الأحساء هي أحد حواضر العالم الإسلامي، التي شهدت عمقا تاريخيا ونتاجا أدبياً وفكريا مميزاً في المشرق العربي، والخليج على وجه الخصوص وحين ننتقل للمشهد الآني نلحظ جوانب تطور في الحضور الفكري للأحساء، ففي مجال النشر والتأليف يعتبر صدور كتاب تاريخ هجر للشيخ عبدالرحمن الملا وثيقة تاريخية للاقليم ونقلة نوعية ذات وزن ثقيل في قيمتها، إضافة لكتاب الدكتور عبد الرحيم المبارك والدكتور فهد الحسين والدكتور عبد الرحمن المديرس وصدور كتاب الشيخ أحمد علي المبارك رحلة الأمل والألم ، خاصة أنها تعكس جزءا من تاريخ الأحساء العلمي والأدبي . وهناك رسائل الدكتوراة والماجستير للدكتور خالد الحليبي ومحمد بودي، ومحاولات الرصد التاريخي للمنطقة ككتاب عبد الله الذرمان، وهناك كتابات متعددة، ، - لسنا هنا وأؤكد على ذلك - في معرض حصرها . وفي ميدان الشعر برز اسم الدكتور خالد الحليبي وجاسم الصحيح واضحا ومميزاً في الساحة الوطنية، وبل وتعداه إلى الوطن العربي . وكذلك كتاب الأعمدة الصحفية والمقالات التي يصعب حصرهم، فإضافة للكاتب الوطني الكبير عبد الله الشباط، هناك خليل الفزيع وغازي المغلوث ومحمد الجلواح ومبارك بوبشيت والدكتور سعد الناجم وغيرهم . ولقد شكلت الندوات في التاريخ الثقافي للاحساء انطلاقة تاريخية فقد كان للبعث الثقافي الحي والنقلة النوعية التي صاغها خروج ندوة الشيخ احمد المبارك إلى الساحة الأدبية في الاحساء الاثر الكبير، في أكثر من محور. المحور الأول: أسست فيه الندوة مركزاً متقدما للعرض الأدبي والفكري، لقوة الطرح وقوة المشاركين في نخبة من أدباء الوطن العربي، كالدكتور إبراهيم الحاوي من الأردن (رحمه الله) والدكتور علي علي صبح من مصر والدكتور محمد الشهال، واخينا العزيز الشاعر الإسلامي الدكتور محمد اياد، والوجه الباسم الدكتور بسيم عبد العظيم، ومن المشاركين من أدباء الاقليم الشيخ عبد الرحمن الملا والدكتور نبيل المحيش والدكتور سعد الناجم ومبارك بوبشيت والدكتور محمد الهرفي والشاعر يوسف بوسعد وغيرهم . ولقد افادت هذه الصورة الرائعة من مشاركة النخبة الأجيال، التي كانت مهيأة للتلقي خرج منها غراس مباركة ومنتج شجع الآخرين بعد ذلك على التوسع في مضمار الندوات . غير أنني من واجبي العلمي أن اكشف ما عايشته كشاهد معاصر لما تحمله الشيخ أحمد المبارك رعاه الله من مشاق في سبيل أن تستطل هذه السدرة العظيمة، فقدم من صحته واعصابه ووجاهته الكثير، لكي ينعم ابناؤه في الاحساء بهذه الحاضرة الفكرية، فلا نستطيع أن نجزيه عن ذلك إلا الدعاء . المحور الآخر : السمعة التي اكتسبتها الاحساء من خلال ندوة الشيخ المبارك، حيث سجلت كسبا أدبيا وإعلاميا في جميع أرجاء وطننا العزيز. (سكرتارية الدكتور خالد الحليبي والدكتور نبيل المحيش وكذلك مساهمات سمير الضامر وأثر ذلك في النجاح ) ولابد من أن أشير في بداية هذا الفصل إلا أن المجالس الثقافية قد تحمل مالا تحتمل، ومن خلال هذا الطرح نعرض لصورتين : الصورة الأولى: المجلس الثقافي الذي يتحول من أحاديث اللغو وخلافه إلى الاستفادة الوقتية من هذه اللقاءات، وهو أمر محمود، ولا يستلزم المحاسبة لايجابية هذا التحول . الصورة الثانية : المجلس المنظم، الذي يقدم نفسه على اعتبارات جرى عليها العرف في المملكة في شكل ندوة ذات أطر محددة، وهذا النموذج هو الذي يتحمل مسئولية أدائه أدبيا وفنيا . ولكي تتم الاستفادة من هذه الندوات هناك مجموعة من الاعتبارات أرى أن يؤخذ بها من أصحاب المسئولية في هذه الندوات حسب وجهة نظري : حسن الإعلان والتوعية بموضوع الندوة الوقت سواء ما كان مخصصا للموضوع الأسبوعي، أو الوقت المخصص لتعليق المحاضر والنقاش . القيمة الأدبية والفكرية للموضوع المطروح تنظيم المداخلات، خاصة ما يتعلق بعملية المدح المبالغ فيه . الممارسة الراقية في إدارة الندوة، والاحترام الشامل للموافق والمخالف، وإتاحة حق التعبير للجميع وفق آلية منضبطة . السكرتارية النشطة والدقيقة لمتابعة الحضور، خاصة ذوي القيمة الأدبية والفكرية العميقة التي تثري النقاش وتفيد الحضور والباحث . هوية المثقف في الندوة الأحسائية كهويته في الوطن العربي الكبير، لذا يجب أن لا تنحصر تفكير ومشاركات المثقف في دائرة الإقليمية الجافة ذات البعد الجغرافي، بل يرتبط على الدوان بالروح العربية الإسلامية، فالمثقف انعكاس لهوية مجتمعه وحضارته، التي تتوحد في قضاياها ومبادئها نماذج المواضيع . محاور أخرى للمشهد الثقافي تحتاج إلى المزيد من العطاء : الحرص على الإنجاز، كما ونوعا، وهذا يتطلب زيادة في عملية التأليف والبحث . تنشيط نماذج العرض في الإنتاج الأدبي المحلي، من نثر وشعر ورواية إلى غيرها، مع نقد يجمع بين تشجيع المشارك والقراءة النقدية المتقدمة لإنتاجه (سمير الضامر، عبد الله الخضير، وصلاح بن هندي) . الاحتساب الروحي والأدبي في مشاركات الأديب والمثقف عبر الصحافة، والحذر من أن لا ينزلق لأسباب المنافسة الشخصية على موقع إداري أو معنوي أو فكري . لغة الخطاب الراقي بين المثقفين، وضرورة انضباطه بالتعبير الذوقي واللائق، فالكراهية ليست ثقافة، والبهتان ليس نقداً فنيا . (كم أبقى الأول للآخر) شعار ينبغي أن يؤمن به جميع المثقفين، سواء من كان له عطاء وحضور سابق وقوي، أو من كان مبتدئا ، فمن حق الجميع أن يشارك في مسيرة الإنجاز الثقافي والأدبي في مجتمعه، وكلما تجدد العطاء والمشاركة، كلما ازدادت العارضة الثقافية للمجتمع، مع الاحترام الواجب والتقدير للسابقين الأولين . وقفات مع النادي الأدبي النادي الأدبي في الأحساء يضيف ولا يخلق في مجتمع كالأحساء يعج بحركة ثقافية وتاريخ أدبي عريق وهو مشكور رغم تأخيره والصورة التي عرضت لمثقفي الأحساء في معرض الحوار، عن تقاسم إدارته صورة محزنة، لا تليق بالأخوة، مع التأكيد على حق جميع المثقفين في المشاركة في دفع العجلة الفكرية للمجتمع، ولكن ربما كان الأسلوب في التعاطي حول الموضوع جنح إلى ما بدا للقارىء خلافات شخصية أكثر من وسائل إبداع وعرض للحركة الثقافية، التي تجمع بين أصالة المرجعية الفكرية وديمقراطية الأسلوب الإداري، الذي يتعاطى في الأصل مع من يفترض أنه من النخبة الثقافية لأبناء وطنه وإقليمه . حتى نتجاوز الخلافات التي يعيشها النادي الأدبي في الدمام في خلافاته مع بعض الزملاء لا أن نستبق النادي الموعود بما لا يليق بالمشهد الثقافي للإقليم (الاحتواء أو الالغاء) الإعلام والمشهد الثقافي تعد التغطية الإعلامية من أهم عوامل الدفع بالمشهد الثقافي نحو العطاء ودمجه بالمجتمع المحلي، من خلال المتابعة الخبرية، والجانب الآخر الأهمية النقل والنقد الأدبي المصاحب للعطاء الفكري المقدم . تحية لجميع الزملاء الذين حرصوا على تغطية المشهد الثقافي، وهذا يتطلب أن يكون هناك مراسل أدبي ثقافي للصحيفة، له دراية وخبرة وعمق نقدي، تكون تغطيته للمشاركات الأدبية والمداخلات في الندوات وغيرها من محاور المشهد الثقافي مادة أدبية رفيعة المستوى، وقراءته النقدية موجهة بلغة الفكر والأدب، للوصول إلى الثقافة المعرفية التي يتطلع إليها جمهور الصحافة ومساهمة جادة ورفيعة في الحياة الثقافية للمجتمع . جزء من ورقة عمل قدمها الكاتب في اثنينية النعيم ولأهمية ما جاء فيها ارتأينا نشرها . مهنا الحبيل