الحياة الزوجية تعني المشاركة بين طرفين في الأفراح والأحزان، في الواجبات والحقوق، في سير الحياة وطريقتها وكل تفاصيلها... ولكن هل هذا يعني الذوبان التام في شخصية الآخر بحيث تُفقد الهوية المستقلة، وتضيع الشخصية المفردة، وتُمحى معالمها وسط الحياة الزوجية، فيضحي بفردانيته ليتبنى عادات الطرف الآخر وفكره وأسلوب معيشته؟ أم هل هذا يعني أن أختفي (أنا) وتختفي (أنت) ونصبح (نحن) نسخة واحدة متطابقة في الذائقة والهوايات والصداقات والتصرفات...؟ أم أنه الالتصاق التام والتملُّك والأغلال القوية والمراقبة الشديدة، التي لا تُتيح مجالاً للتنفس بمعزل عن الآخر وخارج فضائه؟ أثبتت الدراسات أن هذا الفهم الخاطئ للمشاركة في الحياة الزوجية هو ظاهرة سلبية، فالذوبان الزوجي يُهمش أحد طرفي العلاقة الزوجية، ويُحطم شخصيته، ويُخلخل ثقته بنفسه، ويسلبه الرأي والقدرة على أن يكون شخصاً فاعلاً مؤثراً مستفاداً من قدراته.. وهنا بالطبع لا أعني أن ينقلب فيصبح متشبثاً برأيه، محققاً لذاته، محافظاً باستماتة على كينونته.. بل هناك شعرة دقيقة تفصل بين الحالين، والحياة الزوجية تكاملاً وليست معركة! كما أن اختفاء هوية أحد الطرفين يدخله في متاهة يبحث فيها عن ذاته، ويُشعره بالكثير من إنكار الذات، ويحيّره في التساؤل عن من يكون؟ وما هي رغباته؟، ليس هذا فحسب، بل ويدخل الحياة الزوجية في ملل ورتابة تهدد استمرار العلاقة. كما أن التملُّك والمراقبة اللصيقة تخنق الحرية، وتعزز مبدأ الهرب، خصوصاً لدى الأزواج. وختاماً أقول لكم: الزواج هو سعادة الحياة، هو انصهار شخصين في كيان واحد، يُغلفه التفاهم، الحوار، التكيُّف، الاحترام، الاهتمام، التسامح... يهدف إلى الوصول إلى نقاط مشتركة مُرضية لكلا الطرفين.. وهذا لن يتحقق إلا بوجود مسافة كافية بين الزوجين لا تُفقد أياً منهما هويته المستقلة، وبأن يُغذي كلا الطرفين شخصيته كفرد دون أن يُهمل دوره ومهامه كزوج شريك في إنجاح كيان الزوجية. - الرياض