تزداد حلقات مسلسل الجرائم والسرقات في العراق طولا رغم كل الخراب والضحايا وتواجد القوات الأمريكية الي جانبها الشرطة العراقية في الشوارع وقرب الدوائر الحكومية. يدخل اللصوص بحريتهم الكاملة ويمارسون السرقة وابشع العمليات التي اتسعت لتشمل القطع بالمناشير الحديدية ورفع الهياكل الحديدية او هياكل الألمنيوم والأبواب والشبابيك سواء في البنايات الحكومية او البيوت. أمام دار الحرية للطباعة في وسط بغداد توقفت أمام مشهد لا يوجد حتى في تكساس التي شاهدنا أفلاما عنها كانت ثلاث سيارات تقف بالقرب من الباب الرئيس للمطابع ومجموعة من اللصوص داخل البناية يدخلون ويخرجون من الشبابيك المحطمة وهم يحملون كيبلات وعلب كارتونية ويذهبون بها الى السيارات الواقفة فيضعونها في الصندوق الخلفي وراحوا يكررون العملية عدة مرات و في وضح النهار. يمكنني ان احدد الوقت تماما الساعة الحادية عشرة صباحا وأمام الناس سواء العابرين بسياراتهم الماشين على أقدامهم او المجتمعين قرب المكان ، دعوت أحدهم بإشارة من يدي فجاءني وهو أسمنهم يرتدي (دشداشة) تستوعب اثنين من شاكلتي سار بخطى اعتيادية ولم يعر أي أحد من أصحابه للأمر اهتماما فسألته لماذا تفعلون هذا وهي دائرة حكومية ؟ فقال نفعل ذلك او نموت من الجوع افضل؟ حلال علينا ان نسرق ولا ندع أنفسنا تموت جوعا. قلت له ولماذا لا تعمل ؟ أجاب ساخرا من سؤالي ولماذا اعمل مادام المتوفر يفي بالغرض وهذا عمل الا ترى أننا نتعب ونحن نحمل الكيبلات الثقيلة ؟. على الجانب القريب من دار الحرية تقف بناية جريدة الجمهورية ذات السبع طوابق.أذهلني منظرها فلم يبق من مداخلها سوى الطابوق فلا أبواب ولا شبابيك وحين رفعت نظري الى الأعلى كانت في حالة يرثى لها فلم تعد غير بقايا بناية عادية فقد دخل السراق وحطموا الأبواب وحملوا الشبابيك وكل ما في داخلها وما زالوا يبحثون في أرجائها عما تبقى ليحملوه وكل ذلك يتم نهارا جهارا . ولم يكن مركز الفنون الذي يعد اضخم مجمع لقاعات العرض التشكيلية في العراق ومقر وزارة الثقافة في شارع حيفا بأفضل حال فمازال اللصوص ينهبون كل ما فيه ولم يبقوا على شي فانتزعوا أبوابه وشبابيكه ثم عمدوا الى الأعمدة التي تعلق فيها الأعلام وقطعوها بالمناشير وما اكثر المارة في الشارع وما اقرب الدبابات الأمريكية التي تقفل طرفي المكان. اضطرني الأمر الى ان أقول لاحدهم لماذا تفعل ذلك ؟ أجاب بصوت عال لكي يسمعني ويسمع الآخرين (بيتنا ونلعب به . هذه أموال الدولة ونحن أحرار في ما نعمله) . استغربت حين وجدت الثور المجنح في مكانه فهو الوحيد الذي لم تمت له الأيدي وربما لانه من الجبس . وزارة الأعلام هي الاخرى لحق فيها الشيء نفسه أفراد يدورون فيها بحثا عن أشياء متبقية وان لا توجد فهي قابلة للحرق. لم يتوقف المسلسل مع ان الشرطة العراقية عادت الى شوارع بغداد وبرواتب تمثل خمسة أضعاف ما كانوا يتقاضونه في فترة حكم صدام ، ولكن دون سلاح مع انتشار الجريمة وعمليات السلب والنهب والاختطاف والسرقة التي زادت الى اكثر من 100 ضعف عما كانت عليه في زمن الحكم السابق بسبب الفوضى الأمنية. وخلال أيام قليلة أكدت الشرطة العراقية انها تمكنت من إلقاء القبض على عدد من المجرمين في الوقت الذي تعتقل فيه القوات الأمريكية عدة آلاف من اللصوص والقتلى في سجني أبي غريب وسجن المطار، ولكن كل هذا لم يبعث الاطمئنان في نفوس العراقيين حيث ما زالت حوادث السرقة والسلب والقتل تتكرر باستمرار وفي كل الأوقات وأمام مرأى الناس ومسامعهم . قبل أيام قتلوا رئيس جامعة بغداد السابق الدكتور محمد الراوي في عيادته وهو طبيب كبير قل نظيره في العراق ، وقبله قتل عميد كلية التربية في الجامعة المستنصرية ، وقبلهما معاون عميد كلية العلوم ، وسرقوا أمام الناس سيارة عميد كلية الآداب ، وفي كل الشوارع تحدث عمليات القتل والخطف والسلب دون حدود او استثناء امرأة كانت او رجل ، خطف طفل او طبيب او تاجر مقابل فدية كل شيء يجري ولم يتوقف وكل هذه الحوادث هي مادة الصحافة العراقية اليومية. يعزو بعض العراقيين والصحف المحلية الى ان أسباب عدم توقف السرقة يعود لعدم مقدرة الشرطة في منعها ، وتقول صحيفة (العدالة) العراقية التي تصدر عن المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق في افتتاحية لها منتقدة الأوضاع الأمنية المتردية ان الأوضاع الأمنية ما زالت متردية ولا اثر يذكر لأية سلطة أمنية سواء من التحالف او الشرطة العراقية والمشكلة ان مرتكبي جرائم القتل والخطف والسرقة لا يخشون الشرطة العراقية ويعرضون أفرادها للإذلال بوسائل شتى ومن بينها التحريض العشائري ضد الشرطي او ضابط الشرطة الذي يقوم بواجبه ليلقي القبض على هذا المجرم او ذاك ، . وفي الجانب الآخر فان القوات الأمريكية تطلق سراح المجرم فورا مما يجعلهم يشعرون بعدم جدوى عملهم ويقول هؤلاء ان الشرطة الأمريكية تطالبنا بالدلالة ولاعتقال هؤلاء في حين إننا وجدنا السارق متلبسا بجريمته مثل انه يقوم بسرقة محتويات دائرة حكومية ووجدناه فيها هل ان ذلك لا يعد دليلا. وأمام الاتهامات المتبادلة بين الناس والشرطة وما يجري من فوضى أمنية توجهت الى سمير شاكر الصميدعي عضو مجلس الحكم الانتقالي العراقي اسأله عما يدور فقال قام المجلس بأعداد دراسة بشأن الموضوع الأمني في العراق وقال ان هذه الدراسة تم طرحها من منظور عراقي وسيتم صياغتها بشكل يجعلها برنامجا عمليا عند تعيين وزارة الداخلية. مؤكدا ان مفردات تنفيذ هذه الخطة سيكون قريبا . وأوضح ان قضية الأمن بالنسبة لمجلس الحكم قضية مهمة وجرى خلال استدعاء قائد قوات التحالف في العراق والمشرف على جهاز الشرطة بحث هذه القضية وتم طرح موضوع اعادت بناء جهاز الشرطة حيث تم تقرير حاجة العراق ما بين 65-70 الف شرطي ويعني هذا انه سيكون لكل 350 مواطنا شرطي في وقت خصص لاكثر بلدان العالم شرطي واحد لكل 500-600 نسمة . وعلق قائلا ان زيادة الشرطة في العراق تأتي لمصلحة وضع أمنى خاص وقد تحققت مرحلة متقدمة من هذا البرنامج عن طريق انتشار اكثر من 23 الف شرطي في العراق . المجرمون وعائلات ضحايا السلب والنهب ربما اكثر من يراقب التصريحات بهذا الشأن ولكن العراقيين لم يثقوا حتى هذه اللحظة بأنهم يمكن ان يشهدوا يوما بلا جرائم في العراق حيث يسقط عشرات العراقيين ضحايا هذه الجرائم يوميا في الوقت الذي يعمل فيه المجرمون بحرية كاملة بعد ان خصصوا مناطق لهم في بغداد لا يمكن لاحد المرور بها حتى في النهار حيث يمكن ان يقتل هؤلاء المجرمون أي شخص أمامهم من اجل عشرة دولارات تكفي بعضهم لشراء حبوب مخدرة . ولكن في نظرهم لا يكفي ان تدفن بغداد يوميا عشرات النساء والأطفال والشباب من ضحايا السرقة والجرائم التي تفوق التصور.