أكتب وبعض القراء يعرف شيئا عن الراوية السعودي محمد الشرهان وبعضهم يسمع عنه لأول مرة، وربما كانت ظاهرة "الشرهان" جرس إنذار لتوقظ الإعلام السعودي المسموع والمقروء من غفلته. القصة باختصار أن الرجل موهبة متميزة وله حضور لافت وجاذبية في مجال الرواية الشعبية والتراثية من حكايا وأشعار، بأسلوب شيق وممتع، وحدث أن عرفه الناس لأول مرة من خلال شاشة قناة خليجية، قدّرت موهبته ومنحته المساحة والوقت، وأي وقت ! فقد كان الشرهان يتحدث للخليج في الفترة الذهبية في شهر رمضان المبارك. الشرهان كان يعيش بين ظهرانينا طوال حياته ولم يغادر أو يهاجر، لم يبحث عنه احد. دلني على الشرهان صديق. حكى لي أثناء نقاش حول فورة الشعر الشعبي التي نعيشها اليوم رواية نسبها للشرهان في إحدى حلقاته، عن شاعر قديم إسمه سويلم السهلي لم ير في حياته البحر يوما لا في شرق البلاد ولا في غربها، لكنه بحسه الشعري المرهف وباستماعة لروايات غواصي اللؤلؤ النجديين في الخليج ، نظم قصيدة ولا أروع عن صراع غواص مع سمكة قرش بما فيها من كر وفر ومراوغة وألم ومعاناة، وشبهها بقصة عشقه هو، وقد كانت قصة رائعة بالفعل، ولولا ذائقة الشرهان المتميزة لما ظهرت على السطح هذه التجربة المتميزة لشاعرنا سويلم . أما الشرهان الذي يتمتع اليوم باعتراف كبير وإن كان متأخرا في مختلف الأوساط، يشهد على ذلك استضافته المتكررة في الإعلام السعودي، وبأشرطته الكاسيت التي يتم تداولها على نطاق واسع في المملكة، فقد كان يمكن أن يختفي ويهال على موهبته المتميزة التراب، لولا إصراره وعناده. هذا التصميم الذي لم يكن متوافرا لعشرات، بل ربما المئات، من المواهب المحلية التي انطفأت في مهدها، لأن الشللية لم تسمح لها بالعبور، ولأن مسؤولي الإعلام المحلي في هذا العصر التنافسي ينتظرون من المواهب أن تطرق الباب وتقدم ملفاً علاقياً وتكتب معروضا استرحاميا كي يفتح لها الباب !