد أصابها العطب أكثر من مرة، والآن ليس لدي أجهزة، كما أني أعتمد على أهل الخير في توصيلي إلى المستشفيات، فأنا كما أسلفت لا أملك سيارة، أضف لذلك معاناتي مع الإيجار. ويضيف قائلاً: ربما ذلك لا يعد أمراً هاماً، إذا وضعنا المعاناة الإنسانية التي أمر بها، فأنا وزوجتي نقوم على خدمة 5 أطفال معاقين تقريباً، وبهذا فإن أغلب أوقاتنا نقضيها معهم، إما في المستشفيات، أو رعايتهم في المنزل، كما أننا لا نخرج كثيراً لزيارة الأقارب والأصدقاء.. مضيفاً إننا نتحمل: هذه المسئولية بكل شجاعة، ولا نشتكي حظنا، ولكن ألم يحن الوقت لإنهاء هذه المعاناة؟ إجابات محتملة سؤال قد لا يجيب عليه محمد، كونه لا يملك الإجابة، وعندما سألناه متى تتوقع أن تنتهي معاناتك؟ هل تطلبها من الدولة؟ أم من فاعلي خير، ان يقدموا لك المال الكافي للعلاج؟ أم من مستشفى يتبنى أطفالك؟ أو مراكز لرعايتهم، بحيث تخفف العبء عنك؟ قال، وهو لم يزل منكس الرأس: أعتقد أن كل هذه الإجابات تحتمل الصحة، وأنا على الرغم من كل ما أعانيه لم أفقد الأمل بالله سبحانه وتعالى، ثم إن أجهزتنا الصحية كما أعتقد لديها إمكانيات هائلة في هذا المجال، فلو أنه يوجد حل لمثل هذه الحالات، بحيث تتكفل الدولة بهم، وتكون الأسرة متابعة فقط، بحيث لا يعتقد الأب أو الأم أن المسألة برمتها رفعت عن كاهلهم. الخادمة لن تحل المشكلة وتتناول صالحة طرف الحديث مرة أخرى، لتقول: حتى لو وجد مثل هذا الحل، فإنه لا يمكن للأم أن تنسى أطفالها، إنها لحمة عائلية، وعلاقة حميمية، استمرت لسنوات طويلة، لا يمكن أن تنتهي إذا نقل الأطفال لمستشفى تخصصي أو مركز للعناية. سألناها مرة أخرى: هل لديك خادمة؟ قالت بالطبع لا، فظروف زوجي قاسية جداً، وهو لا يتمكن من ذلك، ولست موظفة أو عاملة. سألناها: هل ترغبين في الحصول على خادمة؟ أجابت: بالطبع، إن مساعدة خادمة لي سيخفف عني أعباء كثيرة، أتحملها صابرة محتسبة، ولكني لا أعتقد أن خادمة أجنبية ستصبر على 5 أطفال، يحتاجون لعناية يومية شديدة.. مؤكدة ان الحل الوحيد في مراكز متخصصة، ترعاهم، ونكون نحن بجانبهم. أحلام مؤجلة انتقلنا لغرفة أخرى من أجل التصوير، ومن أجل اللقاء مع الخمسة ذوي الأحلام المؤجلة.. أو ربما المقبورة.. 5 أقمار متوارية.. منطفئة.. خابية.. لا أعتقد أن هناك عبارات تشرح حالتهم.. نظرت إلى زميلي المصور، وجدته يغالب دموعه،.. نظرت إلى قلمي، وجدته يرتعش أيضاً، رغم أنه لم يكتب كلمات كثيرة.. كنت أكتفي بالسماع، ولم أتعود أن أحمل معي مسجلة كباقي الصحافيين.. كنت أعتمد دائماً على الحالة العفوية، التي يتحدث بها محدثي، وقلت لنفسي لو استمعت للمسجلة بعد نهاية اللقاء، فلن تمنحني نفس الشعور الذي سأتلقاه مباشرة من قلبه.. من داخل معاناته.. لن تصدقوني إذا قلت لكم إن الكلمات التي تقرأونها الآن ممزوجة بدموعي.. ستقولون إنك صحفي مبالغ، ويسعى لاستدرار الدموع.. ذلك شأنكم، ولكن هذه هي الحقيقة. فاطمة وباقي البنات من حيث بدأنا نعود لفاطمة، التي تقول: أنا فتاة كما ترى عمري 11 عاماً، آكل وأشرب وأنام بشكل طبيعي، وأتحدث إليك أيضاً (أنظر إليها لا أثر للمرض عليها)، ولكن المشكلة أنني لا أستطيع ممارسة حياتي، أنا أرغب أن أكون كباقي الفتيات، أزور صديقاتي، أذهب إلى المدرسة، أنجح أو أرسب ليست مشكلة، أذهب للبقالة، لأشتري الحلويات لأخوتي، ألعب مع بنت الجيران. تتابع فاطمة: لكنني للأسف الشديد لا أستطيع أن أفعل كل هذه الأمور، فأنا أقضي أغلب وقتي بين البيت والمستشفى، وكنت أذهب إلى المدرسة في السنة الماضية، ولكنني لم أتمكن من المواصلة، بسبب كثرة تغيبي، لأنني أقضي أياما كثيرة من الأسبوع في المستشفى، إما لنقل الدم، أو لتلقي العلاج. عاجزة تصمت فاطمة قليلاً، ثم تواصل حديثها: أرغب في تخفيف معاناة أمي وأبي، ولكن لا حول لي ولا قوة، أنا فتاة عاجزة تماماً عن فعل أي شيء. سألناها: إن كانت تحب أن توجه كلمة لأي شخص؟ قالت أوجه كلامي للمسئولين في بلادي، وأقول لهم: اهتموا بنا فنحن أطفالكم، قبل أن نكون أولاد محمد وصالحة.. نحن أطفال المملكة، نرغب أن نكون بجانب أخوتنا وزميلاتنا.. نحن نريد أن نكون أمهات المستقبل، فهل تحققون لنا هذه الأمنية؟ خالد: لا أحلام لدي تحدثنا مع خالد، سأله المصور قبل أن أبدأ معه: هل تلعب الكرة مع زملائك؟ أجاب بهزة نافية من رأسه، كأنما يقول: من يعيش مع المرض لا يستطيع أن يمارس حياته اليومية بشكل طبيعي، لا أستطيع أن ألعب الكرة مع زملائي، ولا أستطيع الذهاب للشارع.. ولا أستطيع زيارة أحد.. أنا في هذا المكان منذ زمن بعيد، لا أخرج منه سوى للمستشفى فقط.. مؤكداً: لا أحلام لدي..لا تفكير في المستقبل.. أنا لا أعرف هذا المستقبل أصلاً، فكيف أحلم به أو أفكر به، كل الذي أعرفه أنني أذهب للمستشفى كل شهر لنقل الدم، وأعرف أيضاً الأدوية التي أستخدمها، والتي يقول أبي إنه لا يستطيع إحضارها بشكل دائم، وأعرف أيضاً الإبر التي تزرق في جسدي كل يوم. يبكي قليلاً، ثم يواصل: هل تريد أن أقول لك ماذا أعرف أيضاً؟ أعرف أن أبي عاجز عن فعل أي شيء لنا، وليس لنا سوى الله يسمع شكوانا، ويخلصنا من هذا المرض اللعين. نداء عاجل قبل ان نخرج من المنزل وجه والد الأسرة محمد الزين نداء عاجلاً إلى كل سعودي مصاب بالثلاسيميا، أو بأي مرض وراثي آخر، مفاده الابتعاد عن الزواج الخطر.. قائلاً: ليس من المعقول أن يتطور العلم وتتطور الأبحاث في كل المجالات، خاصة في المملكة، بما حباها الله من خير ونعم، وأن نظل أسرى العادات والتقاليد والأفكار البالية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، بل تضر وتسبب مشاكل قد نكون في غنى عنها، إذا اتبعنا العادات الصحية والطبية الصحيحة، التي يحثنا عليها الدين أصلاً، حيث أمرنا بالمحافظة على صحتنا واعتبر النفس أهم شيء لدى الإنسان. فاطمة .. المرض حرمني الدراسة.. والأمل