مضى على سقوط النظام العراقي السابق قرابة 20 يوماً، إلا ان قصة سقوط هذا النظام ما زالت تثير تساؤل الناس خارج العراق، وربما داخله.. الأمر الآخر الذي يحير الناس وجعلهم يتساءلون: أين ذهب صدام وما مصيره؟ للحصول على إجابات للكثير من الأسئلة حاولنا الالتقاء بشخصية عراقية لها وزنها واحترامها منذ أن كانت بالمعارضة وأصبحت اليوم واحدة من الفعاليات الوطنية المؤثرة..نزار حيدر، عضو المجلس التنفيذي للمؤتمر الوطني العراقي الموحد، وعضو المكتب السياسي لمنظمة العمل الإسلامي في العراق.. الذي غادر العراق عام 1981م، كان من أوائل المعارضين العائدين، برفقة رئيس المؤتمر الوطني الدكتور أحمد الجلبي، دخل عن طريق مدينة الناصرية، وواصل سيره حتى وصل إلى العاصمة بغداد، بعد ان مر تقريباً بكافة مدن الجنوب والوسط.. تحدث ل"اليوم" بكل صراحة وشفافية، لدرجة اعترف فيها بأن كل قوى المعارضة التي عادت من الخارج رصيدها في الشارع العراقي بعد العودة مباشرة هو صفر. كما تحدث أيضا من قلب العاصمة بغداد عن جوانب أخرى، أبرزها مصير حزب البعث، فلوله، ومستقبله، مصير قادته، كيف تعامل العراقيون مع وطنهم بعد تحريره من نظام صدام، واحتلاله من القوات الأمريكية، التي يتهمها بلعب دور كبير في عمليات السلب والنهب، ولكنه في الوقت نفسه يرى ضرورة بقائها في العراق، لمدة عامين، حتى تقوم حكومة عراقية.. عن إعادة إعمار العراق، ومؤتمر الدول المانحة، عن جيش العراق القادم، ومؤسسات الدولة، عن المحاصصة الطائفية والملكية في خارطة حكم عراق المستقبل، عن مسودة الدستور العراقي التي صيغت في واشنطن برعاية وزارة الخارجية الأمريكية.. وأشياء أخرى كان هذا الحوار: صدام في بغداد @ بعد 3 أسابيع تقريباً من سقوط النظام السابق.. ماذا عن مصير رئيسه صدام حسين وولديه؟ حسب معلوماتي أنه ما زال موجوداً داخل العراق، وتحديداً في بغداد، وهناك فرق خاصة من القوات الأمريكية والمعارضة العراقية، وتحديداً من المؤتمر الوطني العراقي، يبحثون عنه في بغداد، وهناك جهود مكثفة لاعتقاله هو وولديه. @ هل يبدو ان اعتقاله سيتم في وقت وشيك؟ الله أعلم، لكن بغداد كبيرة جداً، وقد لا يكون في بغداد المدينة، بل في ضواحيها أو أطرافها، فعلى سبيل المثال هناك أخبار تشير إلى ان علي حسن المجيد ابن عم صدام، المعروف ب (علي كيماوي) موجود في منطقة الجزيرة، ويتخفى في زي راعي غنم.. عموماً العراق بلد كبير، وعمليات البحث تحتاج إلى وقت. هكذا سقط صدام @ هناك سؤال يحير الناس خارج العراق، وربما داخله، هو: ماذا جرى ظهيرة التاسع من إبريل؟ كيف سقط النظام السابق؟ هل وقعت اتفاقية بين بعض رموزه والقوات الأمريكية؟ هل تداعى النظام واختفى؟ خلال اليومين الماضيين (السبت والجمعة)، ولأكثر من 10 ساعات تجولت في معظم شوارع بغداد، ولقد رأيت ان الأمريكيين وخلال أيام الحرب (منذ 20 مارس الماضي وحتى 9 إبريل الحالي)، قصفوا مواقع حزب البعث، مقرات الأمن، المخابرات، فدائيي صدام، وما يسمى جيش القدس، جميع هذه المواقع دمرت، بالإضافة إلى تدمير كل مراكز اتصالات النظام ووزارة الإعلام والإذاعة والتلفزيون وغيرها من الأجهزة، ثم دخلوا بغداد (في التاسع من إبريل)، وأسقطوا النظام المنهار.. فما حدث هو انهيار هذا النظام، كانت هناك مقاومة من قبل بعض أتباع صدام، لكن لأن القوات الأمريكية كانت قد دمرت مواقعهم، فما كان أمامهم إلا ان ينسحبوا وينهار النظام.. هذا ما جرى، لا أكثر ولا أقل. انسحاب النظام السابق @ قلت (انسحبوا).. فأين ذهبوا؟ أزلام النظام السابق انسحبوا من كل المحافظات برجالهم وسلاحهم وأموالهم، إلى خارج المدن، فمثلاً، بعضهم أنسحب إلى بعض البساتين، وبعضهم لجأ إلى بيوت يملكونها تقع خارج المدن، ففي مدينة كربلاء مثلاً، انسحبوا إلى منطقة الهندية وطويريج والحسينية وعين التمر، وهي مناطق تقع في أطراف المدينة، وهكذا في أغلب المناطق، مثل بغداد والناصرية والمناطق الأخرى، وهم الآن يتحينون الفرص للعودة إلى المدن، بشكل أو بآخر، ولكن ذلك صعب، فالمواطنون والقوات الامريكية يسيطرون على الأوضاع في شوارع المدن، فالأمريكيون الآن في كل شارع من شوارع المدن، يخالطون الناس، يشترون منهم، يتحدثون معهم، وهذا يمنع البعثيين من التحرك بشكل علني. محاكمة النظام السابق @ لو تم ضبط هذه العناصر فهل سيتم أعتقالهم؟ القيادات العليا والوسطى سيتم اعتقالها، مثل الحزبي البعثي برتبة عضو شعبوي فما فوق، وسيتم تسليمهم إلى محاكم متخصصة للنظر في قضاياهم، ومن يدان يصدر بحقه الحكم المناسب، ومن يبرئ من أي جرم فقد يطلق سراحه، ولكن على الا يعود لممارسة أي نشاط ذي شأن عام، خصوصاً النشاط السياسي. المحاكمة في لاهاي @ هل ستتم محاكمة أزلام النظام داخل أو خارج العراق، في غوانتانامو على سبيل المثال؟ قائمة الخمسة والخمسين ستتم محاكمتهم بشكل علني في محكمة لاهاي، التي شكلت مؤخراً، لمحاكمة مجرمي الحرب. عمليات الثأر والانتقام @ هل حدثت عمليات ثأر أو انتقام ضد بعض رموز أو أزلام النظام السابق، أو عمليات ثأر أخرى، لم يكن القيام بها ممكناً في ظل حكم صدام، واستغل سقوطه وحالة الفوضى لتنفيذها؟ الحمد لله.. حتى الآن العراقيون لم يتورطوا في الدماء، إلا حالة واحدة وقعت في السابع من إبريل في مدينة النجف، حين اغتيل حيدر الكليدار، أما في بقية المناطق فلم يحدث أي شيء من هذا القبيل، فعلى سبيل المثال، قبل يومين اعتقل المواطنون اثنين من المجرمين القتلة، وسلموهما إلى القوات الأمريكية، أي أنهم لم ينتقموا منهما، رغم ما ارتكباه من جرائم.. وفي الواقع هناك مجموعة من شخصيات المعارضة (القوى الوطنية)، وأنا واحد منهم، نقوم بدعوة الناس إلى عدم التورط في الدماء. نعم نحن ندعو إلى اعتقال المجرمين، ولكن على ان يسلموا إلى الأمريكيين لمحاكمتهم، حتى لا يشهد العراق حالات انتقام وانتقام مضاد، ومن ثم يدخل نفق الفوضى. البعث لن يعود @ قلت ان المتورطين من البعثيين في جرائم سيحاكمون، ولكن ماذا عن مليوني بعثي في العراق، والبعض يقدرهم بأكثر من ضعف هذا العدد، ممن لم يتورطوا في الجرائم، هل سيسمح لهم بلعب دور سياسي ما، وإعادة تشكيل الحزب، بنفس المسمى أو بمسمى آخر؟ أكاد أجزم بان بين 80 إلى 90 بالمائة من المنتسبين للحزب كانوا مجبرين على هذا الانتماء، لأن المواطن العراقي لم يكن بإمكانه ان يلتحق بأي وظيفة أو دراسة جامعية دون ان يكون منتمياً للحزب، وهؤلاء لا يمكن ان يحسبوا على النظام المخلوع، لكن المتورطين في جرائم وسياسات النظام الإرهابية أو القمعية، هؤلاء بعد ان يحاكموا ومن لا يدان سيطلق سراحه، ولكن كما قلت سابقاً بشرط الا يعودوا، لأن من يأتي إلى العراق ويطلع على واقع الحال فيه، يشعر ان أفكار هذا الحزب مدمرة، شأنه شأن النازية التي حكمت ألمانيا في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي. أفكار حزب البعث فعلاً هدامة، وحينما نقول أننا نريد بناء عراق حر ديمقراطي، فهذا لا يعني ان الشعب سيفسح المجال للأفكار الهدامة، لكي تعود من جديد، لأن ذلك سيكون خطراً على أصل الديمقراطية. بقاء الأمريكيين @ لو بقيت القوات الأمريكية لمدة سنتين، كما هو متوقع ومعلن، الا تعتقد من خلال لقاءاتك بعينات عشوائية من الشعب العراقي، ان تحدث عمليات انتحارية أو فدائية أو استشهادية ضد هذه القوات؟ أنا شخصياً، وفي أكثر من مدينة حاولت استطلاع رأي الشعب العراقي حول هذا الموضوع بالذات، ومن خلال هذا الاستطلاع أستطيع ان أقول لك ان الرأي الأغلب المطلق تقريباً يرى ان بقاء الأمريكيين لفترة معينة هو لصالح الشعب العراقي، لأسباب كثيرة، أولها وأهمها ان نظام صدام حسين أنهار كمؤسسة حاكمة، ولكنه لم يتلاش كتنظيمات، لأن البعثيين انسحبوا من المدن كما قلت سابقاً برجالهم وأموالهم وسلاحهم، وهناك الآن اتصالات واجتماعات بينهم، وبين فترة وأخرى يبعثون بتهديدات للناس، آخرها ما أشيع من ان صدام سيعود بمفاجأة ضخمة في الثامن والعشرين من إبريل (الاثنين الماضي)، في ذكرى يوم ميلاده، وقد أصبح هذا الأمر حديث الناس، وفي مختلف المدن العراقية، التي زرتها. لذلك فالشعب العراقي يعتقد ان بقاء الأمريكيين هو للحيلولة مطلقاً دون عودة النظام السابق أو فلوله.. الأمر الثاني ان أمن العراق بمدنه وأقضيته ومحافظاته، لا يمكن إعادته دون تعاون العراقيين والقوات الأمريكية، فعلى سبيل المثال لو ان القوى الوطنية العراقية، علمت عن بقايا للنظام السابق في منطقة ما من العراق، فليس بإمكانهم ان يعتقلوهم بمفردهم، إنما يفترض ان تكون هناك مساعدة من الأمريكيين للعراقيين، للقبض على هذه الفلول.. الأمر الثالث ان العراق محاط بدول بعضها للأسف الشديد مازال يسعى للتدخل في شئون العراق الداخلية، ربما لزعزعة استقراره، أو الحيلولة دون إقامة نظام ديمقراطي حقيقي، في إطار قانون (صوت واحد لمواطن واحد)، والذي يعني حكم الأغلبية، هؤلاء ما زالوا يتربصون بالعراق، للتدخل في شئونه أو الانقضاض عليه، فلو انسحبت القوات الأمريكية بهذه العجالة، فمن الممكن ان يتعرض العراق وشعبه إلى مخاطر محتملة، وهي كثيرة. عمليات السلب والنهب @ فور سقوط النظام السابق تعرضت المنشآت الحيوية لعمليات سلب ونهب، حتى بعض بيوت بعض رموز النظام السابق تعرضت للنهب، قيل ان تلك العمليات قام بها الأمريكيون، وقيل ان من قام بها عصابات، كما يتهم المؤتمر الوطني العراقي بتنفيذ بعضها، خصوصاً المتعلقة بالاستيلاء على الوثائق الحكومية.. ما حقيقة ما جرى؟ ما حدث للأسف الشديد ساهمت فيه بشكل فاعل القوات الأمريكية، ولا أعلم هل كانت متعمدة القيام بذلك، أم لغرض ما، فحينما كانت هذه القوات تسيطر على مدينة ما، خصوصاً بغداد، فإنها تذهب إلى الأماكن الحساسة، مثل المتحف الوطني، البنوك، الوزارات، ومنازل بعض المسئولين في النظام السابق، ويطلقون النار على أقفال الأبواب، وبعد فتحها يدعون الناس إلى السلب والنهب. أما الوثائق فهناك أطراف عديدة حاولت الحصول عليها، ففي كربلاء مثلاً، حصلت عمليات اقتحام لعدد من الأماكن التي كانت سرية، وحصل الناس بداخلها على الكثير من الوثائق السرية، خاصة وثائق الأمن والمخابرات، التي كشفت عن الكثير من عملاء النظام، والتقارير التي كانت ترفع ضد المواطنين. المحاصصة مرفوضة @ ننتقل إلى الحديث عن مستقبل العراق.. من بين بعض قوى المعارضة العراقية من يطرح المحاصصة الطائفية والعرقية كأسلوب امثل لإدارة الحكم في العراق.. فإحدى قوى المعارضة طرحت تشكيل مجلس قيادة مكون من 10 أشخاص (2 عرب سنة، 2 عرب شيعة، 2 أكراد، 2 تركمان و2 آشور)، على ان يتم اختيار هؤلاء العشرة من قبل 135 شخصية عراقية من بين القيادات الوطنية التي شاركت في مؤتمر لندن (مجلس التنسيق والمتابعة المكون من 65 شخصية عراقية)، وآخرين من داخل العراق، يصل عددهم إلى 70 شخصاً.. كيف تنظرون إلى مثل هذا الطرح؟ هذا الطرح تقدم به السيد إياد السامرائي من الحزب الإسلامي، علماً ان حزبه انسحب من مؤتمر لندن، الذي عقدته المعارضة العراقية، وأنا أقول طالما أنه انسحب من مؤتمر لندن فليس له الحق ان يتحدث باسمه، ثم ان مؤتمر لندن ونتائجه غير مطروحة على بساط البحث بأي شكل من الأشكال.. الأمر الثالث ان المعارضة العراقية التي تبلغت أمس (السبت الماضي)، بهذا الطرح رفضته وبكل فصائلها، وهذا الرفض كان رفضاً قاطعاً، جملة وتفصيلاً، لأن هذا الطرح غير صحيح، فضلاً عن أنه طائفي عرقي، لا يمكن ان يقبله العراقيون، الذين تظاهروا في شوارع الاعظمية والكاظمية في بغداد ضد الطائفية. المحاصصة الطائفية مرفوضة داخل العراق، فهذا النوع من الحكم (المحاصصة)، يتعارض مع الدعوة إلى نظام حكم ديموقراطي حر دستوري، ثم ان الشعب العراقي هو من يختار نظام الحكم، فهل يعقل ان يتمثل الشيعة بشخصين، بينما هم يشكلون قرابة 65 بالمائة، بينما يحصل الآشوريون على نفس النسبة، وهم لا يمثلون إلا 3 بالمائة، والأمر كذلك ينطبق على السنة العرب والأكراد، فهذا التمثيل لا يعكس نسبتهم.. هذا كلام سخيف جداً، وغير مقبول إطلاقاً ومرفوض. مستقبل الملكية @ ماذا عن الملكية.. هل يقبل العراقيون أو أي من قوى المعارضة العراقية عودة النظام الملكي الدستوري، كما تنادي به الحركة الملكية الدستورية، التي أصدرت بيانا بهذا الشأن مطلع هذا الأسبوع؟ منذ دخلت العراق قبل قرابة الشهر عن طريق الناصرية، وحتى وصلت بغداد، مروراً بعدة مدن، مثل كربلاء، النجف، السماوة، الديوانية، الحلة والعمارة، وغيرها، التقيت بآلاف العراقيين، لم أجد بينهم من هو متحمس لعودة النظام الملكي الدستوري، إلا اثنين فقط، عموماً نوع النظام السياسي الذي سيحكم العراق يجب ان يختاره العراقيون، الذين سيحددون ما يريدون. الجلبي والرئاسة @ هل يحظى الدكتور أحمد الجلبي زعيم المؤتمر الوطني العراقي بنسبة قبول كبيرة لدى كافة قوى المعارضة العراقية؟ لا يوجد إجماع على أي شخصية من شخصيات المعارضة العراقية، سواءً من فصائل القوى الوطنية القادمة من المنفى أو من القوى التي كانت موجودة بالداخل قبل سقوط النظام، وما لمسته الى الآن ان الدكتور الجلبي يحظى بمقبولية لا بأس بها، سواءً لدى القوى الوطنية والشعب العراقي، علماً بإن قوى المعارضة العراقية اتفقت على ان يكون الجلبي على رأس حكومة انتقالية، إذا استطاعوا ان يقنعوا الأمريكيين بتشكيل هذه الحكومة، ولكن الأمريكيين مصممون حتى هذه اللحظة على ان يحكموا العراق خلال الفترة الانتقالية مباشرةً، ودون مشاركة أي طرف عراقي. الإدارات المحلية @ في أغلب المدن العراقية شكلت إدارات محلية مدنية.. كيف تنظرون إلى هذه الإدارات؟ أغلب هؤلاء تم اختيارهم عن طريق وجهاء المدن والمحافظات والمعايير في عملية الاختيار كانت أولاً الا يكونوا من أزلام نظام صدام حسين المنهار، والايكونوا متورطين في الحصول بشكل غير شرعي على المال العام أو في جرائم، فبعض الأشخاص لم يكونوا من أزلام النظام السابق، ولكنهم كانوا متورطين أو ذوي أيدي قذرة، والمعيار الثالث ان هؤلاء بإمكانهم ان يقدموا الخدمة الإنسانية لمحافظاتهم، مثل إعادة الماء، الكهرباء، النظافة، الصحة، الاتصالات، وغيرها من الخدمات الأساسية، ولكن ضمن هذا النطاق، لا أكثر ولا أقل. وأيضاً ان يكون هذا الوضع كمرحلة انتقالية فقط. الزبيدي تجاوز حدوده @ ولكن محمد محسن الزبيدي، على سبيل المثال، تجاوز تقديم الخدمات لمحاولة إرسال مندوب يمثل العراق في منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك).. للأسف الشديد بعض هؤلاء بالفعل تجاوزوا المهمة التي جاءوا من أجلها، فبعضهم حاول تشكيل لجان عليا أو تنفيذية تتجاوز تقديم الخدمات الأساسية، ولكن، بحمد الله، الناس في بعض المدن تظاهروا ضدهم وأوقفوهم عند حدودهم، كما جرى في مدينة كربلاء، على سبيل المثال (أجري الحوار في نفس اللحظات التي اعتقل فيها الزبيدي، مساء الأحد الماضي). صراع القوى الوطنية @ هل تتوقع ان ينشب صراع بين قوى المعارضة السابقة، على اقتسام كعكة السلطة في عراق ما بعد صدام؟ في اعتقادي كما قلت سابقاً ان الأمريكيين مصممون على إدارة العراق خلال الفترة الانتقالية مباشرة، وخلال هذه الفترة من المستبعد ان يحدث صراع بين القوى الوطنية العراقية، لأن الكعكة بالأساس هي بيد الأمريكيين، وإذا انتهت هذه المرحلة بسلام وكتب وصدر الدستور الدائم، من ثم سيعود الجميع إلى صناديق الاقتراع، أي إلى رأي الشعب العراقي، الذي سيشكل البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية وغيرها من المؤسسات، فان احتمالية الصراع والمشاكل ستكون ضعيفة جداً، لكن في الوقت نفسه هناك خطر ماثل للعيان، وهو ان الأمريكيين جاءوا للعراق بتصور معين، ولكنهم فوجئوا بواقع مختلف، وهذا ينطبق أيضاً على القوى الوطنية، هؤلاء أيضاً فوجئوا بواقع جديد، من جملته أنهم دخلوا العراق بعد انهيار النظام، ورصيدهم ضعيف جداً، ان لم يكن معدوماً، وهذا واقع. الكل مفلس @ هل ينطبق هذا الواقع على الجميع؟ نعم هذا الواقع ينطبق على جميع القوى الوطنية العراقية، ومن مختلف الاتجاهات، سواءً الإسلامية، أو القومية، أو اليسارية، باستثناء الفصيلين الكرديين الأساسيين، فهما كانا موجودين على أرضهما منذ 12 عاماً، وأيضاً في ظل حكم ذاتي، لم يكن يتعرض لقمع وإرهاب نظام صدام حسين. وأنا شخصياً اعتقد ان الامريكيين لم يعلنوا حتى الآن مشروعهم الحقيقي للمرحلة الانتقالية، خوفاً من الاصطدام مع هذا الواقع. دستور العراق @ هناك تسريبات من مصادر عراقية ان هناك مسودة دستور عراقي، أعده مجموعة من الخبراء القانونيين في الخارج.. ما مدى صحة ذلك؟ أنا أعرف تفاصيل هذا الموضوع، أولاً اللجنة شكلت من قبل وزارة الخارجية الأمريكية بالضبط قبل حوالي شهرين، وكنت حينها في واشنطن، وأعرف الكثير من أعضاء هذه اللجنة، وان شئت زودتك بالأسماء، وجميعهم محامون ومن ذوي الخبرة في مجال القانون الدولي والمحاماة والقضاء وصياغة الدساتير، وقد عقدوا تحت رعاية وزارة الخارجية الأمريكية عدة اجتماعات على فترات، وكل اجتماع كان يستغرق يوماً واحداً، وفيما بعد وقبيل بدء الحرب بثلاثة أسابيع فرغتهم وزارة الخارجية لمدة أسبوعين تقريباً، اتموا خلالها صياغة مسودة الدستور، والمسودة لم ولن تناقش في اجتماعات المعارضة (الناصرية، بغداد ومدريد، أو في المؤتمر الذي سيعقد لاحقاً في كردستان العراق، أو في مؤتمر بغداد القادم)، بل من خلال لجنة خبراء ينتخبهم الشعب العراقي. التي ستتولى كتابة مسودة أيضاً، ثم تطرح على الشعب للتصويت عليها، سواءً بالقبول أو الرفض للتعديل. إعادة الإعمار @ ماذا عن إعادة إعمار العراق؟ أمريكا تسعى الآن إلى عقد مؤتمر دولي على غرار مؤتمر طوكيو لتمويل عملية إعادة إعمار أفغانستان، ولكنه هذه المرة لإعادة إعمار العراق، وهي تعد الآن لدعوة وإشراك وتشجيع عدة دول ومنظمات دولية غير حكومية، للمساهمة في تمويل إعادة الإعمار. مؤسسات الدولة @ متى تتوقع ان يكتمل بناء مؤسسات الدولة في العراق؟ إذا كنت تسأل عن المؤسسات في المرحلة الدائمة، فأنا أعتقد ان ذلك لن يتم قبل عامين. جيش الدولة @ هل سيكون العراق ضعيفاً، دفاعياً محضاً؟ نعم.. هناك رأي سائد في العراق ان يكون الجيش تطوعياً، ليس فيه خدمة إلزامية، جيش يقتصر دوره على الدفاع عن العراق، وليس عن شخص أو أشخاص، بدون عقيدة إيدلوجية، كما كان عليه الوضع أبان حكم النظام المنهار. من الحوار @ استخدم الضيف مصطلح قوى المعارضة أكثر من مرة، ولكنه في كل مرة يعود ليقول (سابقاً)، فهي قوى وطنية بعد سقوط النظام السابق، وأصبحت الحكومة السابقة هي المعارضة.. ثم يعلق: وهذا من غرائب الصدف. @ بعد قرابة 45 دقيقة من إجراء الحوار انقطع، بسبب ضعف بطارية هاتف الثريا، الذي يحمله الضيف.. ثم عاد مرة أخرى. @ جزء من الحوار تم أثناء قيادة الضيف لسيارته في طريقه من كربلاء إلى بغداد. @ رغم مرور عدة أيام على وصوله إلى مسقط رأسه، إلا ان الحوار مع الضيف تخللته مصافحات وتهنئة بالعودة من بعض معارفه الذين يرونه لأول مرة، بعد مرور أكثر من 20 عاما من الهجرة عن الوطن. الضيف في سطور من مواليد محافظة كربلاء، عام 1959م. التحق بالمعارضة في الثالثة عشرة من عمره، أي في عام 1972م. شارك في انتفاضة عام 1977م، وانتفاضة عام 1978م. دخل المعتقل عام 1978م، بعد ممارسته نشاطا سياسياً في محافظة النجف، لكنه تمكن من الإفلات من قبضته بمساعدة عدد من رفاقه المجاهدين. عام 1979م شارك في حملة توزيع منشورات سياسية غطت جميع محافظاتالعراق، من أقصاه إلى أقصاه. تخرج من قسم الإلكترونيات في كلية الهندسة بجامعة السليمانية عام 1980م. بعد نشاطه السياسي في الجامعة طورد من قبل أجهزة الأمن، وحكم عليه بالإعدام غيابياً في 3 قضايا سياسية منفصلة، فاضطرته الظروف القاسية للهجرة لخارج وطنه. في المنفى الذي دام قرابة 23 عاماً واصل نشاطه المعارض للنظام، في عدة عواصم، منها دمشق، طهران، بيروت، واشنطن، وعدة عواصم أوروبية. انتخب عضواً في أول مكتب سياسي لمنظمة العمل الإسلامي في العراق عام 1989م، وأعيد انتخابه عام 1992م. رأس تحرير جريدة (العمل الإسلامي)، الأسبوعية الناطقة باسم المنظمة، كما ان له مساهمات إعلامية وثقافية وفكرية في العديد من وسائل الإعلام العربية، خاصة صحف المعارضة العراقية، بلغت أكثر من 2000 مقال وبحث ودراسة، نشرت في 20 صحيفة. شارك في العديد من مؤتمرات المعارضة العراقية، أبرزها مؤتمر صلاح الدين عام 1992م، الذي انبثق عنه المؤتمر الوطني العراقي، حيث انتخب فيه عضواً في المجلس التنفيذي، كما شارك في مؤتمر نيويورك عام 1999م، وانتخب عضواً في المجلس المركزي. كما شارك في مؤتمرات واشنطن، لندن، أربيل، وطهران. رأس أول وفد رسمي من الحركة الإسلامية عام 1991م، زار كردستان العراق، أبان انتفاضة شعبان (مارس)، والتقى بقادة الفصائل الكردية، بغية التنسيق بين شقي الانتفاضة في الشمال والجنوب. وبقي هناك حتى عام 1996م، عندما اجتاحت قوات النظام مدينة اربيل، فاضطر إلى الهجرة الثانية إلى خارج وطنه. تربطه علاقات وطيدة بمختلف قادة وفصائل وشخصيات حركة المعارضة العراقية. الأمريكيون سهلوا عمليات السلب والنهب