يظهر من مسودة تقرير يُعده البنك الدولي ستنشر تفاصيله قريبًا، أن الاقتصاد الفلسطيني تكبد خسائر مادية قوامها 5.4 مليار دولار منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في أكتوبر من العام 2000وعلى سبيل المقارنة، يعادل هذا المبلغ حجم الناتج القومي الفلسطيني على مدى سنة كاملة. ويُستدل من المعطيات أيضًا، أن الدخل القومي للفرد في المناطق الفلسطينية انخفض بنسبة 50% منذ بداية الانتفاضة، ولحقت بالبنى التحتية الفلسطينية أضرار متراكمة تقدر بنحو 700 مليون دولار. وتبلغ نسبة البطالة في مناطق السلطة الفلسطينية حاليًا نسبة 53%، ويعيش 60% من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة تحت خط الفقر المحدد بدولارين لليوم ويعيش في قطاع غزة فقط، 75% من السكان تحت خط الفقر. وارتفع عدد الفلسطينيين الذين يعيشون تحت خط الفقر في ديسمبر من العام الماضي إلى مليوني شخص، بعد أن بلغت هذه النسبة في أغسطس من العام 2000، نحو 640 ألف فلسطيني، أي أن عدد من يعيشون تحت خط الفقر ارتفع بثلاثة أضعاف. وانخفض استهلاك الأغذية للفرد الواحد في الفترة نفسها بنسبة 30%. وعلى الرغم من المعطيات الصعبة، إلا أن التقرير يشير إلى أن الاقتصاد الفلسطيني لم ينهر بعد ويجابه المصاعب بصورة أو بأخرى. أما بالنسبة للمعونات المالية الخارجية التي يتلقاها الفلسطينيون، فقد بلغ حجمها في السنة الماضية مليار دولار. وتم إنفاق الجزء الأكبر من هذه المعونات على تمويل الميزانيات المدنية اليومية للسلطة الفلسطينية والتي وصلت في الشهر الواحد إلى 50 مليون دولار، في حين تم تخصيص 30 مليون دولار شهريًا للمساعدات الإنسانية المقدمة للسكان . وقال مدير عمليات البنك الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة، نايغل روبرتس، إن السبب الرئيسي وراء تفاقم الأزمة الاقتصادية في السلطة الفلسطينية هو استمرار الحصار والأطواق الأمنية التي تفرضها القوات الإسرائيلية وتمنع بواسطتها التنقل الحر للسكان والبضائع على حد سواء. واعرب عن رأيه بضرورة إيجاد إسرائيل لما سماه (الدرب الذهبي) بين تحقيق احتياجاتها الأمنية والاحتياجات التي تستدعيها الظروف المعيشية والاقتصادية للفلسطينيين. وطبقاً للتقييمات الصادرة عن البنك الدولي، سيحتاج الفلسطينيون هذه السنة على التوالي إلى معونات خارجية بقيمة 1.1 مليار دولار، لكن هناك مخاوف من تأثير الحرب المرتقبة في العراق على فرص الحصول على هذه المعونات. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الشهور الأولى من هذه السنة، شهدت تراجعًا بنحو الثلثين في المعونات التي تقدمها الجامعة العربية للفلسطينيين. ومنذ ولادة اتفاقيات أوسلو الموقعة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، حصل الفلسطينيون على مساعدات خارجية تقدر بستة مليارات دولار، وهذا ما يعتبر أكبر مبلغ، مقارنة بالناتج القومي، الذي تلقته أي دولة أبدا، بما في ذلك دول أوروبية شملتها (خطة مارشال) بعد الحرب العالمية الثانية. وحسب نموذج البنك الدولي، يصل ما يعادل 50 سنتاً من كل دولار يتلقاه الفلسطينيون في نهاية المطاف إلى الاقتصاد الإسرائيلي. وتشتغل ثلث القوى العاملة في السلطة الفلسطينية في المؤسسات التابعة للسلطة الفلسطينية مثل المدارس، المستشفيات، مراكز الرفاه الاجتماعي والمكاتب الحكومية. وتعود هذه المؤسسات إلى مزاولة أعمالها بعد رفع الحصار وحظر التجول، وقد لحقت بها أضرار أقل. أما قطاع الأعمال فقد تلقى الضربة القاسية، كذلك تضررت كثيرًا الاستثمارات برؤوس الأموال الإنتاجية. ويؤكد التقرير أن المجتمع الفلسطيني (أظهر قوة صمود مثيرة للانطباع) . ويتناول التقرير أيضًا أحد الأخطاء البارزة التي اعترضت الاقتصاد الفلسطيني في طريقه إلى الانتعاش وهي نسبة التكاثر الطبيعي غير المسبوقة،والتي تبلغ 4.35 % سنويًا. ويقول روبرتس ومندوب آخر في بعثة البنك الدولي في المناطق الفلسطينية، إن نسبة التكاثر الطبيعي في المناطق الفلسطينية ارتفعت بوتيرة تفوق قدرة الاقتصاد الفلسطيني على ايجاد أمكنة عمل جديدة. وأضاف أنه حتى لو ضاعفت الدول المانحة معوناتها للفلسطينيين من مليار دولار إلى مليارين في السنة، وهي خطوة احتمالات حدوثها غير عملية أصلاً، فسيعيش في نهاية العام القادم54 % من الفلسطينيين تحت خط الفقر.. ويوصي تقرير البنك الدولي بتغيير طابع الاتفاقيات الاقتصادية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. فمنذ العام 1994 يرتبط اقتصاد الطرفين بجمارك مشتركة تتيح ظاهريًا تحرك البضائع والخدمات بين الجانبين، لكن هذه الحركة الحرة غير قائمة عمليًا منذ 30 شهرًا وليس هناك احتمال باستئنافها. ويقول روبرتس: سفكت دماء كثيرة في الطرفين، لا يمكن إعادة الأمور إلى سابق عهدها قبل اندلاع الانتفاضة، عندما دخل 130 ألف فلسطيني بشكل ثابت إلى إسرائيل. ومن المحبذ للاقتصاد الفلسطيني مع قدوم الحل السياسي، أن يضع حدًا لتعلقه بالاقتصاد الإسرائيلي ويغلق الحدود الاقتصادية معه. ويمكن للفلسطينيين أن يستغلوا لصالحهم تفوقهم التنافسي في الأجور المنخفضة المدفوعة للأيدي العاملة، فقط عندما لا يعود العمال الفلسطينيون إلى إسرائيل ولا تزاحم المنتوجات الإسرائيلية المنتوجات المحلية الأرخص. ويشير إلى أن البنك الدولي يشرف بشكل متواصل بواسطة مدققي حسابات مهنيين، على الأموال المحولة إلى السلطة الفلسطينية، لكن ليس هناك إشراف على الأموال التي تحولها الجامعة العربية.