المجتمع المبني على المعرفة هو الذي يجعل اعتمادها، بل المساهمة فيها جزءا أساسيا من أولوياته. اقتصاد المعرفة هو الذي يبنى على إنتاجها واستهلاكها، إذ تشكل المعرفة جزءا رئيسيا من ثروته ورفاهيته الاجتماعية. مفهوم المعرفة ليس بالجديد حتما وإنما حجم تأثيره على الحياة العامة والاقتصادية أصبح أكبر بكثير. من الأدوار الرئيسية لدولة اليوم المساهمة في جعل المعرفة من أهم ركائز المجتمع لمصلحة الاقتصاد والمواطن. الدولة الحديثة هي التي تدعو مؤسساتها التعليمية الى تغيير أهدافها من مؤسسات تدريسية لمناهج معينة الى مؤسسات تعلم الطالب كيف يدرس ويفكر ويجدد، مما يسمح له بفهم واستيعاب كل التطورات والمستجدات. مجتمع المعرفة يشجع أفراده على اعتمادها في حياتهم اليومية عبر حوافز مناسبة وبنية تحتية متخصصة وقيادات فكرية متكاملة، كما عبر أنظمة وقوانين حديثة ترعى التغيير والابداع والتجديد. المعرفة هي أهم عامل للانتقال من الفقر الى الغنى ومن الحالة النامية الى الحديثة والمتطورة. المعروف عالميا أن المعرفة تولد المعرفة والجهل يسبب الجهل، فالخيار يكون إذا بين حلقة فاضلة او أخرى مفرغة فأيهما نفضل؟ المعرفة لا تتوقف بل تشكل حالة مستمرة بحيث يمضي الانسان المعاصر معظم أوقات حياته في تعلم ما يفيده ويعزز وضعه في المجتمع والاقتصاد. من الميزات الاساسية لاقتصاد المعرفة بل لمجتمع ناجح مبني عليها، نذكر ما يلي: أولا: ترشيد الانفاق العام بحيث يزداد القسم المخصص للمعرفة. الجزء الأساسي من الانفاق يجب أن يذهب الى الشباب بدءا من المدارس الى الجامعات. ثانيا: من واجب العائلات والشركات والمدارس وبقية المؤسسات ايجاد رأس مال إنساني مفيد للمجتمع. فالعائلة هي النواة الأهم التي يرعى فيها الانسان ويتزود بمبادئه وقيمه. ثالثا: مساهمة الشركات في تأسيس اقتصاد المعرفة بحيث تمول جزءا من التعليم والتدريب لموظفيها. بالرغم من أن هذا الانفاق ربما يشجع بعض العاملين على ترك الشركات التي تمول تعليمهم، إلا أنه ذو فائدة دائمة على المجتمع الذي تعمل فيه. رابعا: لا يمكن للأسواق المالية أن تزدهر في مجتمعات لا ترتكز على المعرفة. فالدول الغربية تهتم اليوم بتزويد طلاب المدارس بالتعليم المالي المناسب، بحيث يعي لفوائد ومخاطر الاستثمارات والأدوات المالية. خامسا: في الاقتصاد الجديد والتغييرات الكبيرة التي تحصل كل يوم في مختلف جوانبه، لا بد من إيجاد وسيلة لتخفيف القلق الذي يعانيه المواطنون. الوسيلة الأكثر تأثيرا ونفعا هي المعرفة، بحيث يدرك الانسان وضعه ويحاول تخطي التحديات والتقدم والنجاح. لذا لا بد من إنشاء جسور فكرية بين ركائز المعرفة، أي المدارس والجامعات والشركات والمؤسسات الخاصة والعامة المعنية، بحيث تتفاعل لخدمة المجتمع والاقتصاد. المعرفة الكاملة المستمرة هي مشروع اجتماعي متكامل يبنى تدريجيا بمشاركة الجميع. من الواضح ان المجتمعات العربية لم تدخل بعد الى اقتصاد المعرفة، كما تدل عليه العوامل المذكورة أعلاه. المشكلة الأساسية تكمن في عدم انتشار المعرفة في كل طبقات المجتمع. فالفارق ما زال واسعا جدا بين ما تنعم به الطبقات الميسورة والأخرى المعوزة. من المؤكد أيضا أن التكنولوجيا لم تدخل بقوة بعد الى كل أرجاء العالم العربي، كما أن ثقافة التغيير والتأقلم مع تطورات المعرفة لم تصل إلينا بعد. العالم العربي بحاجة الى إعادة النظر في ركائز المعرفة لديه إذ لا يمكن الوصول الى اقتصاد معرفة حقيقي إلا بالتعاون بين كافة جوانب المجتمعات المعنية.