تمثل الصورة منذ زمن بعيد عنصرا حيويا في مسيرة الإنسان الطبيعية, حيث انه يتعرض يوميا لما يشبه الشريط المنوع المكون من مئات الصور الطبيعية والصناعية حيث تلتقطها العين بإرادتها او مكرهة. وبطريقة فنية ربما تكون مقصودة في كثير من الأحيان تؤثر هذه الصورة في المتلقي فإماان يكون منبهرا بها او متقززا لفظاعتها وقبحها. ولسنا بحاجة الى تدليل على ما تبثه وسائل الإعلام من صور تهدف الى التأثير على القرار الجماهيري في أي بلد يراد له ذلك. ومن ان دبّ الإنسان علىهذا الكوكب, دخلت الصورة الى شبكية عينه ليفكر بها وتفكر به, عبر علاقة تضامنية تارة وتفارقية تارة أخرى, ليصبح الجدل القائم هو جدل الشكل المحمل بمدلولات معرفية وجمالية. لذلك نرى ان جدل الصورة قد رافق الإنسان منذ شهقته الأولى, والتي شكلت الصورة بالنسبة له مجالا للاطمئنان والغذاء البصري والنفسي على حد سواء. فأصبحت الصورة تتغذى منه ويتغذى منها, ويسجل من خلالها حضارته عبر التاريخ لتكون مجالا اتصالاتيا ذا قيمة عالية. ونحن الآن في خضم عصر الصورة وتألقها, نجد أنفسنا أمام حالة ثقافية اختيارية وقسرية تدخل الى بيوتنا رغما عنا, لتأخذنا الى عوالم رسالتها المرسلة من أجلها. ولا ننس ان الصورة أخذت موقعها في الثورات النضالية عبر البوستر تحديدا في الثورة الروسية والفرنسية وغيرهما من الثورات ورسائل الاحتجاج العالمية, ومن خلال ادراكنا اهمية الصورة وتجلياتها لدى الملتقي, ينبغي ان تمتلك هذه الصورة بعدا حضاريا يضج بالنقاء والشفافية في شكلها وطروحاتها, سواء كان ذلك في ظروف العرض الحيز او الموضوعات والرسائل الجمالية التي تسهم في تطوير الذائقة الجمالية لدى الفرد. وثمة صور من نوع آخر,تلك التي تقذف عينك ببشاعتها وسوء عرضها فنحن نشاهد في كل مكان نذهب اليه ما يشبه الفوضى في طريقة عرض الصورة الإعلان اللوحة, مما يعني المزيد من تعذيب العين بألوان ومكونات متعبة وتنسيق الا يعني سوى الرغبة في اثبات وجود لمن وضعها. وشاع مؤخرا مصطلح التلوث البصري في مقابل التلوث البيئي ويعتقد محمد العامري في مقال نشر على الانترنت ان قضية التلوث البصري تلاحق عين كل مشاهد حيث ان المشاهدة هنا قسرية ترتطم بك حيث تكون فأعيننا تتعرض يوميا للتلوث البصري من خلال اخراج الإعلانا التلفزيونية والفيديو كليب, اضافة الى الاعلانات التي تتمترس على واجهات البيوت والأبنية حيث لا يوجد أي سياق لطريقة عرض هذه الإعلانات, سواء في المنظومة اللونية او الاحجام او نوع الخطوط على الواجهة المعمارية الواحدة. واعتقد جازما ان هذا التشويه البصري في الشارع اليومي, يشكل حالة نفسية رديئة بالاضافة لارتفاع حوادث السير, والتي لها دلالاتها الارباكية للعين. مضيفا ان خطورته كخطورة التلوث البيئي, لذلك لا بد من وضع آليات عملية لتنظيم الفوضى البصرية في الشارع. ويعتقد البعض ان ايجاد حلول مناسبة للتلوث البصري في الشارع قضية تحمل الكثير من الصعوبة, وذلك نظرا لتعدد الميول والحاجات بشكل يعيق عملية التحكم فيها, الأمر الذي يقودنا للاهتمام بما هو متاح وهو مجال اللوحة التشكيلية حيث يرى بعض الفنانين ان هناك تلوثا بصريا يمكن تجنبه. ويرى الفنان التشكيلي محمد حيدر ان مشكلة التلوث البصري تكمن داخل كل انسان فهو الذي قد ينزعج من عمل تجريبي ما دام لم يثقف باصرته, اما بالنسبة للوحات الإعلان وألوانها فيكون المصمم قد نجح في لفت انتباهك. مشيرا الى ان هناك تفاوت في الرؤية بين شخص وآخر, فما تراه مريحا للعين قد يراه آخرون مزعجا وهكذا تبقى العملية نسبية. اما الفنان محمد السيهاتي فيرى ان التلوث البصري موجود في الفن التشكيلي وذلك لأن بعض الفنانين لا يجيدون التعامل مع اللوحة, ويعتقدون ان طريقة استخدامهم المزعجة هي مريحة وتحقق لهم نوعا من الرضا. مشيرا الى ان بعضهم يحاولون رسم لوحات تخدش الحياء وهذه اللوحات بالتحديد تسبب ما اسميته تلوثا بصريا لدى غالبية الناس. وأشار السيهاتي الى ان الصحافة في كثير من الأحيان تخدم هؤلاء مستدركا انه يمكن تلافي هذا الأمر باحترام ذوق المتلقي والتركيز على الإبداعات ذات القيمة العالية بعيدا عن المجاملة وبالنسبة للوحات الإعلانية فحلها موجود لدى الشركات والمعلنين, وقد يكون الفن بعيدا عن هذا المضمار وعلينا ألا نحمله هذه المسؤولية ويستطيع المتلقي وحده الحكم على هذا التلوث والتعامل معه بطريقة مناسبة.