كنت قد اقتطعت وقتا خصصته لقطع صمت الايام الطويلة التي تمضي في العمل لأنعم بساعة صفاء مع نفسي. التهمت قدماي أطراف الشاطئ وجلست على احد المقاعد الصغيرة المتراصة في وجل أمام صوت الموج . كان وقتا ملائما لتختارني نسائم الشتاء لأنعم برومانسية افتقدتها منذ زمن وعلقت بين أهدابي مشهدا جميلا. رجل في حوالي السبعين من عمره يجلس بقرب زوجته التي تبادله نفس الحلة من العمر تقريبا. كانت ابتسامات خفيفة تشع من تلك العيون في طمأنينة غريبة ، طمأنينة من ذلك النوع الذي يبعث السلام في نفسك . بين تلك اللحظات انغمست نكهة الشاي مع بعض الأحاديث العذبة ( بدت لي كذلك لأنها لم تصدر صوتا كما هو المعهود بين الأزواج). بعض لحظات السكون تثير فيك موجة حديث يبهرك صوت الحب فيه. مشهد عادي لكنه أثار شهيتي للتأمل . ترى من منا في حياته الزوجية يتخيل أن يستمر هذا الدفء حتى هذا العمر. من منا لايجتهد في إيجاد الأعذار التي تجعله ينتقد شريكه بمناسبة أو بدون مناسبة. من منا يستطيع أن يأكل من خبز الحب حتى هذه المرحلة المتأخرة . كم تراودنا مثل هذه الأحلام كثيرا ولكننا نعتقدها ضربة حظ فالزواج في نظر البعض ليس إلا لوحة متناسقة الأسنان ، تبدأ بخاتم وتنتهي برزمة أطفال ، وبقايا هموم.؟ من منا يرى في شريكه صديقا وليس مجرد زوج أو زوجة. إنها أرقى أنواع التواصل بين الزوجين أن تبنى جدارية الحياة على الصداقة . الصداقة التي تجعل الفتور كابوسا مزعجا نادرا مايشعر به الاثنان. ألسنا بحاجة لذلك في زمن انكسرت فيه كل الروابط الدافئة!! ولكن كيف لزوجين أن يكونا صديقين؟ ليس هناك شيئ مستحيل إذا أحلناه إلى الاصرار والتعلم. والمفردة ليست غريبة على أحد فالصداقة تعني ألفة الأرواح وانسجامها. ولكن في الزواج معناها أعمق ففيها شراكة في الحياة لأسباب لايمارسها الكثير. فيها ارتباط من نوع مميز يتمازج فيه روحان ليتقابلا مع موجات الحياة سالبة كانت أم موجبة دون الخوف من الغد دون الحاجة للعناد أو الخلاف فالرؤية لكلاهما واضحة والأهم فيها هي البقاء للقلب دافئا بالحنان لامكان للظنون السيئة ولا سبيل لحياة يكون السبب فيها مجرد وجود الأولاد. الخطأ الذي يرتكبه معظم الأزواج حينما لايدركون أن جمال التكيف مع الحياة يبدأ من التكيف مع الطرف الآخر وليس من انجاب الأطفال منه ألسنا جميعا نشتكي من وحدة رغم الجوار بشريك ؟ وقد يسرف البعض في الاكتئاب لأنه يشعر بأن الطرف الآخر قد انشغل عنه بأمور الحياة دون أن نحاول أن نكون جزءا من حل المشكلة؟ من أين نصنع سكينة تملؤنا رغبة للأجمل إن لم تصبح لغة اقترابنا واحدة ، إن لم يكن حوارنا في مشاكلنا بهدوء حقا نمارسه بدون الحاجة لنؤذي بعضنا البعض بكلمة جارحة أو تصرف قاس. ألسنا جميعا نبحث عن رفاهية السعادة ؟ كيف يحدث ذلك إن لم يكن نحن الاثنان شريكين في تحقيقه! من أين نذيب ذلك الصقيع في وتيرة الأيام إن لم نتشارك في لحظة نتنفس فيها سويا بعيدا عن أثقال الأعباء التي نحبها ؟ . أنا وأنت .. صداقة أرواحنا تعني لنا الكثير ولاتجعل لأي منا سبيلا للبحث عن فضاء آخر يسعده. أنا وأنت لا نلقي نوبات الفرح كما نلقي تحية الصباح بل نكسبها سمرة نجاحاتنا سويا .. من دون أن يكون شرط فيها أن يتفوق أحدنا على الآخر . أنا وأنت لاتذوب بين مساءاتنا ضحكاتنا لأننا اختلفنا يوما أو زادت أعباؤنا. أنا وأنت لحظاتنا الخاصة تفرق فوضى الملل والفتور. فكل منا لا غنى له عن الآخر. أنا وأنت لانخشى من كبوة غضب لأننا ألفنا بعضنا البعض لحد الانصهار. أنا وأنت تحتسينا الغيرة أحيانا ولكنها تعطينا الفرصة لأن نتذكر أننا مازلنا نعني الكثير لبعضنا. أنا وأنت صفحة عشق نكتب فيها مفردات أطفالنا فينشأون مثلنا .. نسخة من حبنا وتواصلنا. لؤلؤة: فيك أيها الحلم أنا أهوى ظلا اقتسمته مع ظله ، وأعشق مكانا اختاره لي في مكانه .