لا يمكنك أن تقرأ «علاء الأسواني» بمعزل عن السياسة، فطبيب الأسنان الذي اقتحم عالم الأدب بروايته الأولى المثيرة للجدل «عمارة يعقوبيان» التي انتقد فيها نظام العسكر في فترة ماقبل الثورة انتقاداً شديداً، وحمل فيها على القبضة الأمنية الباطشة وجعلها المسؤولة عن الفساد المستشري في المجتمع، لم يكتف بذلك بل واصل كتابة مقالات «انتحارية» منتظمة في جريدة الشروق المصرية انتقد فيها بلغة صريحة وبلا مواربة نظام مبارك في الوقت الذي كان الآخرون يتحسسون أقلامهم و جيوبهم قبل أن يكتبوا أي كلمة. تلك الجرأة منحت الأسواني شعبية غير مسبوقة لكاتب في عصره، وكانت لغته الصريحة وهجومه العنيف على السلطة ممزوجة ببراعته في الحكي والإقناع، كانت كلها عوامل ساهمت مجتمعة في تشكيل كاريزما المثقف الثوري الذي غاب عن المشهد لعقود. المثقف الذي لا تستطيع أن تفصل (بضمير مرتاح) بين مستوى ما يكتبه من أدب وجرأة وحماسة الرسالة الثورية التي يقدمها خصوصاً عندما تأتي في ظرف قاتم تختلط فيه المعايير ويمارس فيه المبدعون والأدباء فضيلة الصمت أو يلمحون من بعيد لما يحدث دون أن يسمعهم أو يشعر بهم أحد. بعد انقطاع عاد الأسواني برواية جديدة هي الثالثة له حملت عنوان «نادي السيارات» وتدور أحداثها في مصر ما قبل ثورة يوليو حيث الاحتلال الإنجليزي وفساد الحكومة المستشري. يحاول الأسواني أن يسقط أحداث تلك الفترة على ما يجري في مصر الآن، يشرّق ويغرّب ويسهب كثيراً في الوصف ويفقد كثيراً من الخيوط والشخصيات في منتصف الطريق، لكن شخصية واحدة من شخصياته تسترعي الاهتمام بشكل خاص هي شخصية رئيس الخدم الذي يسمونه «الكوو»، الكوو شخص شديد التسلط قوي الشخصية على خدم القصر ونادي السيارات الذي يرتاده النخبة من الإنجليز والحكام، الكوو لا يغفر زلة من خادم، يرعبهم مجرد ذكر اسمه، يشاطرهم البقشيش ويعاقبهم بلا شفقة لأقل هفوة، وعلى الرغم من ذلك فهو شديد الخنوع والتملق أمام أسياده الإنجليز، لا يكاد يرفع رأسه إذا حدثه أحدهم. يواجه الكوو تمرداً من بعض الخدم نتيجه ظلمهم وحرمانهم من أجرهم، لأول مرة يمتنعون عن العمل ويعتصمون بشكل جماعي أمام بوابة النادي، يطلب منهم العودة لأعمالهم لكنهم يصرون على قبض أجرهم أولاً، يهددهم بأنهم يسيئون لمنظر المكان، فيزدادون إصراراً، وعندما يعجز عن إقناعهم يستدعي الحرس للقبض عليهم، يدخل الحرس ويبطشون بهم ويقتادونهم إلى المعتقلات وبعد أشهر من التعذيب يعيدهم الكوو للنادي وقد ارتدوا عباءات وطرحاً ليجعلهم أضحوكة وعبرة أمام الجميع، لكن وبعد وقت قصير من تلك الحادثة يتسلل المعتصمون لسرير الكوو داخل القصر ويقتلونه دون أن يلتفتوا لتوسلاته!. الغريب أن الأسواني الذي تشاجر على الهواء في فبراير عام 2011 مع «أحمد شفيق» رئيس الوزراء في ذلك الوقت واتهمه بأنه متخاذل لأنه لم يقبض على قتلة الشهداء، هو نفسه الأسواني الذي يعود ليصطف في خندق واحد معه ومع العسكر ويبارك سحل المعتصمين في رابعة والنهضة وكأنه ليس الرجل الذي ناضل كل تلك السنوات للتخلص من استبداد العسكر، وكأنه ليس هو الذي قتل بطل روايته على يد الثوار لأنه استدعى الجيش ليبطش بهم في اعتصامهم!.