كذلك لم يحدث تساؤل حول الدور المحتمل للمعتقدات الدينية في تغيير الوضع او تقييدها حرية البحث والاختيار, علما ان مثل هذا الامر حصل في القرن الخامس عشر مع غوتنبرغ عندما اخترع الاحرف المنفصلة التي ادت الى اختراع المطبعة واطلاق اكبر ثورة معرفية في التاريخ, رغم اعتراض رجال الدين, ثم مع جاليليو في القرن السادس عشر عندما قال ان الارض كروية وليست مسطحة, بحسب المعتقدات المسيحية, وانها تدور حول نفسها مرة واحدة في السنة وحول الشمس 24 ساعة في اليوم, خلافا لما كان سائدا.. واستمر الامر كذلك, ورافقه اضطهاد مسيحي - مسيحي في اوروبا عبر محاكم التفتيش, الى ان ثارت الشعوب على حكامها, ورجال دينها احيانا. وجرى فصل الدين عن الدولة, واطلاق الحريات, واعتبار الشعب, لا الكنيسة مصدر السلطة. وان ما حصل مع (الجهاد) من فصل للاسلام عن الطبيعي المادي, وتحميل التقدم العلمي والتكونولوجي مسؤولية الفقر والجوع والظلم الذي تعانيه شعوب الجنوب وبعض شعوب الشمال التي انتقلت اليها اجزاء كبيرة من مجتمعات الجنوب طلبا للعلم والعمل والحياة الكريمة.. لذلك حصل انقضاض على رموز هذا العالم بدل الالتفات الى اسباب التخلف فوق ارض الجنوب, وفتح مدارس للتعليم ومحو الامية, واستغلال العقول والثروات الطبيعية لمنفعة الناس وترقيتهم. ومن السذاجة القول ان ما يجري هو حرب مسيحيين ضد مسلمين, انطلاقا من اعتقاد ان ادارة بوش تشن حربا (صليبية) على بلد مسلم. ذلك بان البروتستانتية الامريكية هي في تركيبها (اصولية) متأثرة بالفكر اليهودي الصهيوني وغالبا ما يطلق عليها (المسيحية المتهودة) التي لا علاقة لها بالمسيحية الحقيقية. تسترشد بالعهد القديم وتلتزم ميثاقا يقول ان اليهود هم (شعب الله المختار), وتربط اليهود بأرض فلسطين والايمان المسيحي بعودة مسيحها هي, وبقيام دولة صهيون اي باعادة تجميع اليهود في فلسطين حتى يظهر المسيح فيهم! وهذه قاعدة (الصهيونية المسيحية) التي لا علاقة لها بالمسيحية التي تؤمن بان المسيح آت, وكان رسول الخير والمحبة والتسامح والغفران. وهذه (المسيحية المتهودة) هي التي تلتزم امن اسرائيل وتزود حكام تل ابيب بالسلاح لتقتل به الفلسطينيين بعد تشريد اكثر من ثلاثة ملايين منهم عام 1948م تمهيدا لاعادة بناء الهيكل انتظارا لمسيح مزعوم. واشهر القساوسة البروتستانت في التزام الدفاع عن نظرية (البعث اليهودي في فلسطين) وليم بلاكستون الذي جمع عام 1891م تواقيع 413 شخصية امريكية تأييدا لاقامة وطن يهودي في فلسطين. وقد وافق الكونغرس عليها في حينه. لذلك كان ايمان (الصهيونية المسيحية) قبل تأسيس دولة اسرائيل, بعودة اليهود (كشعب الى ارضه الموعودة في فلسطين), واقامة (كيانه الوطني) فيها تمهيدا للعودة الثانية للمسيح. في ضوء هذا المفهوم للمسيحية الامريكية يصعب القول ان الحروب الجارية هي حرب مسيحية - اسلامية. وهو يستدعي تضامنا مسيحيا - إسلاميا, في فلسطين كما في لبنان وامريكا لجبهة المسيحية المزيفة, والكف عن تحميل التقدم مسؤولية الفقر والظلم في العالم, وسلوك طريق المعرفة والعلم والقضاء على الجهل في المجتمعات المسلمة, واكتشاف المعوقات وازالتها.. فالحرب المزعومة هي حرب مستحيلة.