الحوار العاطفي يرتبط بالزمن وبالمرجعية الثقافية والاجتماعية للشخصية الروائية، فالمفردة العاطفية تُكتسب من زمنها وبيئتها، لذا فالجدل والتحاور العاطفي في السبعينيات وهو زمن رواية "البحريات" لأميمة الخميس يلقي بظلاله على الحوار العاطفي بين شخصيات الرواية، فنجده أقرب إلى الرتم الهادئ والمفردة فيه أكثر رومانسية، بينما في رواية "بنات الرياض" لرجاء الصانع وهي في زمن ما بعد الألفين نجد الخفة وايقاع المفردة أكثر سرعة، متناسبا مع الحالة الشبابية لشخصيات الرواية، لذا لجأت الساردة إلى توظيف اللهجة المحكية في تلك الحوارات لتصبح أكثر تعبيراً عن المأزق العاطفي. في رواية البحريات تقدم أميمة الخميس أكثر من علاقة عاطفية، إلا أن علاقة متعب وسعاد هي الأنضج فنياً، لأنها قائمة على مأزق عاطفي، فهناك تباين في رؤية كل من متعب وسعاد لهذه العلاقة، إذ بينما يراها متعب مجرد نزوة طارئة، فإن سعاد ترى ذلك الحب نافذة أمل يعوضها عن خيبتها بسعد ويجعلها الأنثى البحرية التي تتألق بنسائم الحب في الليل الصحراوي. والحوار التالي يكشف هذه الفجوة العاطفية بين الطرفين. - " كان يقول لها: نحن نعيش حالة عشق خارقة مكتنزة . كمالها في تمام لحظاتها التي نرشفها حتى آخر رمق ونحن بأنها شيء ثمين نادر ولن يتكرر. - تسأله بغنج : لكن إلا تتمنى بأنك التقيت بي قبل أن يتزوج كل منا ، ثم سافرنا سويا إلى لندن مثلا ؟ - يجبيها : لا أتمنى أي شيء على الإطلاق، الأمنية في العشق تخنقه تحت سقف الشرعية ، وهناك حتما سيغادر غابته الاستوائية الممطرة وسيذبل ويموت ، دعيه في مراعي السافانا زرافة حرة ومنفلتة ومحاصرة بالوحوش. تصمت يبدو رده غامضا: ماذا يقصد بالغابات والوحوش والزرافات؟ هل نحن في حديقة حيوان؟ وتذكر زئير الأسود الليلي وكيف يثير جوانحها اللوعة والشجن . فتخبره بهذا . فيقول لها : بلهجة دافئة وصوت عميق مرتجف: مكانك اليوم هنا في أعماق قلبي وسأبعد عنك شياطين الوحشة واخنقهم." نتبين من الحوار أن متعب يتجلى بإحساس متكلف في مفرداته ويستثمر ثقافته التي استمدها من الفترة التي قضاها كمبتعث، بينما نرصد سعاد الأنثى الحالمة بالثنائية المستديمة. إن متعب يستخدم مفردة الشرعية ، ولا يسمى ذلك الارتباط بالزواج إذ أن مفردة الشرعية، رغم لمحة التكلف التي تحملها، إلا أنها مناسبة لرجل يمارس النزوة ، فمفردة الزواج تثير تلك الحساسية التي ربما تشعره بالذنب كزوج خائن. أيضا نجده يمارس التضليل باستخدامه لمفردة " العشق " كما أنه يمنح مفرداته إيحاءات حسية وهي تتناسب مع حجم تطلعاته من تلك العلاقة. ولم تكتف الساردة بهذا بل جعلت " متعب " يجنح إلى التوصيف الموحش لأنثى تلوذ به فيخضب كلامه بمفردة الغابات والمراعي والوحوش والحيوانات. مفردات لا تحمل المعاني العاطفية، وهذا ربما ما جعل الساردة تتعمّد ضخ تلك المفردات لتكشف الجانب الجاف في متعب، الذي يغترف من مخياله الصحراوي . فمهابة متعب في داخل سعاد متجلية من خلال هذا الحوار الذي يقوده متعب ببراعة. فهي فقط تعقب على كلامه وتتساءل بحنو. كما أن الساردة تستثمر عبارات متعب لتضيء الجانب الآخر لسعاد المسكون بالتوجسات من أصوات الحيوانات، الأسود تحديدا . وهذا الزئير الباعث على الشجن في داخل سعاد له دلالته، فقد يكون متعب هو الأسد الذي يزأر في عوالمها وخيالاتها ، لذا تلوذ به محبة ومخافة وامتنانا . أميمة الخميس صياغة النهايات العاطفية : حين غامرت سعاد بزيارة منزل متعب في غيابه ، نجد من خلال الحوار التالي، أن متعب تخلى عن فذلكته وتكلفه ، صار صوته متخشبا وآمرا وناهياً ومتوعداً. لكنه مازال يمارس التضليل في المفردات كما كان في الحوار السابق، فهو عندما يقول " أحسبك امرأة عاقلة " فن العقل، هنا، يعني لمتعب أن تتفهم سعاد ما يريده من تلك العلاقة وأن تتحرك في الدائرة المسموح بها، كما أن مفرداته لم تعد بالفصحى فالغضب من سعاد جعل مفرداته تصبح باللهجة المحكية "خبلة مثل البزران". هذا الفارق بين الحوارين يكشف لنا أن الساردة تماهت مع شخوصها ومع مبرر الحالة فأوجدت الفارق سواء على مستوى المفردة أو حتى على شكل الحوار: " وسألها عن صحتها بفتور ومن ثم قال بلهجة ناقمة : لم زرت بيتي ؟ صمتت ، لم تستطع ، قالت بصوت خافت: اشتقت لك . قال وهو مستمر في صوته المتخشب : اسمعي يا سعاد بلا دلع ، أنا ما وعدتك بشي وكنت أحسبك امرأة عاقلة ، ما دريت إنك خبلة مثل البزران ، تلبسين العباءة وتسيرين على زوجتي، على كل حال أنتِ من غير مطرود غير مرحب بك هناك. ولا تخليني اتخذ إجراءات . " إذا كان الحوار السابق من رواية البحريات يقدم نموذج النهايات في العلاقة ، نجد أن تلك الحالة تقدم بشكل مختلف في رواية "بنات الرياض" ، فإذا كان متعب هو من استبد بالبدايات والنهايات في علاقته مع سعاد ، نجد سديم تحاول الاستقواء وتنجح في النهايات ، تنجح أمام فراس وهو يحاول استعادتها. لكننا نجد الحوار مكتوبا بروح شبابية، وبالتفكير الذي يناسب تلك المرحلة العمرية فسديم تستخدم النزق الشبابي وهي تقول "بسرعة ترا ماني فاضية" . أيضا نجد أن الحوار ممتلئ بالتحايل وبالتعابير الضاغطة من فراس كقوله "سدومة" التعبير عن الاحتياج . والساردة تمنح سديم تلك القوة الطارئة التي تمنحها النجاة من سطوة فراس فيتضح انها تفتعل الصرامة وتفتعل القدرة على التخلي. أيضا تقدم الساردة حالة انجلاء الوهم، فحين يتأزم الموقف تتكشف الحيل وتصبح اللغة أكثر وضوحاً، فورقة الزواج لم تعد ذات شأن لدى سديم، فهي تقفل الخط وإقفال الخط لا يعني الكراهية ولا القوة لدى سديم بل الهرب والنجاة من انكشاف الضعف. لذا، نجدها عندما تتذكر عدد المرات التي أغلقت فيها الخط يدل على أن ذاكرتها نشطة عاطفياً وإن النسيان لم يتسلل إلى تلك الذاكرة. كما نلاحظ أن هذا الحوار مكتوب باللهجة المحكية وهو ما يتناسب ومثل تلك الحالة . أيضا نلاحظ أن رتمه سريع وفيه وضوح ومباشرة، وهو ما يتناسب مع حوار النهايات العاطفية التي لا يجدي فيها التكلف ولا العبارات اللطيفة. والملاحظة المهمة أن النماذج للحوارات العاطفية في الرواية تتجلى في حوارات النهايات أعلى وأعمق بكثير من حوارات البدايات. ربما لأن صناعة البدايات تحتاج خيالاً عاطفياً نشطاً يجيد كيفية تدبر أمر البدايات، أما النهايات فهي منسوجة من تداعي تلك العلاقات. - الحين أنت متصل عشان تعلمني أنك شفتني ! - لا .. أنا بصراحة متصل عشان أقولك لك ، أني اكتشفت.. ..أني حاس .. - بسرعة ترا ماني فاضية. - سديم ، متعتي خلال مكالمة واحدة لك أكبر من كل المتع اللي عشتها مع زوجتي من يوم تزوجنا ! - (بعد قليل من الصمت ) : أنا حذرتك ، بس أنت اللي قلت إنك تقدر تعيش هالنوع من الحياة ، لأنك قوي ، ولأنك رجاّل ! - سدّومة حبيبتي ، أنا مشتاق لك ، ومحتاج لك ، محتاج لحبك. -محتاج لي كيف يعني؟ هل تعتقد أني راح أقبل أرجع لك مثل أول بعد ما تزوجت ؟ - أنا عارف أن هذا مستحيل .. علشان كدا ، أنا متصل أسالك ..تتزوجيني ؟ أقفلت سديم الخط في وجه فراس للمرة الثالثة في حياتها. كان يتحدث إليها كأنه واثق من أنها لن تصدق عرضه السخي وستخر أمامه بموافقتها في ثوان! " أزمة المفاهيم العاطفية : تبدو رواية "أحببتك أكثر مما ينبغي" لأثير عبدالله هي الرواية السعودية الوحيدة التي يتجلى فيها الحب كأزمة عاطفية خالصة دون التوسل بأي قضية اجتماعية، وقد حضر الحوار العاطفي بكثافة في النص، حيث كانت الروائية تستخدم تقنية الحوار ليس لتعميق الحدث ولكن لأن مضامين تلك الحوارات يتم الاستشهاد بها كتعذيب لذاكرة "عزيز" في محاولة لإدانته على تلك المواقف. إن صوت بطلة الرواية "جمانة" يخضع ويسرد بصوت المتلذذ أكثر منه صوت المتألم، وفي الحوار الطويل التالي ثمة كشف لمستوى العلاقة بين الطرفين، إذ تبدو شخصية عزيز هي الشخصية المهيمنة والقادرة على إيلام جمانة بطريقة عاطفية احترافية يتجلى فيها ذكائه العاطفي، بينما تبدو جمانة، في المقابل، شخصية حالمة، ورغم وعيها بعيوب عزيز إلا أنها مؤمنة به، وحتى عندما تريد تعنيفه بقولها أنه لا يستحقها فإن ضعفها يبدو قريبا وهي تقول: ما ابسط أن تنهي كل شيء يا عزيز. -على فكرة أنتم الرجال تساعدون بعضكم بعضا في خياناتكم ونحن النسوة نساعد بعضنا في كشف تلك الخيانات. - مالذي ترمين إليه ؟ -اقصد لو حدث ورأتك إحدى صديقاتي مع فتاة ما ، أؤكد لك بأنني سأعرف. -أولاً ، متى تتخلصين من هذه الخصلة ؟ -أي خصلة تقصد؟ -أن تحاسيبني على أخطاء غيري ، في كل مرة يخطئ فيها أحد أصدقائي توقعين عليّ وكأني الفاعل. -هذا غير صحيح . تجاهلتني: ثانياً ، أوكد لك بأن صديقاتك لسن في حاجة لرؤيتي بصحبة فتاة ما ليفسدن ما بيننا . - والمقصود ؟ - صديقاتك يسعين شاكرات لمحاولة تفريقنا بدون سبب يذكر. -لأنك لا تستحقني. عقدت حاجبيك : لماذا تستمرين معي إن كنت تعتقدين بأنني لا استحقك ؟ -أجبتك بخوف : أمم .. لأنني أحبك -اسمعي ، هذا أنا ولن أتغير .. إن كنت تواجهين مشكلة في هذا اتركيني واكملي الطريق مع غيري -ما أبسط ان تنهي كل شيء يا عزيز. - أجبتني بغضب : نعم ، اسهل شي عندي في الحياة ، ايش عندك ؟ - قلت لك بقهر : حسنا عبدالعزيز ، أعدك أن تندم . حملت حقيبتي وهممت بالمبادرة . - ناديتني بصوت خافت : جمااااانة - التفت نحوك ، فأشرت بيدك ..أترين الحائط ؟ ذلك الحائط خلف سلطان مباشرة . -التفت الى سلطان ، الذي كان منشغلا بالحديث مع فتاة : أها ..؟ - طقي رأسك فيه . " وفي حوار آخر، يأخذ مكانه في كندا، نجد ثمة مباشرة في الحوار وهناك ارتباط ببيئة المكان، فالحياة المختلطة ولدت مسببات هذا الحوار، حيث العلاقات تبدو ملامحها ظاهرة لدى الآخرين. إنه حوار مكتوب بلغة فصيحة مباشرة ومخضّب باللهجة المحكية التي تتجلى فيها روح النزق الشبابي لدى عزيز في استخدامه لمفردات مثل "إيش عندك" و "انطقي". وهناك لفتات ذكية تحسب للساردة، فمثلاً عندما أغضب عزيز جمانة خاطبته باسمه "عبدالعزيز"، ولم تدلله ب عزيز الذي كان اسم التدليل على امتداد النص السردي.