هو أسبوع الانكسار بامتياز. انكسار الاندفاعة الأمريكية في العراق، التي كان الظن أنها ماضية نحو أهدافها كما السكين في قالب الزبد، منذ السقوط المدوي في التاسع من شهر أبريل الماضي. ولكن الأحداث اللاحقة كشفت عن مفاجآت عدة، أحدها أن الذي سقط هو النظام البعثي، وان بغداد لم تسقط بعد، وأحدثها اعتراف واشنطن بأن قالب الزبد الموهوم ليس سوى حقل ألغام كبير! "1" لا يكاد المرء يصدق عينيه وهو يقرأ تصريحات المسئولين الأمريكيين هذه الأيام، لا أقصد تصريح الرئيس بوش الذي نشرته صحف الجمعة (14/11) الذي قال فيه إن القوات الأمريكية لن تغادر العراق إلا اذا تحققت فيها الديمقراطية المنشودة، لأن أحداً لم يعد يأخذ الكلام على محمل الجد، ليس فقط لأن الحاصل في العراق على النقيض مما يدعيه، ولكن أيضا لأنه القائل إن الهدف من غزو العراق هو تخليص العالم من شرور أسلحة الدمار الشامل التي يملكها. وهي الأكذوبة التي روج لها في البداية، وتلاحقه وصمتها حتى الآن. لكن ما اعنيه بوجه أخص هو تصريحات السيد بول بريمر المندوب السامي الأمريكي لدى العراق، التي قال فيها انه سيجري مباحثات مع مجلس الحكم الانتقالي بشأن افضل السبل للتعجيل بنقل السلطة للعراقيين، وهو التصريح الذي أدلى به في أعقاب الزيارة المفاجئة التي قام بها إلى واشنطون، التي كانت بمثابة استدعاء عاجل له جعله يترك بغداد مهرولاً، في حين كان يزورها رئيس وزراء بولندا لتفقد القوات التي أرسلتها بلاده إلى العراق استجابة للدعوة الأمريكية. وقد فهم أن استدعاء بريمر إلى واشنطون تم اثر صدور تقرير متشائم حول تدهور الأوضاع الأمنية في البلاد أعده مدير محطة المخابرات المركزية الأمريكية في العراق، وقالت صحف 13/11 انه أسوأ تقرير أعد في هذا الصدد. لقد عاد بريمر إلى بغداد هذه المرة وهو يتحدث عن تشكيل حكومة عراقية مؤقتة تضع الدستور، وإقامة هيئة حاكمة لها مسئوليات سيادية، وإجراء انتخابات في النصف الأول من العام القادم. وهذا كلام جديد تماماً، لأن الموقف الأمريكي الثابت طيلة الأشهر الثمانية الماضية كان رافضاً لفكرة نقل السلطة إلى العراقيين، بل كان رافضاً لمبدأ مشاركة العراقيين في السلطة أصلاً. وفي حدود علمي فان تشكيل مجلس الحكم الانتقالي، على تواضع صلاحياته، تم بناء على إلحاح وضغط من جانب ممثلي الأمين العام للأمم المتحدة. وحين اقترحت فرنسا وألمانيا نقل السلطة إلى العراقيين، فان واشنطون رفضت الاقتراح بشدة، وقد انتقد وزير خارجية فرنسا هذا الرفض، حتى تساءل مستنكراً في تصريح أخير له: كم جندياً أمريكيا يجب أن يموتوا، لكي تغير واشنطون سياستها؟ "2" قرار نقل السلطة يمثل تحولاً جوهرياً في الاستراتيجية الأمريكية (واشنطون بوست 13/11) - وهو بمثابة تراجع صريح عن البرنامج السياسي المعلن من جانب واشنطون إزاء العراق (الجريدة ذاتها - 12/11) - وهذه الخطوة لم يكن منها مفر بعدما أصبح النزاع عند مفترق طرق، وقد تؤدي في النهاية إلى تغيير وجه الاحتلال الأمريكي للعراق - (لوس انجيليس تايمز - 13/11). في الوقت ذاته فالإجماع منعقد في الصحف الأمريكية حول نقطة محورية هي أن عمليات المقاومة وراء فكرة نقل السلطة وإجراء الانتخابات في العراق، وهي المهمة التي يراد الفراغ منها في النصف الأول من العام القادم، قبل أن تدخل انتخابات الرئاسة الأمريكية مرحلتها الحاسمة (في شهر نوفمبر 94). بالتوازي مع ذلك فان عدة صحف أمريكية توقعت أن يحدث انسحاب جزئي للقوات الأمريكية من العراق قبل موعد الانتخابات. وهو ما يعني أن الرئيس بوش مدرك لمدى الوجع والإيلام الذي تسببه المقاومة العراقية للوجود الأمريكي. ويعي تماماً أن استمرار تدهور الأوضاع في العراق من شأنه إضعاف فرصة فوزه في انتخابات التجديد، ومن ثم تهديد مستقبله السياسي. ولا بد أنه تلقى الرسالة التي بعثت بها استطلاعات الرأي العام التي أشارت إلى أن مؤيديه اصبحوا لا يمثلون اكثر من 51% من الأمريكيين (وصلت نسبة تأييده في السابق إلى اكثر من 75%) - خصوصاً أن استمرار المقاومة وسقوط الضحايا الأمريكيين يعيد إلى الأذهان الذكريات المريرة والكئيبة التي عاش الشعب الأمريكي أجواءها قبل 40 عاماً إبان الحرب الفيتنامية. وقد بدأ مصطلح الفتنمة يشيع في كتابات المعلقين، (الصحف الإسرائيلية تتحدث عن المستنقع والوحل في العراق - يديعوت احرونوت 28/10)- بل إن وكالة رويترز بثت خبراً يوم الجمعة الماضي (14/11) قالت فيه إن الأمر في العراق أسوأ منه في فيتنام، وانه طبقاً لإحصاءات وزارة الدفاع الأمريكية فان ضحايا الحرب الفيتنامية في أول سنتين (62 و 63) كان عددهم 392 أمريكياً، بينما وصل عدد القتلى الأمريكيين خلال الأشهر الثمانية الأولى لاحتلال العراق - وحتى يوم الجمعة الماضي إلى 397 قتيلاً. وبينما دأبت الصحف والمجلات الأمريكية على نشر التقارير المتشائمة عن الأوضاع في العراق، مصحوبة باستطلاعات مصورة وأحاديث لأهالي الجنود، القتلى والجرحى، فان أخبار واشنطون في الأسبوع الماضي تحدثت عن مشروع قدمه 15 عضواً ديمقراطياً إلى الكونجرس لطلب عزل وزير الدفاع رامسفيلد من منصبه. وهناك تسريبات صحفية عن سحب ملف العراق من وزارة الدفاع ونقله إلى البيت الأبيض، الأمر الذي يعني تقليص صلاحيات رامسفيلد وفريقه في الموضوع. بل هناك من يقول ان الرئيس بوش سوف يتخلص من رامسفيلد قبل الانتخابات، ليضحي به ويحمله أوزار ما جرى، لكي لا يظل وجوده إلى جانبه في إدارته عاملاً سلبياً يذكر الناس بالمستنقع وما جرى فيه وبسببه. (لا تنس أن رامسفيلد ظل يتحدث بعجرفة قبل الغزو وأثناءه عن أن الولاياتالمتحدة ستخوض الحرب وحدها - بأسلحتها الذكية! - وليست بحاجة إلى أحد، وقد اضطرت واشنطون بعد ذلك إلى طلب العون من الأممالمتحدة ومن أصدقائها لتخفيف الضغط عليها في العراق. وهو ذاته من صرح يوم الجمعة الماضية 14/11 بأن العراق بلد خطير وسيظل كذلك! - لا تنس أيضاً ان الادارة الامريكية في العراق تراجعت عن قرار حل الجيش،واتجهت إلى اعادة تعيين بعض عناصره لمساعدتها على انقاذ الموقف). "3" كما يحدث في كل انحسار، فان الجزر كشف عن الكثير من الحقائق الماثلة على الأرض. فقد عرف مثلاً أن المخابرات المركزية الأمريكية قدمت تقريراً إلى البيت الأبيض قدر عدد الأفراد المشاركين في المقاومة العراقية بخمسين ألفاً (الأهرام 14/11) في حين أن الجنرال جون ابي زيد هَّون كثيراً من حجمهم، وذكر أن عددهم حوالي خمسة الاف. وأضاف تقرير المخابرات أن أعداد المقاومة تتزايد باستمرار، وان تأييد الشارع العراقي للعمليات الفدائية قوي، وان عناصر المقاومة تلقى دعماً مادياً ومعنوياً من المواطنين العراقيين العاديين. وهو كلام يكتسب أهميته من انه لا يحصر المقاومة في فلول النظام البعثي المنهار، ولا في المتسللين من الخارج، كما ظلت تردد أبواق الحرب النفسية، وإنما وضع التقرير يده على الحقيقة التي لم يكن هناك مناص من إدراكها، وهي أن العناصر الوطنية في الشعب العراقي هي التي تقف في الصف الأول من المقاومة. وهو ما يؤيده تصريح بثته الوكالة الفرنسية في 28/10، للجنرال رايمونز اوديرنو قائد الفرقة الرابعة المرابطة في تكريت، وقال فيه إن الأجانب لا يمثلون اكثر من 2-5% من رجال المقاومة. استطلاع معهد جالوب في العراق، الذي أعلنت نتائجه يوم الخميس 13/11 جاء بدوره كاشفاً ومتضمناً مؤشرات بالغة الأهمية والدلالة. وكان ذلك الاستطلاع قد تم في الفترة من 28/9 إلى 5/10 الماضي. وأجريت خلاله لقاءات شخصية مع 1178 شخصاً في بغداد، وطيلة النصف الثاني من شهر أكتوبر كانت نتائجه محل دراسة وتحليل في واشنطون. من بين تلك النتائج ما يلي: أن 43% يؤمنون بأن الولاياتالمتحدة احتلت العراق طمعاً في نفطه. 37% مقتنعون بأن غزو العراق كان هدفه إسقاط الرئيس السابق صدام حسين ونظامه. 5% يعتقدون أن الولاياتالمتحدة جاءت لمساعدة الشعب العراقي. الذين يعتقون أن الولاياتالمتحدة ستقيم ديمقراطية في العراق لا تتجاوز نسبتهم 1% (!)، رغم أن 52% قالوا إنها تسعى إلى ذلك، و 51% قالوا انها لن تسمح للعراقيين بأن يقيموا نظامهم بعيداً عن النفوذ والضغط الأمريكيين. 52% يؤمنون بأن واشنطون ستستخدم نفوذها لفرض النموذج الديمقراطي الذي تريده. 75% على اقتناع بأن مجلس الحكم الانتقالي لا يفعل اكثر من أن ينفذ السياسات الأمريكية. 15% يعتقدون بأن المجلس مستقل. اكثر من النصف قالوا ان واشنطون لن تسمح للشعب العراقي ببناء مستقبله السياسي دون تدخل من جانبها. 94% يعتبرون أن بغداد في وضعها الراهن اشد خطراً منه في السابق. 64% يرون أن الهجمات على قوات الاحتلال غير مبررة. 26% يرون أنها مبررة نوعاً ما - و 11% أكدوا أنها مبررة وواجبة. كما رأيت، فان كل سطر في الاستفتاء جاء مكذباً للدعاوى التي روج لها البعض حول تحرير العراق والديمقراطية الموعودة له، وسعادة الناس بالخلاص من كارثة النظام الصدامي البعثي، ثم إدراكهم انهم بالاحتلال ادخلوا في دوامة كارثة أخرى. "4" وقعت على رسالة ساخرة ترسم بعضاً من ملامح الكارثة الأخرى. فقد نشرت مجلة المستقبل العربي البيروتية في عددها الأخير - الصادر أول نوفمبر - رسالة وجهها إلى شعب العراق أحد العلماء الأمريكيين من سلالة الهنود الحمر، هو جورج واسون، الذي يعمل الآن أستاذاً للانثروبولوجيا بجامعة ايوجين (ولاية مطلة على المحيط الهادي). وهو من أسس الأرشيف التاريخي للشعوب الهندية، التي تعرضت للاستئصال والإبادة على يد الأمريكيين. وفي رسالته شبه مجلس الحكم المحلي الذي شكله الأمريكيون في العراق، بمكتب الشئون الهندية، الذي شكلته الإدارة الأمريكية لتحقيق المطامع التي عجزت عن تحقيقها بقوة السلاح. في رسالته التي عرضها الباحث العربي المقيم في واشنطون منير العكش قال الزعيم الهندي جورج واسون ما يلي: يا أعزاءنا شعب العراق: وقد تحررتم من طاغوتكم، فاننا- نحن في مكتب الشئون الهندية، نتطلع إلى أن تقوم بيننا علاقات في المستقبل. ان لدينا إحدى اقدم وكالات الولاياتالمتحدة خبرة في إعادة تكوين واستيعاب البشر ذوي الثقافات والحضارات المغايرة ضمن طريقة الحياة الأمريكية. اكثر من ذلك، فلكي نؤكد على الوعد الذي قطعناه على أنفسنا بأن يؤول العراق بعد انتهاء الحرب للعراقيين فقط، فاننا سنعين حكومة انتقالية تستطيع إعادة تدفق النفط - من اجل مصلحتكم طبعاً. ومن خلال ذلك ستجدون أدناه قائمة بما تتوقعونه منا، استناداً إلى خبرتنا الواسعة في إدارة الهنود الأمريكيين. 1- الإنجليزية هي اللغة المحكية في كل مكاتب الحكومة وملحقاتها. فإذا كنتم لا تتكلمون الإنجليزية، فان مترجماً يحسن الألمانية سيكون في خدمتكم. 2- على كل عراقي أن يتقدم بطلب جنسية. ذلك أن المواطنة ستكون مفتوحة لهؤلاء الذين يستطيعون أن يثبتوا انهم عراقيون منذ أربعة أجيال مع وثائق موقعة من حكومة الولاياتالمتحدة. وقد تكون سجلات الكنائس مفيدة في إثبات أصولكم. 3- كل المستشفيات المعدة لخدمتكم سوف تعطيكم وصفة طبية موحدة. أنها ستحتوي على شاش وضمادات ومراهم للحروق و يود و حقنة و ملقط شعر. 4- نفطكم سوف يوضع لكم في رعاية وصي، وسوف تعين الحكومة الأمريكية محامياً معتمداً ذا خبرة في شئون النفط ليمثل مصالحكم. ولا بأس بأن يكون كذلك موظفاً في إحدى شركات النفط. أن هذا سيضمن لكم مورداً اكبر مما تتوقعون. 5- كل عراقي سوف يقطع مائة فدان من صحراء العراق. ولسوف يعطى محراثا ونسخة من ترجمة الملك جيمس للكتاب المقدس. أما ما سيتبقى من أراضى العراق بعد توزيع الصحراء، فسيتحول إلى مستوطنات إسرائيلية. 6- لكل مواطن الحق في كيس إعاشة يتضمن الحليب والسكر والطحين والشحم. فإذا كنتم لأسباب صحية او دينية لا تستطيعون استخدام هذه الأغذية، فان بإمكانكم أن تتقدموا بشكوى إلى مفوض الشئون الهندية. أما العراقيون الذين تظهر عليهم أعراض السكري او أمراض القلب او زرق العيون فانهم سيحصلون على كيسي إعاشة بدلاً من واحد. وبما أننا سنتأكد من أن لديكم تأميناً، فان نظامنا الطبي لن يكون صالحاً لكم. 7- سوف ندير عائداتكم المالية ونتصرف بها، متعهدين لكم بأن أي طفل أمريكي في الخامسة من عمره، اذا كان قادراً على تشغيل الكمبيوتر، فان له الحق في أن يستولى على ودائعكم، وفي كل الحالات فان سجلات حساباتكم سوف تحفظ، ولكنكم لن تستطيعوا مراجعتها إلا بإذن من مكتب الشئون الهندية. 8- حفاظاً على مبدأ الفصل بين السلطة والكنيسة، كما يقرر الدستور الأمريكي، فان المبشرين المسيحيين الذين تدفع لهم الدولة رواتبهم وكل نفقاتهم سيتولون تعليمكم وخدماتكم الاجتماعية. وبالطبع، فان العراقيين الذين سيتحولون إلى المسيحية هم وحدهم الذين سيتمكنون من الحصول على وظيفة. 9- من اجل عقد اتفاقيات جديدة، فان بإمكان أي عراقي أن يوافق مسبقاً على نص المعاهدة المكتوب في واشنطن أن يعقد هذه الاتفاقية مع حكومة الولاياتالمتحدة نيابة عن الشعب العراقي. 10- أهلا بكم في العالم الحر، وانعموا بأيام سعيدة. "5" اذا كان الانتظار والترقب هو حظنا في المشهد - حتى الآن على الأقل - وإذا كان بوسعنا أن نتصور الأصداء الأمريكية التي عرضنا لبعضها، فان بعض الأصداء الإسرائيلية جديرة بالملاحظة والانتباه، خصوصاً اذا أدركنا أن المصلحة الإسرائيلية كامنة في قلب الغزوة الأمريكية للعراق، ومن ثم فان أي تعثر في مسيرة الغزوة يصيب تلك المصلحة الكامنة بضرر مباشر. لقد كتب الون بن المحرر السياسي لصحيفة هاآرتس مقالاً مهماً تحت عنوان نظرية 2003 - نشر في 25/9 - قال فيه ان اسرائيل لا تتعلم من أخطائها، وقد سقط قادتها في نظرية 2003 التي اعتمدت على الإفراط في الاعتماد على القوة العسكرية والتشبث بغطاء الأصدقاء الأمريكيين. وهو ما حدث في عام 1073. فقد اقتنع القادة الإسرائيليون بان الولاياتالمتحدة في عام 2003 سوف تغير بالقوة العسكرية الوضع الراهن في المنطقة، وسوف تسقط بالتالي الأنظمة المعادية لإسرائيل، في العراق والسلطة الفلسطينية وسوريا وإيران. ولذلك فانهم افرطوا في الحديث عن عام الحسم في المجابهة مع الفلسطينيين. إذ توقعوا أن يحدث احتلال العراق عملية دومينو إقليمية، وان يقبل العرب المهزومون والمجردون من الخيار العسكري كل املاءات اسرائيل للسيطرة طويلة الأمد في المناطق.. لقد تغذت تلك التقديرات الوردية على الاتصالات القوية والمستمرة بين المسئولين الإسرائيليين والمحافظين الجدد الأمريكيين، الذين آمنوا بنفس المجريات وتوقعوها، وأيدوا شارون بحماسة، وأغدقوا على اسرائيل آمالاً عظاما علقوها على مرحلة ما بعد الحرب.. لكن هذه التقديرات كانت خاطئة، لان الولاياتالمتحدة نجحت حقاً في عملية إسقاط صدام حسين عسكرياً، إلا أنها تورطت في حرب استنزاف بالعراق، وبقي كل شيء على حاله في المنطقة. وكانت اسرائيل في السنة الماضية قد اقترحت على الولاياتالمتحدة خطة لفرض نظام جديد في المنطقة في مرحلة ما بعد الحرب في العراق. لكن ما يثير الدهشة أن أي طرف حكومي رسمي لم يخبر الأمريكيين بالخطر الكامن لهم، رغم أن كل إسرائيلي يعرف أن الانتصار العسكري في الشرق الأوسط هو بداية الحرب فقط وليس نهايتها، وان من السهل احتلال منطقة، ولكن الخروج منها ليس بالأمر الهين، وهو ما تعلمته اسرائيل من حرب (يونيو) وحرب لبنان والمواجهة الحالية في مناطق (الضفة الغربية). ختم الون بن مقالته بقوله: لقد آن الأوان لإعادة تقييم الوضع (في الأراضي المحتلة). وبدلاً من استبعاد الحلول السياسية وانتظار قيام أمريكا بتحطيم العرب من اجل اسرائيل، يجدر بنا أن نتعلم الدرس الأكبر من الحرب في العراق وتداعياتها، إذ انه حتى الدولة الأعظم في العالم تعاني من قصور القوة. وعليها أحيانا أن تغير من سياستها، وتبتلع غطرسة الأمس وغروره. ان الدروس كثيرة، لكن من يتعلم ويعتبر؟!