* في إحدى ليالي الطائف الجميلة اتصل بي صديق عزيز وطلب مني مصاحبته إلى احدى صالات الأفراح الكثيرة في تلك المدينة وقال لي ان بها عددا من شعراء الرد المعروفين فلم أمانع إطلاقا ووجدتها فرصة لمشاهدة ذلك اللون من التراث العزيز على قلوبنا جميعا فهو تراث آبائنا وأجدادنا وبحكم عملي خارج المدينة لم أشاهده منذ زمن وبدأت أتحدث مع صديقي عن شعراء الرد بكل فخر و إكبار وكان صديقي ضليعا في ذلك وشاركني الحديث وكان يروي عنهم أدق التفاصيل عن حياتهم الخاصة والعامة ويؤيد ذلك بالبراهين و أبيات الشعر المنسوبة لهم أو لغيرهم فعلمت وقتها أن هؤلاء الشعراء وصلوا إلى مرحلة من الشهرة والانتشار إلى درجة أن الناس يهتمون بهم إلى هذا الحد وانهم اصبحوا حديث المجالس وبعد مرور وقت ليس بالقليل على ذاك الحديث الشيق مرت دقائق من الصمت ثم قال صديقي لي ( بس تصدق ما عندهم سالفة ) اندهشت وقلت له لماذا قال لي كما تعلم ويعلم الجميع أن معظم شعراء الرد يتلفظون بألفاظ غير لائقة ويتحدثون عن أمور تافهة ويتعدون حدودهم إلى أن يمسوا الدين والعرض في كثير من الأحيان فقلت له صدقت والمشكلة أن الكثير من جمهور هذا اللون يرغب في ذلك ويحبذه ، واصلنا المسير ونحن في حيرة من الأمر هل عند شعراء الرد (سالفة ) أم لا ؟ اقتربنا من صالة الأفراح وإذا السيارات تمتد عدة كيلو مترات من الصالة اندهشت وقلت لصديقي هل كل هذا الازدحام من اجل مشاهدتهم أم أن هناك سببا آخر قال لي من اجل مشاهدتهم ولم تر شيئا بعد ولم نجد موقفا للسيارة إلا على بعد كيلو مترين تقريبا ترجلنا من السيارة وذهبنا باتجاه الصالة فلقد كان هناك تجمهر غفير و أعداد هائلة من الناس يتصارعون على الدخول والتقدم إلى الأمام ويتزاحمون والبعض منهم يجلس تحت أقدام الآخر وهناك من اعتلى الأسوار بشكل فوضوي لا يدل على أدنى وعي وكانت صفوف القلطة (الملعبة) صفين أو اكثر خلف بعضها البعض وكان الشباب الذين شعرت بانهم يتمتعون بحماس غير عادي ويقومون بحركات بهلوانية ويؤدون دورهم بكل إتقان وتنظيم وجدت أنا وصديقي مكانا نجلس فيه بصعوبة والذي كان خلف تلك الجماهير الغفيرة من كل الأعمار والمستويات فنظر لي ونظرت له بابتسامة رضا احتفالا بما أنجزناه فلقد وجدنا مكانا نجلس فيه ثم ذهبنا نتابع ما يحدث بكل تركيز من خلال مكبرات الصوت دارت رحى المعارك الكلامية التي لا تسر عدوا ولا صديقا فما سمعناه ليس ما كنا نعرفه وما حدثنا به آباؤنا وأجدادنا ولا يشبه ما حفظناه من أبيات لا تزال باقية منذ زمن وتحقق أهدافا سامية ومفيدة , طالت المعارك وإذا بشاعرين من شعراء القلطة المعروفين والمعروف عنهم تجاوزهم الخطوط الحمراء يمتطيان صهوات السوء ويجردان سيوف الانتقام ويطلقان سهام الحقد حتى وجل الناس مما يقولان لبعضهما واحتقن الموقف وتوتر الجميع وتسمع من هنا ومن هناك الضحك والصراخ و ( أعدها يا أبو فلان ) ووصل الأمر إلى القذف والشتم الصريح والأوصاف السيئة فنزلوا بأنفسهم إلى الحضيض وفجر أحدهم قنبلة قذرة وقذف والدة خصمه وبدأ العراك بالأيدي وتحول المشهد إلى ما يشبه مصارعة الثيران أو الديكة وبدأ الناس يرشقونهم بعبارات السخط واللوم فنظرت إلى صديقي ونظر إلي فقال لي : ألم أقل لك (ماعندهم سالفة ) فقلت له صدقت (ما عندهم سالفة). ايها الشاعر المتهور ألا تعلم أن هذا الفعل وهذا الكلام محرم شرعا بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم قال تعالى ( يا أيها الذي آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ) وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ) بعد هذا ألا يوجد هناك مجال آخر غير السب والشتم والقذف تظهر به شاعريتك وتمتع به جمهورك الواعي ألم تفكر مليا في انك حين تسبه سيسبك وحين تقذفه سيقذفك وحين تقذف والدته أو شقيقته بما لا يسرسيقذف والدتك أو شقيقتك بالشيء نفسه وبهذا أوقعته وأوقعك في كبيرة من أكبر الكبائر ومن السبع الموبقات وانك ستوقع نفسك بهذا في غضب الله وسخط العباد وانك أصبحت مجرد ألعوبة في يد البعض ومهرج في نظر البعض الآخر وأتيت على أسس هذا التراث الجميل بالضرر وسينعكس ضررك على أجيال قادمة من اجل أن تعجب ضعاف العقول ومحبي الثرثرة ، ألا يحزنك كرامتك التي تنسلخ كل ليله في صالات الأفراح فنصيحتي لك إن لم تغير فارحل ودع هذا الفن لمن يقدره ويفيد به لأنه عزيز علينا أما هذا الشعر المسعور فيجب أن يحارب وتوضع له نهاية . ويجب أن ننكره وننكر من يتعامل به ونحاربهم بكل ما لدينا من وسيلة ونأخذ على أيديهم خصوصا انهم يتمتعون بهذه القاعدة الجماهيرية العريضة كيلا يفسدوا مجتمعنا المسلم ونكشف عن حقيقتهم عبر وسائل الإعلام ونقاطعهم حتى يشعروا بعزلتهم ورفض المجتمع لهم والهدف من ذلك هو الأمل في عودتهم عن ذلك وان يصبحوا بما لديهم من مواهب مصدر قوة ورقي للمجتمع لا معول هدم وتدمير ومن الطبيعي أن هذا لا يندرج على كل شعراء الرد فمنهم من نعتز به ونحترمه ويفيدنا ما يقول ولكنهم قلة. @@ حمود الأزوري