الشاعر والكاتب المسرحي السوري ممدوح عدوان.. اضاف لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الحالية السادسة والثلاثين نكهة خاصة، حيث شارك في العديد من فاعليات المعرض بحيويته وبحضوره الابداعي والثقافي، حتى بات احد ابرز المشاركين في المعرض، فهو لا يزال يؤمن بزمن المنابر الشعرية وبحضور الشعر على المائدة الثقافية.. وعلى الرغم من انشغاله بالترجمة والعمل في الصحافة وكتابة السيناريو والرواية، لا يزال يعتبر نفسه اولاً شاعراً. وسيظل وفياً للشعر على الرغم من ابتعاده قليلاً عنه.. (اليوم) التقت به في القاهرة وكان الحوار التالي: @ هل تعتقد أن زمن المنابر الشعرية قد تراجع؟ * لا.. إطلاقاً لم يغب ولم يتراجع الشعر في يوم من الأيام عن المنابر، ولولا ذلك لما وجدتني الآن أقف على هذا المنبر وأقول الشعر، فالشعر حاضر في كل زمان ومكان.. ربما كان هناك انشغال في بعض الأوقات، لكن هذا لا يعني أبداً غياب الشعر عن الساحة الأدبية والثقافية، وأنا أرى أن هناك جمهوراً لا يزال يتابع قضايا الشعر ويهتم بحضور الأمسيّات الشعرية بين الحين @ كيف يمكن ان يعود للشعر تألقه؟ * عندما يتلمس الشعر هموم الناس وقضاياهم ويكون صادقاً أعتقد أن زمنه يعود، وبالتالي يعود له تألقه الذي نبحث عنه. وإذا كان الشاعر بعيداً عن قضايا الناس وهمومهم، ويعيش في برجه العاجي، يخاطبهم من هناك، فهذا سيؤدي إلى ابتعاد الناس عن الشاعر، وبالتالي عن الشعر، وسوف يخلق غربة رهيبة ومخيفة تشكل خطراً على التجربة الشعرية فيما بعد. @ أين تكمن المشكلة: هل في الشاعر الذي ينتج شعراً سيئاً أو في الجمهور الذي لا يتذوق جمال الشعر؟ * في الاثنين معاً.. فمرة صفع شخص شخصاً آخر على وجهه، فقال له: من أين صدر الصوت، من يدي أم من وجهك؟! فأجاب: من الاثنين معاً! المشكلة أن هناك جمهوراً غير مثقف وشاعراً رديئاً، وهناك كمية كبيرة من الشعر الرديء.. وبالتأكيد هذه الغزارة السيئة هي التي تخلق الأزمة، والحل يكون عن طريق وسائل الإعلام التي تخدم الشعر الجيد، وتخدم الثقافة الجديّة وتحارب الثقافة الرديئة والاستهلاكية.. والمنحطة. @ أنت روائي وشاعر ومترجم وكاتب سيناريو.. أين تجد نفسك أكثر بين هذه الأنواع الإبداعية؟ * في جميعها، فحين أكتب الشعر أنا شاعر، وحين أكتب مسرحية أرى نفسي كاتباً مسرحياً، وأدّعي أنني أستطيع أن أفعل كل ذلك في آن واحد.. لكن أعتبر نفسي شاعراً أولاً لأنني بدأت في كتابة الشعر، وأنا قادر على أن أقيم حواجز بين هذه الأنواع أو الأجناس الأدبية، ولا أسمح لأي جنس بأن يطغى على الآخر. @ ذكرت ذات مرة أنك لست الشاعر الوحيد الذي يُظلم في بلده، فهل هذا يعني أن هناك تقصيراً تجاه تجربتك الشعرية؟ * كل جيلنا - جيل الستينيات - هكذا يسمونه، والأجيال التي جاءت بعده كلها ظُلمت نقدياً، ولا أحد يهتم بها.. وكذلك جيل السبعينيات والثمانينيات ظُلم، بمعنى أنه لا يوجد أي حركة نقدية تروّج لهذا الشاعر وتلك التجربة.. فيا جماعة أعطونا كل يوم خمس دقائق في التلفزيون للشعر الجدي، وأنا واثق من أننا سنصبح شعراء ولنا جماهير عريضة. @ قلت أيضاً إن الشعر لم يكن جماهيرياً في تاريخه، فهل ممدوح عدوان يكتب للنخبة فقط؟ * لا.. كل شاعر يطمح لأن يكتب للناس، ولكن قدر الشعر أن لا يكون للجماهير.. والمتنبي - برأيي - لم يكن مقروءاً في عصره، فقيمة المتنبي جاءت بعد موته، عبر الاهتمام النقدي الذي تابعه، وهو لم يكن مقروءاً في عصره كما يُقرأ الآن محمود درويش أو أدونيس، لكن الناس دائماً يجب أن يكون لديهم همّ ثقافي، وعندهم قدرة على القراءة، وعندهم قدرة على شراء الكتب، ويمتلكون وقتاً للجماليات.. أما أن أكتب للنخبة، فلا أعتقد أن أي شاعر هدفه النخبة. @ ما أوجه علاقتك بالنقد، وهل تهتم به؟ * إذا كان النقد إطلاق حكم حول ما نرى ونقرأ، فكلنا نقّاد، وإذا كان المطلوب دعم هذا الرأي بمستند نظري أو جمالي وصلنا إلى النقد المختص، وأنا لست كذلك.. أنا قارئ مزاجي، أكتب كما أحب أن أقرأ، وأقرأ ما يعجبني، وإذا لم يعجبني توقفت عن القراءة حتى لو كان العمل من الروائع المتفق عليها. ولقد قرأت عدة كتب ولم أستطع أن أكملها، لأنني لم أستمتع بها.. وبالتالي إذا كتبت نقداً فإنني أكتب انطباعاً شخصياً فقط. @ الشاعر ممدوح عدوان متابع للتجارب الشعرية الشابّة على الساحة الأدبية، كيف ترى هذه التجارب؟ * الشعب لا ينضب، وبالتالي يقدم دائماً شعراء برغم ما نراه من ظواهر سيئة.وفي كل مرحلة سنجد مثلاً عشرين شاعراً جيداً وستة آلاف شاعر سيئ، فيحدث طغيان في الأصوات غير الموهوبة على الأصوات الجيدة، لكن هذا غير مخيف، لأن الزمان وحده كفيل بغربلة هذه الأسماء. ومنذ بداية هذا القرن حتى الآن يوجد على الأقل ثلاثمئة ألف شاعر كتبوا، ولكن الذين وصلوا إلى نهاية الطريق لا يتجاوزون الخمسين، وأي أمة تقدم خمسين شاعراً خلال نصف قرن فهذا شيء عظيم جداً.. وتشكل هذه التجارب الشابّة رافداً أساسياً لحركة الشعر وتطوير الثقافة العربية. @ برأيك، هل السياسة تفسد الشعر؟ * لا شيء يفسد الشعر إلا الشعر الرديء، فمن الممكن أن تكتب شعراً جيداً في السياسة، ويمكن أن يكون في الغزل وفي الوصف، بأي شيء تكتب شعراً جيداً.. ويمكن أيضاً أن تكتب شعراً سيئاً، فالمشكلة ليست في الموضوع، وإنما في طريقة التناول، وأنا لا أثق بأي سياسي لا يقرأ شعراً.