بعد نهاية عام وبداية آخر، المثقّف مدعوٌّ لوقفة يحتاجها لمراجعة حصيلته القرائية لفحص ما تراكم في مكتبته خلال العام، ترى أيّ الكتب ترك في نفسه أثراً يمكن له أن يناقشه ويتحاور معه؟ وأيها مرّ مروراً عابراً.. هنا وقفة مع بعض المثقفين حول أبرز ما قرأوا من كتب سعودية وعربية. عام التأمّل يرى الناقد والشاعر محمد الحرز أن هناك أسماء عربية صدر لها بعض الكتب في 2012 لكنه لا يراها متميزة، فالإصدارات عموما في هذا العام تعاني من خفوت الكتابات المتميزة، فهناك كتابات تاريخية وفكرية برزت لكنها لا تشكّل مؤصّلاً في تطوّر الفكر العربي ولا يمكن الوقوف عندها طويلاً ككتب سابقه أخرى دارت في نفس الدوائر. ويضيف الحرز: في هذا العام، المُؤصّل الحقيقي لتطوّر الحياة العربية هي الثورة العربية التي جعلت كل فكر تنظيري يعيد النظر في أعماله، ولذلك هو عام للتأمّل ولا نجد فيه أعمالا تشكّل أهمية، ولكن ربما ستكون هناك أعمال قادمة تقوم بتحليل هذه الأعمال، أما الكتب الغربية المتميزة فهي موجودة بوضوح وقد ترجمت العديد من الكتب خاصة في مجال الرواية والنقد. قرأت لأكتب الباحث والروائي خالد اليوسف يقول: إنّه ليست لديه إجابة محددة بسبب روايته التي مازال عاكفاً عليها، فقد جعلته يقرأ كلّ شيء، ويتابع كل شيء، ويبحث في كل شيء!! ويضيف: قرأت كتباً شرعية، وخصوصاً في المذاهب والفرق بينها، وكتباً تاريخية، وكتباً جغرافية، وأدبية منها الروايات والشعر الفصيح والشعر الشعبي، شاهدت أفلاماً ولقطات كثيرة من اليوتيوب، كل هذا في سبيل روايتي الحالية التي أتوقع صدورها قريباً. ويبين اليوسف أنّ كتابة الرواية تفرض هذه الطريقة من الاطلاع والقراءة « مثلما حصل مع روايتي الثانية: نساء البخور التي تطلبت مني الكثير من القراءات والحوارات واللقاءات والمشاهدات، لأن موقعها وزمنها وشخوصها ينتمون إلى مرحلة دفنها الزمن وعليَّ إعادتها من خلال الرواية، والحمد لله استطعت أن أكتب شيئاً متميزاَ وجديداَ، وهذا ما أتمناه في هذه الرواية». وهذا لايمنع من القول إن في كل عام ثمة إصدارات متميزة يمكن الوقوف عندها . تسيّد الغربي وقال الكاتب محمد البشير: احتلّت الكتب النقدية والعلمية نصيباً وافراً من محصلة قراءتي لهذا العام، ولأن السؤال ينصبّ حول الكتاب العربي والسعودي فقط، فقد جنبت ما قرأت من كتب مترجمة. وحين فتشت عن كتاب عربي أبى إلا أن يكون مترجماً ولو كان كاتبه عربياً، فقد توقفت عند كتاب (أنبئوني بالرؤيا) لعبدالفتاح كليطو ، وهو من ترجمه عبدالكبير الشرقاوي، وصنفه رواية، وإن كنت أتحفظ على هذا التصنيف، إلا أن الكتاب مع صغر حجمه استطاع عبالفتاح كليطو من خلاله أن يمرر أسلوبه الأركيولوجي في حفرياته العلمية حول التراث بأسلوب سردي حكائي. أما الكتاب السعودي فقد توقفت هذا العام عند كتاب (التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث) للدكتور محمد الصفراني، وذلك لاهتمامه بجانب طريف في الشعر يكمن في التشكيل البصري للقصيدة والبحث عن التعالقات بين الشعر الحديث تحديداً والرسم والطباعة وصولاً إلى التقنيات السينمائية. سعودي بنكهة عربية المخرج المسرحي عبد الهادي القرني قال: إن رواية «نحو الجنوب» لطاهر الزهرانى، هي من أجمل الروايات السعودية التي قرأها في العام المنصرم، لأنها رواية مغامرة و»مجنونة». وأضاف: لغتها سهله، سرد الأحداث كان متتالياً، ومترابطاً بشكل منطقي، وقد استخدم فيها مفردات جنوبية بحتة، ولكنها كانت من ضمن سياق النص ولم تكن فقط لأجل تواجدها. ويضيف : هي رواية تعكس بيئة الجنوب إلى حدّ بعيد، ولكنها تناقش السؤال: هل الغربة .. هى الخروج من الوطن أم من قريتك ؟ ماهي الغربة ؟ وما هي معايير العلاقات الإنسانية بين الطبقات المختلفة؟ كيف تكون علاقة الإنسان بالأرض التى يعيش عليها؟ أمور كثيرة أعجبتني فى الرواية وأمتعتني. أما عن الكتاب العربي فيقول: لو اعتبرت حصول يوسف المحيميد على جائزة قرطاج للرواية العربية، فأنا أعتبر رواية «الحمام لا يطير فى بريدة» هى الرواية العربية التى لفتت انتباهي، فهي رواية محلية .. بطعم الرواية العربية، لأنها استحضرت كل الأدوات التى أهلتها للحصول على الجائزة، على الرغم من أن أحداثها تدور فى بيئة محلية. ويضيف: أنا أشبهها بروايات نجيب محفوظ التى كانت غارقة فى المحلية ولكنها خاطبت العالم العربي والعالمي. معاناة الإنسان واحدة، وخصوصاً فى البيئة الأقل فى الحضور الاجتماعي والمالي، ويختلف أسلوب التعاطي من كاتب إلى آخر، فالأكيد أن القارئ العربي فهم الرواية وتقبلها. صوت الخليج وتوقف الشاعر يحيى العبد اللطيف لدى رواية «لوعة الغاوية» لعبده خال وقفة إعجاب « لما في هذه الرواية توظيف لقصة إنسانية مختلفة، قصة حب غريبة الأطوار ربما على المستوى الإنساني لا تتعاطف معها، لكن السارد يضعك في الأجواء، دون أن تتعاطف مع أحد وربما تتعاطف لكن في نهاية الرواية ستحس بغرائبية الأقدار خصوصاً السؤال المفجع من المحبوبة الحقيقية لبطلة الرواية. اقتنص عبده بعض الأحداث في منطقة الجنوب ليوظفها في تنامي الأحداث في الرواية». أما على صعيد النقد فقد قرأ العبد اللطيف كتاب « صورة الآخر في شعر المتنبي» للناقد محمد الخباز، حاول محمد أن يوظف آليات النقد الثقافي في قراءة المتنبي، في محاولة لإكمال مشروع الغذامي، والخباز كان مجتهداً في هذا الحقل النقدي، وسار الخباز في كتابه وفق أسس علمية ومنهجية البحث. وحول الإنتاج العربي وعلاقته بالمحلي قال العبد اللطيف: أرى أننا نقلل من ذواتنا حين نشعر أنفسنا بأنّ إسهاماتنا الثقافية أقل من غيرنا، المبدع السعودي هو جزء من المشهد العربي، ويملك صوتاً ثقافياً مهماً للتعبير عن إنسان الخليج.