صدرت عن منشورات مومنت بالمملكة المتحدة في لندن، وبطبعتين ورقية وإلكترونية رواية "شاورما" للكاتب السوداني عماد البليك، وذلك في 152 صفحة من القطع الكبير، وهي العمل الخامس له، وقد صدرت الرواية ضمن سلسلة روايات من السودان. وتحكي الرواية التي تدور أحداثها ما بين السودان وتركيا، عن قصة صبي يهرب من عائلته القاسية لينشد حياته بنفسه، معتمدا على ذاته، بعيدا عن أسلوب التعليم النظامي حيث يتعلم من تجارب الاحتكاك المباشر مع الناس، إلى أن يصنع مجده كواحد من أمهر وأشهر صناع ومُلّاك مطاعم الشاورما في الخرطوم بعد أن يرث مجد عائلة تركية تثق فيه وتكسبه خبراتها وتورّثه ثروتها التي يطورها بكده وعرق جبينه. ويرى ناشر الرواية أنه يمكن اعتبار الرواية اضافة جادة ومتميزة الى المدونة الروائية في السودان من حيث نجاحها في خلق لغة خاصة بها لم ترتبك أمام الشخصيات العديدة القادمة من قاع الحياة ولم تسقط في الوقت نفسه في فخ البلاغة المسقطة قسرا، وجاء ايقاع السرد متساوقا مع تسلسل الاحداث الكثيرة والمتسارعة لتكون الحصيلة إقناعا تاما للقارئ بحقيقة ما يقرأ، كما ينقل إشادته باللغة ورشاقة الحوار داخل نسيج الرواية الذي وإن كان كُتب بالفصيحة الا انه الى الروح المحكية كان أقرب. ويرى الشاعر والأديب السوداني محمد نجيب محمد أن "البليك أتكأ في سرده على الأشخاص وما يعانونه من أزمات إنسانية واقتصادية ونفسية ومدى انعكاس ذلك عليهم أخلاقيا وعلى المجتمع بأسره، كما حرص على إخفاء أسماء شخوص الرواية والتدليل عليها بصفاتها داخل المجتمع مثل (الأعرج، والسيدة، والخال) في سياق سردي متكامل، اعتمد فيه على واقعية اجتماعية، مما أعاد الذاكرة إلى المدارس السردية الكلاسيكية. كما ابتعد صاحب (شاورما) عن سيطرة الراوي العليم على عوالم الرواية، وترك لأبطاله حرية التعبير عن أزماتهم على الرغم من محاولته إبداء صوت الراوي تعليقا على ما أصاب أبطال الرواية من تمزق وتشتت وانكفاء على الذات والبحث عن الخلاص الفردي حتى ولو تجاوزوا المجتمع وانفلتوا منه". من جانبه، يقول الناقد السوداني عز الدين ميرغني إن "شاورما" كتبت بتقنية السيرة الذاتية للراوي، وأفادت هذه التقنية في استدعاء جزء من التاريخ المنسي في مجتمعاتنا الحديثة لأنها دخلت بعمق في فجوات الواقع، وأضاف ميرغني أن الرواية كانت موفقة في عدم تسمية الأماكن جغرافيا، مما ساعد على أن يكون النص مفتوحا على كل المجتمعات الإنسانية. وأشار ميرغني إلى أن الكاتب استفاد أيضا من تقنية الحكي داخل الحكي، وهو ما جعل الرواية مشوقة، لاسيما أنها تخضع لمنطق الواقع الذي حكت عنه دون مبالغة أو شطح خيالي. وقال الكاتب والشاعر الفلسطيني هشام اليتيم إن البليك يتمتع بقدرة كبيرة على توظيف المفردات في النص، ويمتلك قاموسا لغويا واسعا ودفقا أدبيا يصبان في مجال توسيع معجمه السردي، فالمفردات سهلة واضحة تميل أحيانا إلى اللفظ العامي، لأنها تهتم -أكثر من التنميق- بمحايثة الواقع، لتوثق اليومي والذاتي؟ وقد تغير معنى بعض المفردات وشحنت بدلالات متباينة وفقا لنفسية الراوي لينجز الكاتب بذلك تركيبا دقيقا للألفاظ مهمته تحقيق ازاحات للنص من وإلى الواقع والخيال، وهو يستخدم أيضا في اسلوبه أيضا تقنية الارتداد من السابق إلى اللاحق أو العكس، ليقدم لنا عملا متناصا مترابطا بإحكام.. وفي الرواية نرى كيف أن الانقلابات تتوالى على بلد مزقته الحروب والمجاعات وكيف أن الفقر بات هو المهيمن وأن ثمة طبقة هي التي تسيطر على كل شيء باسم السلطة والتسلط، وأن السياسة باتت لعبة قذرة وأن الرشاوى والفساد باتا يديران العلاقات والنظم الخفية.. وتبدو صورة الشر المسيطر على النفوس جلية جدا كما أن الناس لم تعد تأبه بسوى الذات وحبها المفرط لا شيء آخر سوى ذلك. يقدم البليك للرواية بابيات من الشعر التركي المعاصر: نسيت طعم الشاي الدافئ ... ونسيت برودة الريح إذ تهب ... فهيَّا لا تقفي هكذا ... وابعثي الجيّد من ذكرياتي . والأثر التركي واضح في كل الرواية.. فالسودان عاش ما يقارب قرن من الزمان في القرن التاسع عشر تحت الحكم التركي إلى أن جاءت الثورة المهدية التي أنهت تلك الحقبة، ولهذا ربما ليس غريبا أن نرى الأثر التركي قائما إلى الراهن في العوائل التي بقت وأبقت سلالتها إلى اليوم. والشاورما التركية ليس إلا استعارة ربما عن كل ذلك بما فيه التواصل الأكثر حداثة عبر الزمن الجديد، كما أنها في الوقت نفسه إشارة للتحدي الذي يكمن في بلدين قد يتشابهان في أشياء كثيرة حتى لو اختلفا.. ورأى عدد من النقاد أن الرواية ترصد تحولات ومتغيرات السودان في ثلاث حقب من التاريخ المعاصر، وهو ما يؤكده الكاتب الذي يقول إنه اكتشف وهو يكتبها أنه يفعل ذلك الشيء وأن التاريخ ووقائعه توجد في النص لكنه ليس التاريخ المدرك والمعروف، حيث تتحرك الرواية من أواخر عهد النميري إلى الديمقراطية الثالثة فعهد البشير الحالي المستمر منذ ربع قرن، وأن الرواية تصور بشكل ما تحولات الإنسان السوداني وهي تحولات الإنسان عموما في حياة باتت سريعة وضاغطة وأن الأمل يكون في الاعتماد على الذات والعمل وبناء الآمال والأهداف المدعومة بالخطط والبيان. وعماد البليك روائي سوداني، من مواليد بربر 1972 ولاية نهر النيل السودانية، تخرج في كلية الهندسة جامعة الخرطوم عام 1996 ونشر أول روايتين له دفعة واحدة، وتم عرضهما لأول مرة بمعرض ابو ظبي للكتاب في 2003، وهما رواية "الانهار العكرة"، ورواية "دنيا عدي". وفي عام 2008 نشر روايته الثالثة "دماء في الخرطوم". أصدر في النقد الأدبي كتاب "الرواية العربية - رحلة بحث عن المعنى" في 2008 وله ايضا رواية "القط المقدس" عن ثورة الشباب في فرنسا، ونشر عدة مقالات ثقافية وفكرية بصحف السودان والخليج. 1