استبشر الفلاحون في الأحساء بقدوم فصل الصيف، رغم ما فيه من حرارة عالية تلفح الوجوه، وعلى الرغم من معاناتهم في مواجهة تلك الظروف المناخية، وهم يؤدون أعمالهم تحت أشعة الشمس الحارقة ورياح السموم الخانقة، مع كل ذلك تجدهم مسرورين فرحين لا لموسم الصيف، وإنما لما يحمله معه.. ألا وهو موسم نضج الرطب، الذي يشكل مصدر رزق للكثير من الفلاحين وعوائلهم. واستقبلت محافظة الأحساء قبل شهر تقريباً بشائر الرطب للأصناف المبكرة، بأسعار مرتفعة نسبياً، يتصدرها الغرى وأم اجناز والطيار، لتعلن بدء موسم الرطب لهذا العام. وبدأت الأسواق بالفعل في استقبال أصناف الرطب، والأمل يحدو المزارعين أن يكون حظهم في التسويق هذا العام أفضل من الأعوام السابقة، بحكم الأجواء التي هبت هذا العام، التي كانت سبباً في وفرة الرطب وجودته. حيث يبدأ المزارع في الأحساء في العادة إنتاج الرطب قبيل شهر يوليو، ليبيع حصاده على 3 مراحل، لمدة لا تتجاوز 4 أشهر، تكون باكورتها أصنافاً معروفة، مثل الطياري, البكيرة، الماجي, الغرى. وما تلبث هذه الأصناف أن تأخذ حظها في التسويق، حتى تتراجع بصورة ملحوظة عند نزول سيدة الرطب (الخلاص) للأسواق، وتتواصل المزارع في إنتاج هذا الصنف لمدة 40 يوماً تقريباً. وهذه الأيام هي بداية جنيه، والمتوافر بقلة هذه الأيام، وبأسعار تعد مرتفعة، حيث تصل إلى 40 ريالاً للصندوق الصغير. وتتراجع أمامه أصناف كثيرة من الرطب، مثل الغر وأم اجناز، والمرحلة الثانية تبدأ فيها أشهر الأنواع في المحافظة، وهي الخنيزي، الخواجي، الشيشي والبرحي، وفي شهر أغسطس تنتهي المرحلة الأخيرة، بإنتاج (الخنيزي) الأحمر وأم رحيم. ومع بدء إنتاج الأصناف المتقدمة تبدأ المرحلة الثالثة، يتصدرها الهلالي، خصبة العصفور، الشهل، الصبو والحجوب. الارتفاع يؤثر على الموعد المزارع أحمد عيسى بن معن يذكر أن بداية إنتاج الرطب يختلف من منطقة إلى أخرى، فالمناطق المرتفعة تصلها أشعة الشمس بكميات كبيرة، مما يساعد على سرعة نضوج الرطب، وطرحه في الأسواق قبل المناطق الأخرى، والسبب يرجع إلى حاجة ثمر الرطب إلى أشعة الشمس، فهي من أهم العوامل المساعدة في إنتاج الرطب في الأحساء، وعلى الرغم من وفرة النخيل في المنطقة الشرقية، وازدياد مساحة الأراضي الزراعية لشجرة النخيل فيها، إلا أن المزارعين، وخصوصاً صغار المنتجين يعانون كثيراً من المعوقات الإنتاجية والتسويقية، بسبب تلاعب العمالة الوافدة، التي تغزو أسواقنا، وتبيع بأسعار متدنية، وتسعى دائماً إلى التلاعب في الأسعار، مما أدى إلى تراجع اهتمام المزارعين وباعة الرطب في الفترات الماضية بالنخلة وإنتاجيتها. الزحف يقضي على النخلة في الوقت الذي شهدت فيه المزارع القديمة في المناطق الزراعية القريبة من القرى انحساراً في الإنتاج والوجود، بسبب الزحف السكاني، وتحولت الزراعة إلى مناطق جديدة، اعتمدت على زراعة أصناف محددة، مرغوبة في السوق. قال محمد الحميدان الدوسري: هناك الكثير من قرى المحافظة تحول جزء من مزارعها في السنوات الماضية إلى أراض سكنية، واندثر جزء آخر، بسبب الإهمال وتركه عرضة للخراب والآفات، وبقيت قلة من المزارع، التي يشرف عليها أصحابها بشكل مباشر، إضافة إلى تحول كثير من المزارع إلى استراحات عائلية للتأجير وقاعات للأعراس، ومجال للتنزه والفرجة والتبهرج، مما أضاع قيمة النخلة في الأحساء، وأنا أنادي الجهات المعنية بأعلى صوتي، مطالباً بإيجاد حل سريع، لتفادي ذهاب وانقراض النخلة في الأحساء، والحفاظ على قيمتها. السوسة الحمراء عادل عبد الرحمن بالطيور من منسوبي شركة الاتصالات السعودية جاء للتسوق في أحد أسواق الرطب، يقول: أن من أسباب انحسار إنتاج الرطب والتمور في الأحساء في السنوات الماضية الآفات الحشرية، التي هجمت على بعض نخيل الأحساء، وعلى رأسها سوسة النخيل الحمراء، التي أودت بحياة كثير من النخيل داخل المحافظة وخارجها، مثل مزارع القطيف والدمام، وحولت غابات نخيل إلى ساحات يرى شرقها غربها، ومنذ أن سجلت المملكة أول إصابة للنخيل بالسوسة الحمراء في المنطقة الشرقية قبل 10 سنوات تقريباً وحتى وقتنا هذا، مازالت الجهات المعنية تحاول جاهدة القضاء عليها، والحد من انتشارها، لما تسببه من آثار تخريبية على النخلة، إن لم يتم التمكن منها في وقت مبكر، وكلنا أمل في الخلاص من هذه الظاهرة. قلة المياه سبب التدهور يعد محمد مبارك حمد الحميد (62 عاماً) من أشهر المزارعين في مدينة المبرز، وهو يرى أن معاناة النخلة في الأحساء ترجع إلى قلة المياه في الأماكن المرتفعة، وانحسار الأيدي العاملة الوطنية من الشباب.. يقول: أن وفرة الإنتاج أضر بالجودة، لعدم تمييز بعض الناس للمنتج الجيد، الأمر الذي قلل من الاهتمام بالنخلة. وحث حسين محمد المحمد (أحد باعة الرطب) على مزاولة مهنة الزراعة، قائلاً: بإمكان الشاب ان يغتني مادياً إن هو عمل في الزراعة بإخلاص، مما يرجع عليه بمردود جيد، بدلا من البطالة، التي آلمت العديد من شباب اليوم، وأدى غيابهم إلى اشغال أغلب المزارع الحديثة بالأيدي العاملة الأجنبية، مما أدى إلى تراجع الجودة، لقلة خبرة هذه العمالة، كونها قدمت من بلدان ليست النخيل من الزراعات الأساسية فيها. إنتاج السنة أفضل بكثير وذكر حسين عيسى الخميس (أحد الباعة) أن العام الماضي ظلت الرياح المحملة بالغبار (البوارح) فترات طويلة، مما أدى إلى تقليل جودة الرطب، إضافة إلى فترة الرطوبة التي أذبلت العديد من الأنواع، بسبب طول الفترة التي هبت علينا آخر أيام الموسم العام الماضي. أما هذه السنة ولله الحمد فإن حركة الرياح والمناخ منذ موسم تلقيح النخيل وإلى الآن يسير على ما يرام، فهذا أدى إلى وفرة الرطب وجودته هذا العام. وتوقع أحمد عبد الله الخميس أن يبشر موسم التمر هذا العام بالخير. وعن أنواع الرطب التي تبقى إلى موسم التمور قال الخميس: أن النخلة الصغيرة لا تتعرض للشمس بشكل جيد، مما يؤدي إلى قلة جودة التمر فيها، لذلك نقطع منها الرطب فور نضوجه، أما النخلة التي بلغت أعمارا كبيرة، وأصبح طولها مناسبا تبقى إلى موسم التمر، وهذا أفضل لنا نحن المزارعين. التين والليمون الحساوي مرتضى النويحل أحد الباعة في سوق الخضار يقول: الرطب ليس الوحيد الذي يكتسح السوق في مبيعات هذه الأيام، فتزامناً مع موسم الرطب بدأت أشجار الليمون هي الأخرى في النضوج، فاكتسى السوق بالليمون الأصفر والأخضر. ولطعم الليمون الحساوي رائحة مميزة، وشكل فريد مغاير عن غيره من المناطق الأخرى، كما هي ميزة تربة واحة الأحساء الغنية، التي تتميز بأنها من أخصب أنواع التربة في المملكة، من الناحية الزراعية، كما امتلأت الأسواق بالتين الحساوي، ذي المذاق الحلو، الذي تنفرد به الأحساء عن سواها من مناطق المملكة، بجودة الطعم، وقد شوهد الكثير من المتسوقين من خارج المحافظة، وحتى من دول الخليج، يشترون وبكميات كبيرة من الرطب والتين والليمون الحساوي، ليغادروا به إلى بلادهم. فوائد الرطب وعلق عبد الله النصيف على فوائد الرطب، حيث قال: الرطب بشكل عام مقو للجسم، كما يعطي سعرات حرارية تزيد من نشاط الإنسان، إضافة إلى احتوائه على العديد من الفيتامينات، حسب ما أجري من دراسات طبية لهذا الثمر العجيب، فهو مفيد لعلاج الكثير من الأمراض، كما أنه خفيف على المعدة وسهل الهضم، فالقرآن الكريم والسنة النبوية حثا الصائم على أكله، وكذلك المرأة الحامل، لما يحمل من فوائد عديدة، والتي أتوقع أن الطب الحديث لم يتوصل لها جميعاً. حسين الخميس يتحدث للمحرر مزارع يجني الرطب في أحد بساتين الأحساء