علم النفس الآن تتجاذبه اتجاهات فكرية كثيرة ولا أرى في الحقيقة منها ما يتوافق مع البيئة السعودية اكثر من الاتجاه السلوكي, لأن فيه عناصر تتوافق مع الاتجاه الاسلامي في التربية المبني على تقديم الثواب والعقاب لتوجيه السلوك الاتجاه المطلوب, ولا يدخل الاتجاه السلوكي في متاهات فكرية مستمدة من الثقافة المسيحية مثلما هو الحال بالنسبة للاتجاهات التقليدية فيه, بل انه يركز على تطوير تقنية فعالة تتيح التحكم في السلوك وتوجيهه الوجهة المطلوبة, ولعلكم لو اطلعتم على كتاب قمت وزميلان آخران بترجمته الى العربية بعنوان (الدليل العملي لحل المشاكل السلوكية لمرحلة ما قبل المدرسة) لرأيتم كيف يمكن تطبيق التقنيات التي طورت من خلال الاتجاه السلوكي من قبل مدرسات مرحلة الروضة في حل مشاكل سلوكية كثيرة نجدها كذلك في البيئة السعودية. كما ان الاتجاه السلوكي الآن يقدم تقنيات كثيرة في مجال تحسين الاداء في العمل ذكرت جزءا يسيرا منها في كتابي (سلوك السلوك) يمكن لعالم السلوك الفطن ان يستخدمها لتحسين ادائه واداء من يعمل معه, وكنت أدرس بعضا من هذه التقنيات في الجامعة لطلاب مرحلة ماجستير ادارة الاعمال, وقد لمست استحسانا عاما من الطلاب لها ومعظم هؤلاء الطلاب هم اداريون في القطاع الخاص. لقد اصبح علم النفس بسبب الاتجاه السلوكي, علما امبراطوريا مثلما كانت الفلسفة من قبل, فهو اليوم يغطي بدراساته وتقنياته حقولا كثيرة كانت ميادين لتخصصات أخرى, وينجح في حل معضلات كانت في السابق مستعصية على جهود التخصصات الاخرى. فعلم النفس السلوكي اليوم يبحث في الأسس السلوكية للمعرفة وهو كذلك يبحث في السلوكيات الذهنية مثل التفكير والنظر ويقدم الاجابات الفاعلة عن كثير من الأسئلة التي لم تتوافر لها الاجابات من قبل, وقد شرحت هذا في كتابي (سلوك السلوك) الذي نشرته مكتبة الخانجي منذ اكثر من عشر سنوات, فدور علم النفس لا يقتصر فقط على علاج المتخلفين والمنحرفين بل يتعداه ليبحث في شؤون تخص جوانب مختلفة من السلوك. وبسبب الثورة السلوكية استطاع علماء النفس تطوير تقنيات سلوكية تتيح التحكم في السلوك وتوجيهه نحو الافضل.