إذا عجزت حبيبات الرمل عن الالتصاق، حينئذ يشك في مصداقية وولاء الشعب لوطنه؛ وعندما يتحوّل عشق الفرد لتراب مسكنه، فهو إنذار بقدوم ولادة غير مسبوقة نحو عقيدة (المواطنة الحقة). إن المشاريع الجمعية يجب ألاّ تتوقف عند الأزمات وحسب، بل هي في الأصل موضع تخطيط سليم، وفق رؤى الحاضر المجهول لجمهور العوام من الأفراد، والمستقبل المأمول لعمل النخب الاستشارية من ذوي السواعد السمراء، الذين تمرغت أيديهم برمال بلادهم على مستوى الدولة، وليس من أبرز سمات انتمائهم سوى جنسية آبائهم، كان قدر السواد الأعظم من أبناء المجتمع العام أكثر سواداً من البطء الذي يتزامن مع كل مصلحة ملحة تحدّد مصائرهم، لذا كل ما يأتي مما يسمى بالحلول فهو افتراضات لا تزهو به إلاّ فقاعات الإعلام المرحلي . فأصحاب السواعد السمراء المنتخبين وحدهم أقدر الناس على تكميم واقع مجتمعهم، دون اللجوء إلى إحداثيات ألفيات الورق، الذي لا يساوي ثمن الحبر الذي خطت عليه مضامين تلك الألفيات. ذلكم النفر القادم من مقر ضيافته الكويت إلى سويداء قلب نجد الرياض، بقيادة عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل سنة 1319ه، لم يلب نداء التحرير لفحوى حبر كتب على قرطاس، أو نتيجة لإعلان في وسيلة ما، إنما جاء من تنشئة سليمة تسبقها عقيدة راسخة فكابد ما كابد، والرهط الأحرار الذين تحالفوا معه كانوا ينتظرون بزوغ ذلك الفجر، حيث لاح نوره في قدوم موكب الإصرار، فتحقق ما كان يصبو إليه كل حرّ بالفطرة، وجاء البناء الذي انبثق من حاجة كل مواطن من مليكه بدءا بالأمن، التعليم، الصحة، ونهاية بالشؤون الخدمية كالكهرباء، الصناعة، والبحث عن خيرات هذه البلاد، وإنمائها فأصبح أفراد الشعب ملوكاً بقضاء تلك الحاجات! إن المواطنة وعلى الإطلاق ليست مشروعاً تنموياً، يحتاج بين الحقبة والأخرى لخطط تقوّم أداء سيره، بهدف ضمان استمراريته ومناسبته للظروف، التي وإن عصفت رياحاً ما تجد في المقابل كياناً متجدداً، يأبى أن يتزحزح، وليست أيضاً جانباً من صحة فرد كائناً من كان تظل حياته * طالت أو قصرت - رهن عوامل لا حصر لها، والنهاية البكاء على تابوت مصير صاحبه الاستقرار تحت الثرى، بل هي مكونات أبدية من ضمير كتب له الخلود تحمل الصبغة الإلهية التي زرعت في جوف بني آدم منذ نشأته الأولى حتى لقائه تبارك وتعالى، وعبر مراحل حياة الإنسان تظل عاملة دون هوادة أو ركون لكسل بفعل توجيه، وتوفيق من بارئها، وما تتأثر به هي عقيدة صاحبها، فإذا أريد به خيراً رأيت فاعليته وجدوى نتاجه الوطني، وإن كتب له العكس فتراه يترنح نظير عوامل التغيير، لكن ما يلبث ليجد سبباً من الأسباب التي هيأت له في دنياه كي يندم، ويتحسر على سوء ما قام به تجاه ذاته وطنه وأمته. لسنا بحاجة لتجارب الآخرين في هذا الحقل، وهذا ليس بدلالة على الرفض للرفض، بل لإيماننا العميق بأن (المواطنة) لا توصف بالتجربة، ولا تخضع لأي منهج تجريبي وضعي مطلقاً، ولا تعمم نتاجاتها بين الأمم قاطبة، إنما تضرب أمثلة نجاحاتها للتأسي وأخذ العبرة ولا شك. وهي أيضاً لا تحتاج لكتب دراسية أو منشورات دعائية أو حتى دوراً مؤسسياً على مستوى الدولة يحمل على عاتقه شتى أنواع المصالحة، وحسبي بآثارها ستكون قصيرة المدى، لأن المحرك لطاقتها مدفوع، وعلى مضض، فكيف هي ثمرة الضغط دوماً، ولا تعليق! إنها أي المواطنة عملية استخلاف أكبر من الله للعباد في أرضه، واستخلاف أصغر من حاكم عدل لمواطنيه، مع توفير أسباب الأمن التكاملي لضمان عطائها، وتجددها، ففي دولة كالمملكة أرسى قواعدها الإمام المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (طيب الله ثراه)، واكتمل بناؤها على أيدي أبنائه (حفظهم الله تعالى) من بعده، وما ابتليت به المملكة من عقوق نفر قليل من أبنائها ليجعلنا نستحضر المعاني السامية لنهج المؤسس، وأن نغذ السير قدماً نحو التحصين الفعال بهدف تحجيم، وتقويض عبث كل عابث مغرر به، ويرد إلى رشده، من خلال تفعيل أسباب الأمن التكاملي، فالالتفاف قبل أن يكون حول الإمام القائد شيمة اجتماعية، فهو واجب شرعي أولته الشريعة السمحاء جلّ اهتمامها، وأكدت عليه في علاقة المحكوم بالحاكم. والقراءات أضحت قديمة بالنسبة لالتفاف الشعب السعودي حول قيادته. و تجدها منظورة في أعين الآخرين، هذا إن لم تدرس في معاهد الشرق أو الغرب، وتعد من الركائز التي نحسد ولا نغبط عليها، فتجد المراهنات التي كان ديدنها ومنطلقها الحسد باءت بالفشل الذريع، وإن سوّغ لها إعلامياً بشكل ضخم، فهي لا تعدّ سوى ضرب من ضروب المقامرة الرخيصة المكشوفة الأهداف، وحسبنا الله أولاً بأن يمدنا عزماً، وإصراراً في مقابلة كل متغير لا يريد بنا الخير، ثم في ذوي السواعد السمراء المحصنين بآليات تلك المكونات لضمير هذا المواطن الذي لم ولن ينفك حتى يرث الله تعالى الأرض ومن عليها. أمين البودريس