حين كتب صمويل بيكيت مسرحيته الشهيرة ( في انتظار غودو ) لم يعلم أنه قد خط نمطا جديدا في الفن المسرحي ، وأن مسرحيته ، التي وصفها النقاد في ذلك الوقت بالعبث ، ستكون أعظم عمل مسرحي في القرن العشرين. تدور فكرة المسرحية حول مجموعة من الأشخاص في محطة قطار ، كلهم ينتظر غودو. وكل منهم يعلق أملا على مجيئه ، ومع أن أحدا لا يعرف السيد غودو شخصيا ، لكنهم يجزمون أن كل مشكلاتهم ستحل عندما يأتي .وتمضي المسرحية على هذا المنوال بحوارات مطولة جوهرها غودو ، ثم تنتهي ولا يأتي غودو. قد يرمز غودو في المسرحية إلى الأمل المفقود ، وقد يرمز إلى عبثية الانتظار ، هذا من وجهة نظر بيكيت والمتشائمين. لكن محبي الحياة يرون أن الأمل هو سر الحياة ، وأن انتظار الأمنيات الحلوة هو دافعنا الحق للعيش ، بل على العكس قد تنطفيء الأمنيات وتفقد الطموحات بريقها بمجرد تحققها وولوج عالمها. وعندها سنبحث عن غيرها ليكون المحرك للمضي قدما والسير في دروب حيواتنا. واليوم ومع مفتتح عام جديد ، فإننا نجدد الأمل بكل معنى جميل في حياتنا. ونطلب من خالق الفرح ومبدع السعادة ، أن يحقق كل ما نتمناه ،لأنفسنا ولغيرنا. ونجدها مناسبة يجب انتهازها لبعض المراجعات لما كان ، وبعض التخطيط لما سيكون. ونعقد العزم على أن تكون سنتنا الحالية سواء هجرية أو الميلادية أفضل من سابقتها ، وأن نكون نحن أفضل ما فيها. ونرتب بعض أوراقنا المتناثرة ، سواء في علاقاتنا ، ماذا أخذت منا وماذا أعطتنا ؟ وفي أوضاعنا جميعها مالية وعملية واجتماعية ، هل حققنا فيها بعض مطامحنا أم تراجعنا ؟ وأول قائمة المراجعات الوردية هي لذواتنا وهي المحور. وهي أولى مخلوق برعايتنا وعنايتنا ، وكل شيء هو دائر في فلكها وتابع لها ، ومرآة صادقة تعكس بريقها. من ينجح مع ذاته ينجح فيما سواها ودائرة النجاح تتسع وتكبر لتظلل كل حياته. وأول وأهم نجاح مع الذات أن يشرق فكرها بالإيجابية ثم يكون سلوكها قولا وعملا مصداق لكل إشراق وبهاء دواخلها. وأن تنشره وتنثره على الناس حولها ، لتكون رسولة كل معنى جميل في الحياة. وإذا كانت المشاعر والأفكار الجميلة هي الروح ، فإن الخطة المدونة للسنة القادمة – والعمر بأكمله – هي الجسد الذي سوف يسير على الأرض ويحقق كل طموحات الروح العظيمة. إن الجنون كما يقول الصينيون ( أن تفعل نفس الشيء في كل مرة وتتوقع نتائج مختلفة ) ، لذا فلن نكرر عين أخطائنا ونتوقع أن تسير حياتنا للأفضل ، ولن نستسلم لنقاط ضعفنا لتلتهمنا ، ثم نريد أن نكون أقوى وأكمل.إنما سنتغير للأفضل والأجمل والأكمل بإذن الله. وعندها سيأتي من يكمل مسرحية بيكيت ليكتب ( عندما أتى غودو) ، ولن يعود انتظار غودو بالنسبة لنا عبثا أو ألما. أخيرا : لازال في الأمل فسحة ولازال في العمر بقية ..أرفعوا أمنياتكم الجميلة إلى السماء ، ولن يخيبها الله. تمنوا لأنفسكم ولغيركم وللبشرية جمعاء الخير والحب والسلام ، واملئوا الأثير حولكم بكل معنى مشرق. رحمة العتيبي rahma saad (@SaadRahma رابط الخبر بصحيفة الوئام: في انتظار غودو