مثل إعلان عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة يوم أمس الاول، استعداد البحرين للاتحاد الخليجي، مبادرة سباقة وشجاعة لتحقيق الحلم الذي يراود أبناء الخليج العربي عشرات السنين، بأن تندمج الدول في كيان واحد يشكل قوة وسياجاً آمناً من الذئاب التي تبحث عن فرائس شريدة. وتعانق مبادرة الملك حمد أحلام أبناء الخليج، بأن مجلس التعاون قد وضع الأسس وبنى قاعدة صلبة وهيكلية قوية للانتقال بمجلس التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وهو المشروع الذي طرحه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، في مبادرة مخلصة لتأمين الخليج وشعوبه من عوادي الزمن وتقلبات المواقف والأحداث. خاصة أن الركون إلى صداقات سياسية متقلبة ليس ضماناً ضد مزاجيات المصالح السياسية وتكتيكاتها واستراتيجياتها. ومثلت الوحدة الوطنية والشعبية، عبر التاريخ، الضمان الأكثر أماناً للشعوب ومكتسباتها. وبعد أن بذر خادم الحرمين الشريفين البذرة الطيبة، ودعا إلى تحقيق المشروع التاريخي، يعلن الملك حمد مبادرة شجاعة أخرى لوضع المشروع على الطاولة وفي مقدمة الاهتمامات. مما يمثل إدراكاً بحرينياً لطبيعة التحديات الراهنة والقادمة، والاتحاد هو السلاح الأقوى لمواجهة هذه التحديات والتعامل مع الظروف غير المحسوبة التي تنسجها تقلبات المصالح الدولية. وأيضاً تمثل مبادرة الملك حمد تسامياً إلى صناعة مستقبل جديد في المنطقة، يتفوق على المصالح المحلية والشخصية الضيقة ليعانق التاريخ والنهوض بالمسئوليات الوطنية إلى مصاف المشروعات التاريخية. والملفت أيضاً أن عاهل البحرين ومسئوليها ومواطنيها، اتسموا بشجاعة ملحوظة، للاستجابة إلى مشروع الاتحاد منذ طرح الفكرة، واستمروا محركاً قوياً لتحقيق هذا الحلم الذي يمثل مطلباً شعبياً خليجياً واسعاً ولا يعارضه سوى الذين يخشون على مصالحهم الشخصية والمرتبطين بمصالح دولية أو إقليمية مناوئة لأي نهوض خليجي، والذين يثيرون الشكوك ويخلقون العراقيل أمام أي مشروع تاريخي، يحاول تجاوز الراهن ومصاعبه إلى المستقبل الفسيح وسطوع الشمس. والآن.. أعطى عاهل البحرين دفعة قوية لمشروع الاتحاد، ونفح فيه روحا جديدة، ونقله من الفكرة إلى أن يكون مهمة العمل. وبقي على المسئولين في بلدان مجلس التعاون أن يكملوا المشوار، ويستجيبوا لهذا المطلب الوطني الأول في كل بلد خليجي، ولا يوجد مبرر لأي تخوف من قيام الاتحاد، لأن في الكيان الواحد تجميع للطاقات والعبقريات الإمكانات العسكرية والاقتصادية الجغرافية لتكون في خدمة نهوض المجموع ووحدة الناس. طريقنا إلى المستقبل لن تجد مجتمعا تنتشر فيه الخرافات والأساطير جنبا لجنب مع نهضة علمية ومعرفية، فالعدو اللدود للخرافات العلم، وتبعا لهذا كلما اتسعت مساحة العلوم والمعارف تناقصت مساحة الخرافة. وبحق، فإن العلم هو المحرك لأي عملية تطور إنساني، وهو صمام الأمان للأمم والشعوب.. هذا العمق والقوة في أثر العلم أدركه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حفظه الله، فاهتم بهذا الجانب وأولاه العناية البالغة، وكان نتيجة لهذه الرؤية أن شاهدنا صروحا جامعية جبارة يتم تأسيسها في بضع سنوات، حتى غدت أرجاء مملكتنا الحبيبة مغطاة جغرافيا بالمدن الجامعية المتعددة في تخصصاتها العلمية، فضلا عن عشرات الكليات العلمية.. ليس هذا وحسب، إنما أسس وأطلق مشروع الابتعاث الخارجي، فتم إلحاق أبنائنا وبناتنا لمواصلة تعليمهم العالي في كبرى الجامعات العالمية التي عرف عنها التميز والقوة العلمية. هذه العناية العظيمة بالعلم والإدراك التام لأثره في تطور وتقدم المجتمعات، كانت شاملة وعامة من التعليم العالي إلى التعليم ما دون الابتدائي، وأقصد تعليم رياض الأطفال، والذي لم يكن متواجدا على أرض الواقع بما هو عليه اليوم، فلن ينسى التاريخ ولا ذاكرة الإنسان السعودي أن هذا الملك العادل هو من أسس وأدخل تعليم رياض الأطفال لمنظومة التعليم الشامل جنبا لجنب مع المراحل التعليمية الأخرى كالابتدائية والمتوسط والثانوية.. ففي فترة زمنية قليلة جدا لم تتجاوز العام الواحد تم توظيف الآلاف من بنات الوطن كمعلمات رياض أطفال واللاتي تخرجن منذ سنوات ولم يجدن أي فرصة عمل.. والنظر لملف تعليم رياض الأطفال وحده سيذهلك بالانجازات التي تحققت في فترة زمنية قليلة جدا، حيث تم تأسيس مرحلة تعليمية كاملة، وتم توظيف أكثر من 6740 معلمة، وتم فتح نحو 3101 فصل دراسي يدرس فيها نحو 74434 طفلا وطفلة، وبناء على هذا النجاح الذي يذكر فيشكر، تعمل وزارة التربية والتعليم اليوم على التوسع وإلحاق المزيد من المعلمات وفتح المزيد من الفصول الدراسية لتصل إلى 6101 فصل دراسي تستقبل 146424 طفلا -توسع مضاعف-. مرة أخرى لم يكن ليتحقق هذا النجاح وهذا المنجز العظيم في فترة زمنية قليلة جدا، لولا فضل الله، ثم دعم وتوجيه واهتمام الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حفظه الله، الذي يعلم أن للعلم قوة بالغة ومميزة لنهضة الأمم والشعوب وتميزها وتقدمها، فعمل على أن يكون هذا الشعب الذي معظمه يتكون من الشباب متسلحا بالعلم والمعرفة، لأنهما السبيل الوحيد نحو المستقبل المشرق، ونحو مزيد من الوحدة الوطنية والبناء الحضاري.