بعد مضي ثلاثين سنة على نهضة البحث عن الجذور التي اطلقتها رواية (الجذور) لاليكس هيلي بدأ الامريكيون السود يستخدمون احدث الابحاث الجينية (الوراثية) للامساك بالخيوط التي تصلهم ببلدانهم الاصلية التي جاءوا منها في القارة الافريقية، بعد ان كان مثل هذا الامر مستحيلا ذات وقت. وكان السود الذين يبحثون عن الوثائق والسجلات العائلية في القاعات الرطبة في الدوائر الحكومية والكنائس بل وحتى في المقابر غالبا ما يصابون بالاحباط عندما يكتشفون ان خطوط جذورهم تنتهي على الجانب الامريكي لسواحل الاطلسي حيث كانت ترسو سفن العبيد التي نقلت اجدادهم من القارة الافريقية. وقد كان مالكو العبيد غالبا ما يغيرون اسماء اسراهم ولم يكونوا يحتفظون بسجلات دقيقة، مما يحول دون اهتداء احفادهم المعاصرين الى شرايين الدم التي تصلهم بأفريقيا. واليوم تدعى مؤسسة African Ancestry Inc التي تملك بنكا متناميا من عينات الحمض النووي DNA الافريقية. انها تستطيع ان تعثر على بعض تلك الخيوط الضائعة، وان كانت ضعيفة جدا. وتثير هذه الشركة الصغيرة التي تتخذ من واشنطن العاصمة مقرا لها الشكوك لدى بعض المدافعين عن الاخلاقيات البيولوجية الذين يتولون الدعاية التجارية التي تنشرها الشركة لعرض خدماتها على الباحثين عن الجذور توقعات غير معقولة. وتقدم شركة افريكان انسستري نوعين من فحوص ال DNA وتقول انها عادة تستطيع ان تتعقب خط تحدر احد الوالدين على الاقل من منطقة جغرافية محددة على القارة الافريقية. وقد جمعت الشركة معطيات الحمض النووي لعشرة آلاف شخص يمثلون 85 جماعة اثنية من افريقيا. ولكل من هذه الجماعات مؤشرات جينية خاصة غير موجودة عند الشعوب الاخرى. وقد تم توارث هذه المؤشرات من جيل الى جيل وتظهر في خلايا الزنوج الامريكيين الحاليين. ويعتقد علماء بيولوجية التطور ان الحمض النووي الخارجي هذا عند كل فرد هو نسخة عن الحمض النووي المماثل لوالدته وجدته وجدة جدته، وهكذا دواليك - اي انه خيط امومي يرجع الى فجر نشوء الاجناس. وهذا الاعتقاد هو الذي ولد النظرية القائلة ان كل بني البشر تحدروا من (حواء) افريقية، مع ان النظرية اهتزت قليلا في السنة الماضية عندما سجل عالم دنماركي حالة احتوت فيها خلايا عضلية لرجل على حمض نووي غضروفي متوارث عن والده. وبالنظر الى ان الحمض النووي الغضروفي يتغاير بسرعة اكثر من الجينات العادية استطاع العلماء قياس سرعة هذه التغييرات مما اتاح اكتشاف خطوط التحدر الفردية. وقد أنشأت افريكان انسستري قاعدتها المعلوماتية باقتطاع منظومات جينية (جينومات) قبائل افريقية منشورة في مطبوعات علمية وبجمع عينات DNA من متطوعين في افريقيا. وهكذا، بلطخة من لعاب مونيكا مايلز واجر قدره 349.5 دولار استطاعت الشركة ان تبلغ محامي عائلة مونيكا انها متحدرة جزئيا من قبيلة ايبو وهي احدى اكبر الجماعات الاثنية في غرب افريقيا، المكان الذي جاء منه معظم العبيد الى امريكا. والحقيقة ان تكوين شجرة العائلة كان اشبه بنوع من الهوس لمونيكا مايلز، التي استطاعت ان تعود الى اجدادها عن طريق الوثائق الورقية الى العام 1810 ولكنها استطدمت بحاجز ولم تستطع الذهاب الى ابعد لتعرف على اي سفينة جاء اجدادها من حوالي 30 ألف رحلة بحرية لنقل العبيد من افريقيا الى امريكا جرت بين العامين 1400 و1860. وتقول مونيكا التي لا تملك حتى الآن اي معلومات تعود الى ما قبل العام 1810 انه (لامر محبط ألا نعرف من اين جئنا) الا ان معرفة ان احد اجدادها على الاقل كان من افراد قبيلة الايبو يضيف غصنا جديدا، ولو غامضا، لشجرة عائلتها، وهو غصن لم تكن تعرفه قبل الآن ومع ذلك تساور الشكوك علماء السلالات المحترفين واختصاصيي الاخلاقيات البيولوجية. ويقول هانس غريلي استاذ القانون واختصاص الاخلاقيات البيولوجية في جامعة ستامفورد : (اكثر ما يقلقني ان البعض يبالغون في بيع هذه التكنولوجية التي اعتقد انها لا تستطيع ان تقدم للناس بدقة التفاصيل التي يريدونها). ويشير غريلي الى ان 1 على 16 فقط من مورث الفرد يمكن ان يكون مضللا، وماذا اذا كان ال 15 على 16 الاخرى مختلفة تماما؟ الا ان مؤسسي الشركة وآخرين يصرون على ان الخدمات التي يبيعونها لها فوائد جمة. ويقول ريك كيتلز وهو عالم وراثيات في جامعة هوارد واحد مؤسسي الشركة ان الناس سيتعرفون على صلتهم بالمجتمعات في افريقيا، وان الخدمات المتوفرة قد تشجع على التبادل الثقافي وتروج لعلاقات امتن بين الزنوج الامريكيين والافريقيين. وقد باعت افريكان انسستري حوالي 300 فحص منذ انشائها في شهر فبراير الماضي. وفي هذه الاثناء انشئت في الاشهر الاخيرة شركات لتقديم خدمات مماثلة لجماعات عرقية اخرى. وتقدم شركة Traca Genetics في دايفيس بكاليفورنيا، والتي جمعت اربعة آلاف عينة DNA فحوصا تهدف الى البحث عن الاجداد للهنود الامريكيين الحمر. ويقول طوني بوروز استاذ تحدر السلالات واصول العائلات في جامعة شيكاغو ستيت ان ال DNA سيكون مهما جدا وهو من احدث الادوات. الا انه ليس العلاج النهائي، فلن تكتشف شجرة عائلتك بكاملها من قليل من اللعاب على عود قطن. بوروز، وهو مؤلف كتاب بمثابة دليل المبتدئين للبحث عن جذور الشجرة الافريقية الامريكية - يشدد على ان الحمض النووي لا يمكنه ان يحل مكان العمل التوثيقي التقليدي القديم ويصر على ان الاكتشافات الجينيالوجية (السلالية) سوف تستمر في الاتيان من اكتشاف سجلات مكتوبة قديمة ومنسية. وهو بنفسه يبحث عن اسماء وعناوين وحقائق حسية اخرى لا تستطيع ان تقدمها شركة افريكان انسستري والشركات المماثلة الاخرى. اضف الى ذلك انه لاشيء يضاهي الاثارة التي تحدث لدى الباحث عن الجذور السلالية عندما يكتشف صلة ملموسة ويقول بوروز : (كنت ابحث في الارشيف الوطني وفجأة وقعت عيناي على ورقة تسريح تعود الى العام 1815 وتعود قريب شارك في حرب 1812 هل هناك شيء اكثر اثارة من ذلك؟).