تعتبر الخدمات الصحية المقدمة الى الشعوب معياراً رئيساً للمستوى الحضاري الذي تعيشه، فاذا كانت تلك الخدمات ميسرة وعلى درجة عالية من الكفاءة فهي بالتأكيد تدل على مرتبة عالية من السمو الحضاري واذا كانت عكس ذلك فانها ايضا تدل على مرتبة منخفضة من النمو الحضاري لذا نجد ان الشعوب المتقدمة تولي هذا الجانب جل اهتمامها وتقدم لكافة اجهزته والكوادر العاملة به كامل الدعم المادي والمعنوي وفي المقابل نجد العكس تماماً لدى الدول المتخلفة حضارياً. وباسقاط هذا المعيار على بلادنا نجد انه يفقد توازنه ويربك مفاهيمه حيث نجد ان لدينا أرقى الخدمات الصحية وأحدث التجهيزات واسمى الخدمات في بعض المستشفيات وفي مقابل ذلك نجد العكس تماما واللافت في هذا الامر ان تلك المستشفيات ذات الجودة العالية تتجه خدماتها الى افراد الطبقة التي تملك الجاه والمال وتستطيع ان تذهب الى ارقى مستشفيات المعمورة اما المستشفيات ذات الجودة المنخفضة والتجهيزات المتقادمة فهي موجهة وللأسف الشديد الى افراد الطبقة الكادحة والفقيرة وهم بالتأكيد يعدون السواد الاعظم في المجتمع ويبدو ان وزارة الصحة لدينا لا زالت تحمل الشوائب الفكرية والادارية التي لم تستطع الانفكاك منها رغم تعدد القيادات وتنامي الدعم الحكومي وحتى لا يتهمنا البعض بعدم الانصاف او التهويل او الاتكاء على جهة دون أخرى فسنقدم بعض الامثلة الملموسة جداً التي تؤكد ما نشير اليه ولنبدأ أولاً بخدمات التأمين الصحي التي طال انتظارها وكثر الحديث والجدل نحوها وتعاقبت التصريحات حولها لكن النتيجة في نهاية المطاف سكوت وتأجيل ثم نسيان فهل يعقل الا يحظى سكان هذه البلاد التي اكرمها الله تعالى بثرواته الممتدة بخدمات التأمين الصحي لكل فرد من افرادها وسؤالي الذى اطرحه كي يمتد بحجم اتساع هذا الوطن الكبير لمصلحة من يتم التأجيل؟ وجانب آخر ارى ان آثاره الموجعة اصبحت تدمي القلوب ألا وهو تنامي حالة الاخطاء الطبية التي يذهب ضحيتها الارواح او بتر الاعضاء او استخلاف العاهات المستديمة او الغيبوبة وكل ذلك سببه لكون تدني مستوى الكفاءة لبعض الكوادر الطبية التي يكتشف ان كثيراً منها يحمل شهادات مزورة او منع من ممارسة تلك المهنة في بلاده وكم هي الدلالات الثابتة على مثل ذلك. اما الغريب في الامر فهو ان الاعداد السكانية تتكاثر بدرجة كبيرة اما اعداد المستشفيات فلا تزال تحبو في نموها وهذا الامر بالتأكيد يثقل الاعباء عليها وبالتالي تتدنى مستوى خدماتها المقدمة فالكثير من المناطق ذات الكثافة السكانية العالية داخل المدن او خارجها تفتقد للمستشفيات الحكومية القادرة على خدمة افرادها ويكون الاعتماد كثيراً على خدمات المراكز الصحية الاولية التي تفتقد للمبنى المجهز والكوادر المؤهلة والتجهيزات الممتازة في مقابل الاعداد الهائلة التي تضطر احيانا للمثول امامها فالمواطن المسكين الذي تطحنه الفواتير واسعار الخدمات والايجارات والاقساط غير الميسرة اصبح يشكو كثيراً من العلل النفسية والجسدية وخدماتنا الصحية تعيش بعيداً عن حاجته ودون مستوى تطلعاته ومما يزيد الجرح ايلاماً ان الوصول الى الخدمات الصحية الحكومية يسير عبر طريق وعر ومتشعب من البيروقراطية المقيتة التي تجعل المريض يفر هارباً الى المستشفيات الخاصة التي تتفنن في اساليب ابتزازه وسلب ما تحمله جيوبه وما لا تحمله ايضا ويبدو ان تلك المستشفيات والمراكز الصحية الاولية تدفع بالمواطن الى المستشفيات الاهلية والمراكز الطبية والصيدليات الخاصة وهذا ما تؤكده بعض الاساليب الممارسة كالمواعيد المتباعدة جداً وممارسات البيروقراطية في الوصول الى الاطباء وصرف الادوية للمتداوين بها من الصيدليات الاهلية بحجة عدم توفرها في صيدليات المستشفيات الحكومية ولعلي هنا اجدها فرصة لتقديم بعض المقترحات التي يمكن ان تسهم في حل تلك المشكلة التي استعصت منذ عقود ومن تلك المقترحات: * لماذا لا تكون المراجعة والاستطباب في المستشفيات ذات الجودة العالية وفقا للحالة المرضية ومدى الحاجة لا الحالة الاجتماعية والمستوى المعيشي او من يحمل حرف الواو. * ان تخصيص المستشفيات الحكومية وتعميم خدمات التأمين الصحي وفق مواصفات عالية سيحل الكثير من المشكلات ذات العلاقة بالخدمات الصحية وسيكون له الاثر الايجابي على المواطن .