تحت عنوان (رأي وآخر) نشرنا زاوية للكاتبة القاصة بدرية البشر بعنوان (فضائح روائية) تناولت فيها الرواية السعودية والسيرة الذاتية وانشغال القارىء بالتلصص على خصوصية الكاتب اضافة الى متعة النميمة التي توفرها هذه الاعمال. وتعليقا على المقال وفي اطار الرأي الآخر نقدم هنا لثلاث رؤى تناولت الزاوية كلا من وجهة نظر مغايره الاولى للقاص محمد الشقحاء الذي يرى ان الكاتبة تعاملت بسطحية مع فكرة المقال والآخر للكاتبة ناهد باشطح الذي اعتبرته تشخيصا وتشريحا لجزئيه من علاقة الانسان مع الذات والآخر.. اما القاص فاضل عمران فتساءل قائلا: هل هي سير ذاتية؟ تعامل سطحي القاص محمد منصور الشقحاء سمعت بكتاب (وشم الذاكرة) وعندي طرف مما قيل فيه على ضوء عرض للكتاب في احدى صحفنا وتذكرت كتاب السيدة (اعتماد خورشيد) الذي يمزج احداث مرحلة من الحياة العامة في منتدى سيدة جميلة ولكن قيام الكاتبة بدرية البشر ربط همسنا في المجالس لمعرفة نماذج روائية اجتازت بسردها عتمة الطريق بما جاء في كتاب وشم الذاكرة. تجني على اعمال روائية اعادت لنا الذاكرة فاخذنا نصقلها بعد نصف قرن من التآكل الاستاذة بدرية البشر تعاملت بسطحية مع فكرة المقال.. ولم تقل شيئا. تشخيص وتشريح الكاتبة ناهد باشطح مقالة (فضائح روائية) في نظري تشخيص وتشريع لجزئية خاصة من علاقة الانسان مع ذات الاحر هو لا يرضى على نفسه ما يرضاه على الآخر والعكس صحيح ولذلك تجرأت الكاتبة المغربية على نشر خصوصيات المثقفين ممن زاروا صالونها بينما ابقت اسم زوجها في الظل ولا ندري اذا شئنا الاحتكام الى حسن النوايا اقتدير منها له ام بنية اخرى. لكنني بالطبع اتفق مع الزميلة بدرية البشر. نعم في روايات الحمد القصيبي كان فضول القراء للتجسس على حياة المؤلفه هو المغزى الحقيقي للقراءة. وبما انهما تصدر الفوهة المدفع فلن نستطيع ان نجير نجاحها الى الذكاء المهني يظلان في مقدمة الصف في (طابور) الجرأة الذي مازلنا نتردد هل نقف فيه ام نتجاوزه ونسقط عليه ضعفنا وعدم قدرتنا على التصدي لمفاهيم مجتعية بالية. ذات نقاش سألت كاتبا كيف تتخيل روائية سعودية تكتب رواية حب فلا ينتقدها ويتربص بها ملاك الفضيلة قال فلتقدمها الى المطبعة اوراقا بيضاء. لا يمكن لنا ان نمتلك حرية الابداع في النص طالما ان بداخلنا سوط المجتمع الذي يقمع خيال الكاتب. لكن الحال لن يبقى على ما هو عليه فقد تجرأت كاتبات سعوديات فقدمن روايات جريئة ولكن لم يحدث بعد ان سجلت امرأة حضورا قويا يعد سبقا برواية جريئة اذ انها تعرف انها مثلما ستجني شهرة فبالمقابل ستواجه ضغوطا اكثر من الرجل في مجتمعات ذكورية. هل هي سير ذاتية؟؟ القاص فاضل العمران تستوحي هذه الرواية بتصرف شديد حقيقة اغتيال البطريرك في القرن التاسع عشر، على يد رجل يدعى ابوالكشك معلوف وقد اعيد القاتل الذي لجأ الى قبرص مع ابنه الى البلاد بحيلة من جواسيس الامير لينفذ به حكم الاعدام. اما سائر الاحداث الراوي وضيعته ومصادره وشخصياته فمحض خيال فاسد. صخرة طانيوس امين معلوف قرأت ما نشر في ملحقكم الثقافي تحت عنوان (فضائح روائية) الذي يتعرض لما اثير حول مجموعة من الروايات السعودية الحديثة من انها سير ذاتية حقيقية لمؤلفيها كتبت بأسماء مستعارة، ولاحظت ان هذه الفكرة متداولة بشكل ملفت في الاندية الادبية والملتقيات والصحافة حتى منتديات الانترنت. ولو تسمحوا لي بالتعقيب فاني اختلف الى حد ما مع ما طرح في المقال المنشور وأرى انه لا يحق لأي كان تلبيس الكاتب اي من شخصياته مالم يذكر هو صراحة بأن النص هو بالفعل سيرة ذاتية حقيقية له او لاحد ما، ولا يحق للقارىء او الناقد اسقاط شخصيات الرواية على شخصيات حقيقية ما لم تطرح اسماؤها الحقيقية او يذكر صراحة ضمن النص، وقس على ذلك بقية العناصر من احداث وامكنة واحداثيات اخرى. والحال ان أي عمل روائي ان كان واقعيا 100% فلن يعدو كونه توثقيا او تاريخا، وان كان خياليا 100% وهذا محال فسينحو منحى الميتافيزيقيا الغامضة، واي من الاحتمالين اذا هيمن على رواية افسدها فأعظم الروايات واجملها هي مزيج متناغم من هذا وذاك وقد يغلب احدهما على الآخر دون الغائه، فمن مارس العمل السردي يدرك جيدا ان اول خيوطها يبدأ بعناصر واقعية تستل كنواة هذه العناصر قد تكون شخصيات حقيقية او حقبة زمنية او احداث او ربما موقعا جغرافيا او اي رمز كشجرة او صخرة او حيوان او تركيبة من عدة عناصر.. ثم ينسج عليها ما لذ وطاب من ادبيات الخيال والاثارة لدرجة ربما تحيل النواة الاساسية الى فصل او حدث فرعي بين طيات السرد وهذا بالضبط ما يسمى بالابداع فبقدر ما يتمكن الكاتب من عمله السردي.. يدير الحدث بواقعية واقناع من جهة، ويحافظ على فنيات النص وجمالياته من جهة ثانية، ويتحكم بشخصياته بالشكل الذي يضفي على الذكي سمة الذكاء في جميع سلوكه، والشجاع صفة الشجاعة في مجمل تصرفاته فتتشكل قوالب الشخصيات بشكل متسق غير متناقض ولا سطحي مالم يلجأ لذلك عمدا لابراز مفارقة ما وغير متناسخ من شخصية كاتب حالو عبثا النهوض من ذاته ولم يستطع. اذن فالعمل السردي بالنسبة للكاتب هو مزيج عشوائي من تجاربه وخبراته وذكرياته وظروفه التي عاشها وبيئته وخلفيته الثقافية والدينية والوظيفية والعائلية وكل ما يمكن استدعاؤه من عقله الباطن، فهناك تتجمع اللبنات الاولية لجميع جوانب الابداع وليس العمل السردي فقط لتتحد بالخيال وتشكل في النهاية واقعا مناظرا لما نحن فيه قد يشبهه ولايطابقه بالضرورة، ومهما جهد اعظم مبدعي البشرية سواء في نصه او فنه التشكيلي اوحتى موسيقاه فلا يعدو ابداعه تحريفا لما عاشه واقعا، ومهما صعد او نزل فلن يتمكن من خلق عالم جديد كليا، فكل ما ابدعته الحضارة الانسانية حتى الآن ليس سوى محاكاة للطبيعة والبيئة. اما النظرة التي اشرت اليها بداية المقال فسببها تباين ثقافي واضح بين المثقف/ الكاتب والمجتمع/الناقد، ففي حين يحاول الراوي التحليق بخياله الى عالم مختلف تماما ويفرض عليه مصداقية مصطنعة باحكام، يأتي الناشيء ليتلقي النص ويعيشه ويتفاعل معه كوقائع مسلم بها، تماما كما أهين بعض الممثلين الذي ادوا ادوارا شريرة، فيتقبله بسذاجة ودون مرشحات، فهذا المتلقى قد الف تقبل الفكرة ككيان مهيمن وتفريغها في حياته كما هي، وعدا ذلك يعتبر كجنس من الكذب في حين ان للكتب الفكرية والادبية واقعا مختلفا تماما فهي لا تعدو كونها تنظيرات بشرية بحتة كتبت لتنقد وتناقش بالدرجة الاولى، فهي ليست نصوصا مقدسة، والرواية كحالة خاصة ينبغي تلقيها على انها خيال بحت. اذا فالرواية بالتأكيد انعكاس لثقافة الراوي وخلفيته وليست سيرته الذاتية، فالبطل مصطفى سعيد ليس الطيب صالح في موسم الهجرة الى الشمال، وسعيد ليس غازي القصيبي في شقة الحرية، و... ليس عبده خال في مدن تأكل العشب. وعبثا اشار بعض الرواة على هامش رواياتهم لمصدر الهامهم للعمل الروائي وحذر بعضهم من محاولة التنقيب بين السطور عن خيوط تربطها بالواقع ولكن دون جدوى، وقد استهللت موضوعي بعينة يشير فيها الكاتب لمصدر الهامه الحقيقي للنص او ينوه انها محض خيال، والطريف ان يأتي البعض ليتعامل مع هذا التنويه على انه تضليل مكشوف لحرب سير ذاتية لشخصيات مكشوفة للقارئ اللبيب.